في ذلك اليوم الذي أعلنت تركيا فيه دخولها بقوة في حرب التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورياوالعراق، بدأت حملة جوية ضد أحد أكثر الجماعات التي تقاتل التنظيم المتطرف والتي أوقفت تقدمه في الأراضي السورية والعراقية بعد فشل جيشي البلدين في صده. ومنذ 14 يوليو، شنت تركيا مئات الغارات الجوية على ما تقول إنها مواقع لحزب العمال الكردستاني (بي كا كا) في شمال العراق، والمصنف منظمة إرهابية في تركيا. ومن المعروف أن الولاياتالمتحدة تتعاون مع الأكراد لطرد مسلحي تنظيم داعش من الأراضي التي استولوا عليها منذ يونيو 2014 في العراقوسوريا.
ورغم أن الولاياتالمتحدة سعت منذ فترة لانخراط تركيا أكثر في الحرب ضد داعش، الذي استفاد كثيرا من عبور مقاتلين اجانب الحدود التركية الممتدة مع سوريا للانضمام لصفوفه، إلا أن التطورات الأخيرة تعكس التباين في أهداف واشنطنوأنقرة.
وكان المقاتلون الأكراد، وبينهم حزب العمال الكردستاني، قد حققوا انتصارات في مواجهة تنظيم الدولة في سورياوالعراق. وتتخوف تركيا من اغتنام (بي كا كا) الفرصة لإقامة موطئ قدم له على الحدود السورية التركية.
وقد انهارت هدنة تم التوصل إليها بين الحزب وتركيا حين قامت بقصف قواعده شمالي العراق. وتحارب أنقرة الحزب منذ 1984. وقتل أكثر من 40 الفا منذ ذلك الحين.
وصعد حزب العمال الكردستاني صعد من هجماته على قوات الأمن التركية بعد استئناف القوة الجوية التركية قصفها لمواقعه في شمال العراق.
وحزب العمال الكردستاني هو حزب كردي محظور يقوده عبدالله أوجلان المسجون منذ 1999. والحزب يدير عددا من المعسكرات في شمال العراق التي تستهدفها الغارات التركية.
وكان الحزب تنازل عن مطلبه بتأسيس دولة كردية في تسعينيات القرن الماضي، واستعاض عن ذلك بالمطالبة بدرجة أكبر من الاستقلالية في المناطق الكردية.
وفي عام 2013 دعا زعيم أوجلان إلى وقف لإطلاق النار، لكن العنف استؤنف في الأسابيع الأخيرة.
ويقول مراقبون إن حزب العمال الكردستاني استهدف أكثر من تنظيم الدولة من قبل تركيا، لكن المسؤولين الأتراك ينفون أن تكون الغارات الموجهة ضد أهداف لتنظيم الدولة هي مجرد غطاء لمنع حزب العمال من تحقيق مكاسب.
اتهم قيادي في حزب العمال الكردستاني تركيا بحماية تنظيم الدولة الإسلامية من خلال الهجوم على المقاتلين الأكراد.
وقال جميل بايك مع بي بي سي قبل عدة أيام إنه يعتقد أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يتمنى نجاح تنظيم الدولة، لمنع حزب العمال الكردستاني من تحقيق مكاسب.
وتعتبر وحدات حماية الشعب الكردية – التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري - أكثر حلفاء الولاياتالمتحدة فعالية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وعلى الرغم من ذلك ينفي المسؤولون الأمريكيون أي علاقة لوحدات حماية الشعب مع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه واشنطن تنظيما إرهابيا. وكان لوحدات حماية الشعب الفضل الأكبر في منع داعش من السيطرة على مدينة عين العرب (كوباني) ووسعت من سيطرتها على مدين تل أبيض الأمر الذي أقلق الأتراك.
وغضت الولاياتالمتحدة الطرف عن الغارات الجوية التركية على شمال العراق والاتهامات التي وجهها مسؤولون أكراد لأنقرة باستهداف مدنيين في شمال العراق.
''منطقة آمنة'' في مقابل ذلك، سمحت فتحت تركيا قاعدة انجرليك الجوية وقواعد أخرى أمام الولاياتالمتحدة والتحالف لشن غاراته على مواقع داعش، شرط عمل منطقة عازلة على الحدود التركية السورية تكون مأوى للاجئين السوريين الذين أثقلوا كاهل الاقتصاد التركي.
وتؤوي تركيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين مقارنة باي دولة أخرى، ويصل عددهم، حسب أرقام الأممالمتحدة، إلى 1،8 مليون لاجئ.
أعلن رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، عزم بلاده إقامة منطقة آمنة على الشريط الحدودي، شمالي سوريا، بمساعدة الولاياتالمتحدة ودول أخرى.
وقال أوغلو، في مقابلة مع بي بي سي يوم 12 أغسطس، إن هذه المنطقة ستوفر الأمن للمدنيين من هجمات قوات الحكومة السورية أو تنظيم "الدولة الإسلامية".
واضاف إنه سيعمل مع الولاياتالمتحدة لإقامة "منطقة آمنة" للنازحين الهاربين من النزاع في سوريا، غير أن مارك تونر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ألمح إلى أن الولاياتالمتحدة لم توافق بعد على إنشاء منطقة آمنة.
وقال: "لا توجد منطقة ولا ملاذ آمنا، لا نتحدث عن هذا هنا. نتحدث عن جهد مستمر لطرد تنظيم الدولة من المنطقة. نحن حريصون جدا بشأن عدم اختيار مسميات أو وصف لما ستصبح عليه المنطقة، باستثناء القول على أن جهودنا تركز على طرد تنظيم الدولة من المنطقة".
ويقول محللون إن قرار تركيا الانضمام إلى القتال ضد داعش مدفوع في جزء منه بالمكاسب التي حققتها وحدات حماية الشعب الكردية والأراضي التي استولت عليها بد طرد داعش منها في سوريا.
ولدى أكراد المنطقة حلما تاريخيا بدولة مستقلة، الأمر الذي تعارضه تركيا بشدة. وقال أردوغان في تصريحات صحفية إن تركيا "لن تسمح بتأسيس دولة جديدة على حدودنا الجنوبية في شمال سوريا".
استراتيجية اردوغان ويشير محللون إلى أن استراتيجية أردوغان ضد حزب العمال ذات دوافع سياسية. فحزبه العدالة والتنمية فقد أغلبيته البرلمانية في انتخابات يونيو الماضي، ما حرمه من تشكيل الحكومة منفردا للمرة الأولى منذ 13 عاما. ويهدف أردوغان إلى تغذية النزعة القومية في تركيا لكسب أصوات القوميين الذين يعارضون منح الأكراد حكما ذاتيا.
وكان حزب الشعوب الديمقراطي الكردي قد حقق انتصارا مدويا في الانتخابات وحصل على أكثر من 80 مقعدا في البرلمان التركي ما شكل انتكاسة لحزب أردوغان الذي كان يخطط لتحويل نظام الحكم في تركيا إلى نظام رئاسي يعطي صلاحيات أكثر للرئيس.
ويسعى حزب أردوغان إلى تنظيم انتخابات مبكرة عسى أن تساعد الحرب التي يشنها ضد حزب العمال الكردستاني في حصوله على المقاعد التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، وذلك بعد أن فشلت مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة.
أعلن رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، توجه البلاد لانتخابات مبكرة. ونقلت الفضائيات الإخبارية التركية عن داود أوغلو، قوله خلال مؤتمر صحفي الخميس، إنه "بعد المشاورات السياسية التي جرت مع حزب الشعب الجمهوري منذ الثالث عشر من يوليو الماضي، نؤكد قناعتنا بأنه لا يمكن تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري لأنه لا توجد أرضية مناسبة وشراكة بين الطرفين رغم أن العديد من المواضيع التي نوقشت في لجان الحزبين توصلت لاتفاق ولكن مع كل ذلك هناك خلافات جذرية عميقة في بعض المواضيع الأخرى، وأهمها السياسة الخارجية والتعليم".
وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو إن داوود أوغلو عرض عليه تشكيل حكومة مؤقتة حتى الذهاب إلى انتخابات مبكرة، مضيفا أن "تركيا ضيعت فرصة تاريخية". وسبق أن اتهم كليجدار أوغلو أردوغان بعرقلة جهود تشكيل الائتلاف الحاكم.