لا يتعدى عمره 13 عامًا، يقف محمد عاشور بعيدًا عن أقرانه، تائهًا كأنه في ملكوت غير الملكوت، تدور عيناه حول المكان، لا يهتدي بصره لشيء، يقف الكلام على لسانه يتهته بكلام غير مفهوم. تقول شقيقته وفاء من بعد ثلاث سنوات اكتشفنا معاناة محمد من ضمور في المخ، بعد ما لاحظناه من تأخره في الكلام دون عن الأطفال في سنه، وعرضناه على الكثير من الأطباء في قنا وخارجها دون فائدة، لينتهي بنا المطاف بانضمامه لإحدى المدارس الفكرية بالمحافظة. تأخر النطق وعدم تقلب الآخرين والانفصال عن المجتمع، وصعوبة التعلم، كلها مشكلات تواجه الطفل الذي يعاني من "التوحد". والتوحد هو اضطراب نمائي ناتج عن خلل عصبي وظيفي في المخ، ويظهر التوحد بوضوح في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل. ويُعرَّف التوحد بأنه عجز يعيق تطوير المهارات الاجتماعية والتواصل اللفظي وغير اللفظي واللعب التخيلي والإبداعي، نتيجة اضطراب عصبي يؤثر على طريقة جمع المعلومات ومعالجتها بواسطة الدماغ، وهو ما يسبب مشكلات في المهارات الاجتماعية تتمثل في عدم القدرة علي الارتباط وخلق علاقات مع الأفراد، وعدم القدرة علي التصور البناء والملاءمة التخيلية. المدرسة الفكرية تتابع شقيقة محمد، استمر أخي في المدرسة الفكرية ثلاث سنوات حتى أصبح فى المرحلة السادسة، بعدها لم نستطع بعد ذلك إرسالة الى المدرسة الفكرية، وعانينا في بداية الأمر في ذهابه كل يوم إلى مدرسته صباحًا، وانتظار انتهاء يومه الدراسي للعودة به إلى منزلنا بقرية العطايات، والتي تبعد كثيرًا عن المحافظة. أما والدة احمد حسن، الطفل صاحب ال11 عامًا، تقول ألحقت ابني بالتعليم العام منذ البداية، إلا أنه لم يتقبل أقرانه من الأطفال، كان دائم العزلة، ومن ثم بدأ يرفض فكرة الذهاب إلى المدرسة، على أن يذهب فقط لأداء الامتحان، بناء على طلب إدارة المدرسة، والمفاجأة أنه كان يتخطى الامتحانات وينجح، وعندما تحققت من الأمر عرفت أنهم يمنحونه درجات النجاح رأفة به لأنه "بركة". نجاح "البركة" لم أعد أنتظم على العلاج فكيف أوفر له علاج ليس معي ثمنه، بينما يعمل والده باليومية، وقد تقدمنا بطلب للتأمين الصحي، من أجل الحصول على علاجه، ولكن ذلك لم يكن مجديًا، فالتأمين لم يوفر كل ما نحتاجه من علاج، فضلًا عن عدم كفاءة الأدوية، بحسب قولها. بينما يقول مصدر بالتعليم الابتدائي، رفض ذكر اسمه، فى السنوات الماضية كان هناك دمج للمدارس الابتدائية، بين الأطفال الطبيعيين والذين يعانون من التوحد في فصل واحد، موضحًا أن هناك لجنة تحدد نسبة ذكاء الأطفال الذين يعانون من التوحد قبل قبوله، فلا يسمح بقبول الأطفال الذين يعانون من نسبة ذكاء منخفضة في المدارس الابتدائية، وهناك عقوبات على أي مخالفة تتعلق بذلك. وبحسب قوله فإن عامي 2015 و2016 لم يُقبل أي طالب متوحد فى التعليم الابتدائي العام، لتوفير مدرسة فكرية خاصة بالتوحد والتخاطب بقنا، التي تساعد أطفال التوحد في الدراسة والعلاج، نافيًا وجود أي حالة نجاح فى المدارس الابتدئي سابقا لأطفال التوحد دون امتحان أو معرفة بالمواد وبالدراسة. التأمين الصحي والدة مصطفى عبدالنعيم، صاحب ال15 عامًا، والذي يعاني من ضمور في أعصاب المخ تقول إنهم يمرون بمعاناة كبيرة ليحصلوا على علاج التأمين، إلى أن امتنعوا عن ذلك عندما لم يجدوا أي تقدم أو تحسن في حالة ابنها بعد مرور سنوات، مضيفة أنهم مرغمين للجوء إلى علاج الأطباء في العيادات الخاصة والتي قد تعطي نتائج ملحوظة على الطفل مع الوقت والاستمرار. وتتابع نستمر في إرسالة إلى مركز التوحد بمركز دشنا، والتي تعد أيضًا خاصة وليست حكومية، إلا أن هناك من يتعاطف مع الحالات ويخفض الأجر الكبير نظير تلك الجلسات. والدة مصطفى ترى أن المجتمع يتقبل ابنها بما هو عليه، وقد يساعدونه إذا تطلب الأمر ، أما ما تعاني منه فهو حق ابنها الذي تهدره الدولة في العلاج والصحة وغير ذلك، بحسب قولها. بينما تقول عفاف قرقور، مدربة أطفال التوحد بأحد المراكز، إنها تسعى من خلال المركز إلى مساعدة ومساندة الأطفال قدر الإمكان، ولكن تواجهها بعض الحالات التي تحتاج إلي أدوات ومتابعات مستمرة مع أطباء متخصصين في علاج التوحد . يعد الضمور أقل أنواع التوحد، إلا أنه لا يستهان به فهو يحتاج إلي متابعات مستمرة وجلسات للطفل، أما التوحد الكلي فهو أصعب الأنواع ويحتاج إلى أدوات ومستلزمات لا تتوفر كلها في المركز. التشخيص والعلاج ويشرح الدكتور محمد عبداللطيف شمروخ، المتخصص في علم النفس الإكلينكي، أن التشخيص المبكر قد يحسن من علاج وتحجيم تطور الاضطراب عند بعض الحالات، كما أن الملاحظة الدقيقة والمستمرة لسلوك الطفل قد يساعد الاختصاصيين أثناء زيارتهم، بالإضافة إلى أن تقبل أعضاء الأسرة والآخرين لهم قد يفيدهم في سرعة وتحسن الحالة. بعض العلامات التي يمكن أن تشير إلى علامات الإصابة بإضطراب التوحد، هي ممارسة أنماط من السلوك المتكرر مثل رف اليدين، أو دوران الرأس، أو اهتزاز الجسم والسلوك القهري المتبع في الالتزام بالقواعد، مثل ترتيب الأشياء علي أكوام أو صفوف، وتأخر الكلام، وهذه الأخيرة تكون عند بعض الحالات وليس الجميع، فضلًا عن التجنب الاجتماعي للكبار والأطفال معًا، ونقص الانتباه المشترك، والتواصل البصري غير طبيعي، وقد يصفه الآخرون بصفات منها: غير اجتماعي - منعزل - شقي - متمحور حول ذاته - غريب الأطوار.