عندما تشير عقارب الساعة نحو الثانية عشرة صباحًا، يدق جرس المنبه معلنًا عن بداية يوم شاق، يرتدي عم عادل ملابسه، يتناول أدواته، يستعد لضغط عمل لا يتكرر إلا في موسم الانتخابات، من أجل تعليق لافتات مرشحي مجلس النواب. يطل علينا عم عادل عبد العزيز، ذو الخمسين عامًا، بعد عمر طويل في مهنة الفراشة، حاملًا سلم طويل على ذراعه اليمنى يبلغ ارتفاعه 7 أمتار، يودع زوجته وأولاده ليذهب إلى محال فراشة "النور" بشارع المؤسسة بدكرنس، ليبدأ رحلة عمل شاقة لليوم الثاني. ويبدأ الرجل العجوز فى نصب البوابات الخشبية فى الشوارع الرئيسية بمدينة دكرنس، لوضع لافتات المرشحين عليها، ضمن الاستعدادات لبدء الدعاية الانتخابية للمرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية. "المهنة دى يا أستاذ متلقيش فيها شباب غير واحد أو اتنين بس في البلد كلها" هكذا يستهل حديثه معي بداية، شارحًا حجم الخطورة التي من الممكن أن يتعرض لها في أي وقت، إنها بمهنة "وجع الدماغ". يستكمل عم عادل، كل انتخابات مجلس الشعب نلاقي جميع المرشحين عندنا فى المحل بنفسهم عشان نطلع نعلقلهم اليفط بتعتهم فى البلد، وكل واحد لازم يجى بسرعة وقبل غيره عشان يحجز الأماكن الرئيسية اللي يعلق فيها، وبيكون كل الناس اللى بتشتغل في المهنة دي عندها زحمة أيام الانتخابات. يتابع بعد ما المرشحين ينجحوا ويبقوا نواب فى المجلس لو عندي مشكلة ومش عارف اقضيها آخد الأوراق وأروح عشان أقابله معرفش أقابله ولا أصلا يرضى يبص فى وشنا، إذا كان قاعد في البلد أصلا، لكن دلوقتي هو اللى بيجري ورايا عشان يشوفني، الدنيا دوارة يا أستاذ النهارده هو محتاج لي وعاوزني، بكرة مش هايعرفني. ويقول هناك مرشحين بيطلبوا بوابة خشبية ويتعلق عليهم اليافطة بتعتهم وفي ناس تانية بتبقى عاوزة تعلقها بس كدة من غير حاجة، ما هو كل واحد وحسب الفلوس اللي معاه، في ناس تصرف بالملايين على الدعاية دي، وناس تقضيها بيافطة قماش وخلاص، عشان الغلابة وفى الآخر اللي معاه فلوس هو اللي بينجح". ويبدأ الرجل الخمسينى، فى الصعود على السلم، أشاهده من على ارتفاع بعيد، يسند السلم على أحد الأعمدة، ويبدأ في شد الحبال، ليثبت لافتة دعائية لأحد المرشحين بين عمودي كهرباء. كان يتابع حديثه معي بينما يعمل، وفجأة يقطع حديثة موجهًا كلامه لأحد معاونيه: يا أحمد رن على المرشح وعرفه إن اليافطة اتعلقت في المكان اللي هو عاوزة وييجي يشوفها عشان لو اتسرقت مليش دعوة. وعندما سألته: وهل تسرق لافتات الانتخابات، يجيب: أيوة دي غير أي دعاية ممكن تتعلق، لأن في حاجة اسمها "بلطجية الانتخابات" الناس دي بتبقى مع مرشح وضد التاني تلف في البلد عشان تقطَّع يفط المرشح المنافس، وساعتها يفتكر أننا سرقنا اليافطة عشان كدة لازم يبجي يشوفها بنفسه وكدة ابقى عملت اللى عليا. يبدأ عملي الساعة 12 ليلًا بعد أن تخلو المنطقة من الزحام، كي استطيع تأدية عملي، هكذا يقول، متابعًا "عشان اعرف أقف براحتي على السلم ومحدش يضايقنى وبفضل كده لحد الساعة 9 الصبح، بعدها أرجع المحل عشان لو عندنا فرح أو ميتم أو مؤتمر لمرشح نروح ننصبه". وبالرغم من تساقط مياه الأمطار على الرجل العجوز وهو يعتلى سلم الفراشة المرتفع، إلا أنه يمارس عمله وكأنه لا يشعر بأي شيء، يعلل ذلك بقوله "أكل العيش مر يا أستاذ". ويختتم عم عادل حديثه قائلا "نفسي البلد دي تتصلح وياريت الفلوس اللى بتتصرف على تعليق اليفط تتصرف في حاجة مفيدة، دا غير تصميمها وطباعتها كانت هتفرق كتير أوي حتى لو اتوزعت على الغلابة".