تصوير ومونتاج - هادي سيد: في غرفة تملأ أرضيتها المياه تقف أريكة وحيدة وعليها غطاء شتوي وكتاب جامعي، فلم يعد يوجد بها من الأثاثات إلا ما يكفي للحد الأدنى من حياة شخص واحد. ترك عبد الرحمن فيصل إكرامي، الطالب بكلية الآداب جامعة بني سويف، كتابه الجامعي، وهبّ استعدادًا لاستقبال فريق "ولاد البلد" الذي توجه لقرية هلية التابعة لمركز ببا جنوب محافظة بني سويف، للتحقيق في أزمة الصرف الصحي وانفجار المياه الجوفية داخل منازل القرية. يؤكد عبد الرحمن والذي كان أكثر أبناء القرية سعيًا لحل الأزمة، أن أسرته هجرت الدور الأرضي واضطروا للتضييق على أنفسهم في الدور العلوي، بعدما ملأت المياة جنبات المنزل، ولم تعد تصلح للعيش الآدمي، واضطر هو للبقاء في الدور الأرضي الذي ملأته المياة الجوفية، ليقضي يومه وليلته في المذاكرة استعدادًا لامتحانات نصف العام في ظل هذا الوضع القاسي. وأوضح عبد الرحمن أن العمل بدأ بمشروع الصرف الصحي بقرية هليه منذ 7 أعوام مضت، إلا أن المشروع لم يعمل حتى الآن، وزادت الأزمة بسبب سحب المقاولين معداتهم دون سحب المياه التي تسببت فيها أعمال الصرف، وكان المفترض أن يتم سحبها وإلقائها في المصرف المخصص للمشروع، لافتًا إلى أن تعامل الوحدة المحلية لقرية هلية كان سلبيًا للغاية مع المشكلة، حيث تلقى الأهالي وعودًا من رئيس الوحدة بسحب المياه بسيارة كسح الوحدة المحلية مجانًا وردم البؤر التي أهلكتها المياه، إلا أن سيارة الكسح حصلت أجرة سحب المياه بمبلغ 30 جنيهًا عن كل نقلة دون مراعاة للوضع أو وفاء بعهود رئيس الوحدة. وأضاف عبد الفتاح، من أبناء القرية، أن المشكلة ظهرت عندما سحب المقاولين الكبسولات التي كانوا يستخدمونها أثناء العمل بالمشروع، لافتًا إلى أنه كان من المفترض أن تتواجد الوحدة المحلية للقرية على رأس العمل وإجبار المقاولين على سحب هذه المياه الناتجة عن أعمال الحفر منعًا لتسرب المياة للبيوت أو تهالك بيوت القرية. وأشار شريف إكرام، عامل يومية، إلى أن الأهالي لجأوا إلى الوحدة المحلية أكثر من مرة، كما لجأوا إلى مرشحي مجلس الشعب ممن حالفهم الحظ في الانتخابات، ولكن لم يتحرك أحد لنجدة الأهالي من كارثة المياه الجوفية. قال خالد شكري، من أهالي هليه، إن رئيس المجلس وعدهم بتحريك سيارة الكسح الموجودة بالوحدة القروية لسحب المياه دون تحميل الأهالي بأي نفقات، إلا أن سيارة الكسح رفضت العمل إلا بعد تحصيل مقابل كل نقلة من أصحاب المنازل المنكوبة، موضحًا أن رئيس الوحدة المحلية للقرية وجه بتحصيل نفقات الكسح من الأهالي. وتابع شكري أن 10 مناطق من القرية منكوبة بالمياه الجوفية، وحوالي 400 منزل يعاني من الأزمة، وأن المقاول سحب معداته بعد انتهاء الميزانية المقررة له للعمل دون استكمال المشروع. وأكد حجازي عيد محمد، أحد الأهالي، أن الحل الوحيد هو تشغيل مشروع الصرف الصحي وأن سيارات الكسح تعتبر حل مؤقت وليس حلا للمشكلة بالكامل. وقال فيصل إكرام شاكر، إنه يضطر إلى كسح المياه يوميًا بشكل يدوي وتلقي بناته المياه في المصرف الموجود بالقرية، موضحًا أنه لا يستطيع أن يتحمل نفقات سيارة الكسح. وتؤكد هناء عبد العظيم، ربة منزل، أن زوجها لجأ لتقديم الشكوى في ببا، فكان رد رئيس وحدة هليه القروية "بتنشروا غسيلنا ال........ بره"، ولم يسأل في الأهالي وكأنه يعاقبهم حسب قولها. وأكدت على كلامها جارتها كريمة إكرام، التي أوضحت أنها تضطر لردم بيتها بالتراب للتخلص من مشكلة المياه، وكل يوم تضطر للتخلص من المياه بنفسها في الترع والمصارف، ومنذ سنوات تسمع أن الصرف سيعمل ليرتاحوا من المشكلة ولكن لا تجد كل يوم غير الكلام ولا جديد. توجهت "ولاد البلد" إلى محمد علي حسن عبد البر، رئيس الوحدة المحلية لقرية هليه، للاستماع إلى رده على شكاوى الأهالي وتفسيره للوضع، فأكد أن مشروع الصرف بالقرية انتهى بنسبة 90 إلى 95%، ولم يتبقى سوى شوارع صغيرة وجاري التنسيق مع شركة المقاولون العرب المنفذة للمشروع مع الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي، وأن أعمال شبكة الانحدار التي تشمل (رمي المواسير واليبارات) تم تنفيذها بنسبة 100%، أما محطة الرفع فقد تم توفير قطعة الأرض بالجهود الذاتية وتم الانتهاء من أعمال المحطة وتم تركيب مواتير الرفع، ولم يتبقى سوى مولدات الكهرباء الأساسية والاحتياطية وهي التي يتوقف المشروع عليها الآن. وأضاف أن خط الرفع تم تنفيذه بطول 2 كيلو ليرفع من محطة الرفع إلى محطة المعالجة ولا يتبقى فيه سوى أمتار بسيطة على توصيله، لافتًا إلى أنه طبقًا للمخاطبات الخاصة مع الهيئة والشركة كان يفترض أن تنتهي في 30 ديسمبر الحالي، إلا أن الأمر على أرض الواقع سيكون خلال الشهور الأولى من العام الجديد. وردًا على شكاوى الأهالي من انتشار المياة داخل البيوت أن الوحدة تعمل بسيارة كسح واحدة وأن نسبة كبيرة من الأعمال تكون مجانية، وأنه خلال أيام ستصل سيارة كسح متطورة من وزارة البيئة وتكلفتها أكثر من 650 ألف جنية حيث تعمل هذه السيارة على فلترة المياة لإعادة استخدامها في أعمال الزراعة، وأن هذه السيارة سيتم استخدامها في بقية القرى التي لم يصلها الصرف بمجلس قروي هليه وهي (طرشوب، وعلي كيلاني، والمشارقة، وعمار، وزاوية الناوية). ووعد عبد البر من خلال عدسات "ولاد البلد" أن يكون الكسح للأسر الفقيرة مجاني تمامًا وخاصة حالات الضمان الاجتماعي التي يتم حصرها حاليًا في القرية.