لم يكن الأمر سهلا على مريم، الطفلة في سن الزهور، أن تترك تعليمها ولعبها ولهوها كمثيلاتها في "الحضانة"، لتخدم أسرتها التي تكاد تموت من العطش، وكل حلمها الحصول على نقطة ماء نقية غير التي تسبب الأمراض وتنبعث منها الروائح الكريهة. المعاناة الطفلة مريم، التي لم تبلغ من العمر سوى 5 أعوام فقط، تتلخص معاناتها في الحصول على نقطة مياه شرب نظيفة ونقية، وهو ما أصبح حلما صعب المنال بالنسبة لها ولأسرتها، الأمر الذي دفعها للجوء إلى تعبئة المياه من المصارف والترع " بالجراكن"، يوميا من مصادر مختلفة وفي نظير ذلك تخلت عن تعليمها، كحل بديل عن الموت عطشا. مريم وتسرد مريم أحمد علي يونس " 5 أعوام"، من عزبة العماري التابعة لقرية حاجر المريس، غربي محافظة الأقصر، التي بها أكثر من 30 منزلا، تحوي أكثر من 300 فرد، أن المأساة التي تعيشها هي والكثير من أهالي القرية، أنهم يرفضون استخدام مياه الشرب منذ فترة، بسبب عدم صلاحيتها للاستخدام حسب وصفها، موضحة أن "رائحتها كريهة وطعمها لاذع" ما يجعلهم ينفرون منها ويستخدمون مياه أخرى نظيفة مخزنة "بالجراكن"، مشيرة إلى أن بعضهم ظروفه المادية لا تقوى على شراء المياه ويضطرون لاستخدام مياه "الحنفية". بلاها تعليم تقول الطفلة مريم، إنها ستترك التعليم وستتفرغ للبحث مع أسرتها عن كوب الماء النظيف، إذ إنها في أولى مراحل التعليم "الحضانة"، وتؤكد: "سأرحل عن عالم التربية والتعليم تماما، لأجل توفير كوب مياه شرب لأسرتي"، لزوم المأكل، والمشرب، وقضاء الحاجة، وتضيف أن مصدر الحصول على تلك المياه هو الترع، والمصارف، والآبار الجوفية غير الصالحة للشرب، التي تحتوي على الكثير من الحشرات، والأتربة والطفيليات، ناهيك عن مخلفات الصرف الصحي والحيوانات النافقة. البحث عن المياه وتستطرد مريم أنها ستستمر في البحث عن المياه النظيفة يوميا، وستهب وقتها وجهدها الضئيلين لأسرتها المكونة من أكثر من 21 فردا، يعاني أغلبهم من المرض من شرب المياه الملوثة وغير الصحية. طلب للمحافظ السابق ويقول أحمد علي يونس، والد الطفلة مريم: "تقدم عدد من أهالي القرية بطلب إلى طارق سعد الدين - محافظ الأقصر السابق، وذكرنا فيه تلك الأسباب المذكورة أعلاه، واستجاب لنا المحافظ بسرعة توصيل خط مياه شرب لهذه الأسر المحرومة، وبوجه السرعة، وبناءً عليه تمت عمل مقايسة من قبل إدارة شركة مياه الشرب والصرف الصحي بإدارة القرنة، لكن دون جدوى". مشكلة الحاجر ويوضح الحجازي طايع أبو حروقه، مدرس بمدرسة بقرية الحاجر، أن المشكلة ليست مشكلة مريم وأسرتها فقط، بل أنها مشكلة أكثر من 300 أسرة متنوعة بحاجر المريس بالأقصر، خالية منازلهم من مياه الشرب، رغم وجود الكهرباء، ورغم أن المسافات قريبة جدا من خطوط شبكة مياه الشرب، لكن بعض المناطق بها مياه غير نظيفة والبعض الآخر لا توجد بها مياه على الإطلاق. أملاك دولة يقول هشام أبازيد - رئيس قرية المريس، إن مشكلة عزبة العماري خصوصا والحاجر عمومان أنها تقع على أرض أملاك دولة، وهو ما يمنع توصيل مرافق إليهم، فبعض المناطق بها مياه كالمدارس والوحدة الصحية، والبعض لا يوجد به مياه مما يدفع الأهالي لحفر الآبار ودق الطلمبات التي تعتبر مياهها غير نظيفة. ويوضح أبازيد، أن هناك ما يسمى بنظام الممارسة للمرافق وهو عبارة عن دفع مبلغ شهري لا يتعدى ال40 جنيها، يدفعه المواطن للانتفاع بمرفقي الماء والكهرباء، ويناشد أبازيد المواطنين الذين يشكون من عدم وجود مياه في منطقة الحاجر بالتوجه إلى شركة المياه، لعمل نظام الممارسة وهو حل بديل.