على الضفة الشرقية من نهر النيل الخالد، بمدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر، يقع متحف التحنيط الفرعونى، وهو المتحف الأول من نوعه في العالم، الذي تحكي محتوياته البالغة 66 قطعة أثرية، أسرار وتاريخ التحنيط في مصر القديمة، بجانب لوحات تصور مراحل الموت والبعث و الحساب. ومن بين محتويات المتحف توجد زجاجة بها سائل أحمر يجتذب أعين المهووسين بالبحث عن الزئبق الأحمر، وما يثار حوله من حكايات أسطورية تملأ آلاف الصفحات في الكتب والمواقع الإليكترونية. ويقول المهووسون بالزئبق الأحمر ويحلمون باقتناء تلك الزجاجة، التي يتاح رؤيتها لزوار المتحف، إن من يتمكنون من معالجة درجات الاشعاع بالزئبق الأحمر المزعوم بتلك الزجاجة يصيرون بعد تناول جزءا منها أقواما خالدين، وأن محتويات تلك الزجاجة - كما يزعمون - تقوم بتثبيت الخلايا في الجسد وتؤدى إلى احتفاظه بالشباب الدائم والصحة الخالدة فلا يهرم ولا يشيخ ولا يمرض و لا يموت، وقدرة محتويات تلك الزجاجة على تحويل المعادن الرخيصة الى معادن نفيسة. وترجع قصة تلك القارورة التي تعد أكثر المعروضات إثارة للجدل بمتحف التحنيط في مدينة الأقصر الى الأربعينات من القرن الماضي، حيث تم اكتشاف زجاجة تخص أحد كبار قواد الجيش في عصر الأسرة 27 "آمون.تف.نخت" الذي تم تحنيطه في داخل تابوته نتيجة عدم التمكن من تحنيط جسده خارج المقبرة بسبب أحداث سياسية مضطربة في عصره. وحول تفاصيل القصة المثيرة للسائل الأحمر الموجود داخل الزجاجة الشهيرة بمتحف تحنيط الأقصر قال عالم الآثار المصري والمدير العام السابق للمتحف الدكتور محمد يحيى عويضة، إنه قد بدأ الحديث عن الزئبق الأحمر المصري بعدما عثر أحد الأثريين المصريين، على سائل ذي لون بني يميل إلى الاحمرار أسفل مومياء " آمون.تف.نخت " قائد الجيوش المصرية خلال عصر الأسرة 27 في مصر القديمة، إذ عندما عثر على المومياء عثر بجوارها على سائل به بعض المواد المستخدمة في عملية التحنيط وهي عبارة عن " ملح نطرون ،ونشارة خشب، وراتنج صمغي، ودهون عطرية، ولفائف كتانية، وترينتينا ". واشار إلى أن هذا السائل لايزال محفوظاً في الزجاجة التي تجتذب الأنظار بمتحف تحنيط الأقصر وتحمل خاتم وشعار الحكومة المصرية، وتعتبر هذه الزجاجة السبب الرئيسي في انتشار كل ما يشاع عما يسمى بالزئبق الأحمر المصري. واضاف أنه نتيجة إحكام غلق التابوت على الجسد والمواد المذكورة، حدثت عملية تفاعل بين مواد التحنيط الجافة والجسد، أنتجت هذا السائل الذي وضع في هذه الزجاجة، وبتحليله وجد أنه يحتوي على 86 إلى 90 بالمئة سوائل آدمية من ماء، ودم أملاح، وأنسجة رقيقة و 7 إلى 36 بالمئة أملاح معدنية ( ملح النطرون الذى كان يستخدم في عملية تحنيط الموتى ) و12 بالمئة محلول صابوني و0.01 بالمئة أحماض أمينية، و65.1 بالمئة مواد التحنيط من راتنج وصمغ ومادة بروتينية. وقال عويضة إن الزئبق الأحمر عبارة عن بودرة معدنية حمراء اللون ذات إشعاع، ولاتزال تستخدم في عمليات ذات صلة بالانشطار النووي , ومصدر تصنيعه وتصديره أو نقله وتهريبه لدول العالم هي دول الاتحاد السوفيتي السابق، اذ تقوم بعض العصابات بتهريبه من داخل المفاعلات النووية هناك ليباع بملايين الدولارات في الخارج. وأكد عالم الاثار المصري أن ما يسمى بالزئبق الاحمر المصري فهو شيء لا وجود له ولا علاقة بين الزئبق الأحمر والفراعنة ولا يوجد أي بحث تاريخي أو علمي حتى اليوم يثبت استخدامهم له في عمليات التحنيط. واشار عويضة إلى أن الذين عملوا في حقل الحفريات والتنقيب الأثري لم يسجلوا أي حالة واحدة لظهور شيء اسمه الزئبق الاحمر المصري. ويتعرف الزائر لمتحف التحنيط في الأقصر على كل تفاصيل التحنيط المصري القديم الذى كان احد السمات الاساسية في الحضارة المصرية لان الحضارة المصرية تعتبر الخلود هويتها وعنوانها وكان كل مصري قديم يفكر في حياته الثانية قبل ان تسير به رحلة الحياة الي نهايتها. ونفى عويضة الذى يعمل حاليا مديرا عاما لآثار غرب الأقصر، وجود صلة بين ما يثار من روايات عن العلاقة بين الزئبق الأحمر من جهة والتحنيط الفرعوني من جهة أخرى، كما نفى وجود ما يسمى بالتركيبة السحرية للتحنيط. واستبعد صحة ما يتردد عن أن الفراعنة كانوا يحقنون موتاهم بتركيبة ترتبط بمكونات الزئبق الأحمر لحفظ أجساد موتاهم، وقال إن التحنيط هو عملية متكاملة كانت تستخدم فيها مواد كثيرة ومختلفة كان لكل منها غرض طبي فهناك مواد تجفيف وهي ملح النطرون لاستخلاص المياه من الجسد المراد تحنيطه وهناك مواد تعقيم يستخدمها المحنط وهي ما يسمى بنبيذ البلح الذي يحتوى على 14 بالمئة كحل. وأضاف أن هناك ايضا توابل ونباتات تحتوى على حامض الدهيد السنياميك مثل الدارصوص والكندر والمر وهي عبارة عن مواد حافظة تسمى بالمواد التانينية ،وأنه كان هناك ما يسمى بالراتنج الذي كان يسد مسام الجلد ويمنع دخول البكتيريا ويساعد في قتل الحشرات. وقال عويضة إن الفراعنة لم يلجأوا الى الحقن الا في تحنيط الطبقة الثانية من الشعب حينما كانوا يحقنون الجسد بحقنه مملوءة بزيت الارز للمساعدة في عملية التنظيف داخل الجسد.