قال الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن بعض الدول العربية تشهد اليوم تهديداً لكيانها وهويتها وتنوعها، يتطلب مراجعة شاملة وإعادة نظر في كل مسارات الحياة الاجتماعية الاقتصادية لاجتثاث ثقافة التطرف والأصولية من جذورها ودرء ما تحمله من مخاطر وتهديد للأمن الإنساني. وأعلن العربي، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تنظيم جامعة الدول العربية منتدى حول دور الإعلام في مواجهة الإرهاب خلال شهر يونيو المقبل في نيويورك وذلك بالتنسيق الكامل مع الجهات المعنية بمكافحة الارهاب داخل الأممالمتحدة. وينشر مصراوي النص الكامل لكلمة الأمين العام للجامعة العربية والتي جاء فيها '' السيد الرئيس، يسعدني باسم جامعة الدول العربية أن أتقدم لكم ولدولتكم الصديقة أوغندا بالتهنئة الحارة على ثقة المجتمع الدولي على انتخابكم رئيسا للجمعية العامة، وأن أعرب عن تقديري للأسلوب المتميز الذى تديرون به أعمال هذه الدورة. وأود التقدم بخالص الشكر والتقدير لمعالي السكرتير العام بان كي مون علي جهوده الحثيثة والمقدرة. السيد الرئيس، إن أهمية اجتماع اليوم تتمثل فى كونه أحد حلقات التواصل والتفاعل الجاد والبناء بين الجمعية العامة للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية ومنها بالطبع جامعة الدول العربية. إن التعاون بين الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية له تاريخ طويل يرجع إلى عام 1950، منذ ذلك الحين، تطور التعاون بين المنظمتين بصورة تدريجية وإيجابية حتى وصلنا إلى قرار الجمعية العامة رقم A/RES/69/9 المؤرخ فى 11 نوفمبر 2014 والمعنون ''التعاون بين الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية''. ورسخ هذا القرار المبدأ الهام الذى ارساه ميثاق الأممالمتحدة فى فصله الثامن والذى شجع على قيام منظومة الأممالمتحدة بالتعاون مع المنظمات الإقليمية فى المجالات ذات الاهتمام المشترك وخاصةً فى مجال حفظ السلم والأمن الدوليين. فالمستجدات والأوضاع العالمية المتغيرة والمتلاحقة والأزمات الدولية والإقليمية، التي نشهدها اليوم، تتطلب المزيد من هذا التعاون وتوسيع آفاقه، والعمل على تقريب واختصار المسافة بين ما تتخذه المنظمات الإقليمية والجمعية العامة للأمم المتحدة من توصيات وقرارات. كما طلبت الجمعية العامة إلى منظومة الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية من خلال هذا القرار ضرورة استعراض آليات التعاون القائمة ووضع التوصيات والمقترحات اللازمة بغرض تحديث تلك الآليات وتعزيزها وضرورة مراجعة وتحديث اتفاقية التعاون بين المنظمتين لعام 1989، بما يتماشي مع أولوياتهما والتحديات الناشئة. السيد الرئيس، إن التعاون الوثيق والبرامج والأنشطة المشتركة بين الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية تشمل مجالات كثيرة قد لا يسمح الوقت لسردها ولكني أود فى هذا المقام أن القي الضوء على جزء يسير من أوجه التعاون بين المنظمتين خلال العامين الأخيرين. أولاً : على مدار العامين الماضيين، عززت إدارة الشؤون السياسية بالأممالمتحدة، بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، شراكتها مع جامعة الدول العربية فى عدة مجالات، من بينها عقد الدورات التدريبية فى إطار برنامج ''بناء الموارد فى مجالات الديمقراطية وشؤون الحكم والانتخابات'' (BRIDGE) بجانب تقديم المشورة التقنية بشأن إنشاء قواعد بيانات انتخابية لجامعة الدول العربية. كما أن إدارة الشؤون السياسية تقوم بتنفيذ مشروع لمساعدة الجامعة العربية على تطوير قدراتها فى مجالات منع نشوب النزاعات وحلها، والوساطة. وفى هذا الشأن، جاري التنسيق والتعاون بين إدارة الشؤون السياسية بالأممالمتحدة وجامعة الدول العربية من أجل مراجعة وتحديث أتفاقية التعاون التي أشارت إليها بين المنظمتين عام 1989، وجاري إضافة مجالات جديدة للتعاون فيما بينهما ومنها : آليات الإنذار المبكر، منع وفض وتسوية النزاعات، حفظ وصنع وبناء السلام. ومن المآمول أن يتم توقيع البروتوكول على هامش الاجتماع الثالث عشر للتعاون بين المنظومتين المقرر عقده خلال العام القادم. ثانياً: صدر عن اجتماع التعاون في يونيو 2014 عدداً هاماً من القرارات العامة والتوصيات بشأن كافة الموضوعات المتعلقة بالتعاون في مجال حفظ السلام والأمن الدولي بما فيها قضية فلسطين، العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، اليمن، السودان والصومال. فأنه قد تم أيضاً رفع توصيات بشأن الموضوعات المتعلقة بمجالات حقوق الملكية الفكرية، حماية التراث، حقوق المرأة، البرامج المتصلة بالتغيرات المناخية، سياسات البحث العلمي، أجندة ما بعد عام 2015، حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبرامج المتعلقة بجودة التعليم. كما أنه قد تم الاتفاق على تحديد منسق خاص بكل منظمة عربية ودولية حتى يسهل التواصل بين المنظمات المشاركة في أي مشروع تعاون ولمتابعة تقدم تنفيذ المشروعات المتفق عليها. ثالثاً: تولي جامعة الدول العربية المسائل المتعلقة بشؤون نزع السلاح أهتماماً خاصةً، وفي هذا السياق، وبمناسبة انعقاد مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار للأسلحة النووية، لقد اصدرت جامعة الدول العربية رؤيتها الإطارية للأمن الإقليمي فى منطقة الشرق الأوسط الذى لن يتحقق إلا بإزالة أسلحة الدمار الشامل من دول المنطقة جميعاً دون أستثناء. رابعاً: فى خطوة هامة لضمان حماية الأطفال فى العالم العربي، دخلت جامعة الدول العربية ومكتب الممثلة الخاصة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح فى اتفاق لتعزيز حماية الأطفال المتضررين من النزاعات المسلحة فى العالم العربى وذلك على هامش أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة. خامساً: فى مايو 2013، اطلقت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ''الإستراتيجية الإقليمية لحماية المرأة العربية: الأمن والسلام'' بالتعاون مع هيئة الأممالمتحدة للمرأة منظمة العمل العربية كخطوة أساسية على طريق رفع وعي المسئولين والأطراف الفاعلة ذات الصلة بالقرارات الدولية والإقليمية ووضعها موضع التنفيذ وتجديد الالتزامات ''بالمرأة والأمن والسلام'' وتحديد سبل معالجة التحديات والمستجدات. السيد الرئيس، أود التأكيد على أن ما تشهده بعض الدول العربية اليوم من تهديداً لكيانها وهويتها وتنوعها، يتطلب مراجعة شاملة وإعادة نظر فى كل مسارات الحياة الاجتماعية الاقتصادية لإجتثاث ثقافة التطرف والأصولية من جذورها ودرء ما تحمله من مخاطر وتهديد للأمن الإنساني. وفى ضوء هذا، أكد قادة الدول العربية خلال الدورة العادية (26) لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة على ادراكهم بأن مفهوم الأمن القومي العربي ينصرف إلى معناه الشامل، وبأبعاده السياسية والعسكرية والاقتصادية والايديولوجية والاجتماعية، بحيث تتمكن الدول العربية من الدفاع عن نفسها وحقوقها، وصيانة استقلالها وسيادتها. وفي هذا الاطار، التزمت الدول العربية باتخاذ الاجراءات اللازمة والتدابير الكفيلة بحماية الأمن القومي العربي والتصدي للمنظمات الارهابية ولجميع أشكال التطرف لإعادة السلم والأمن إلى نصابهما. وفى هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن جامعة الدول العربية ستنظم منتدي حول دور الاعلام في مواجهة الارهاب خلال شهر يونيو القادم فى نيويورك وذلك بالتنسيق الكامل مع الجهات المعنية بمكافحة الارهاب داخل الأممالمتحدة. السيد الرئيس، إن جامعة الدول العربية تحرص دائماً على التعاون وتقديم كافة أشكال الدعم لوكالة الأممالمتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الإدنى (الأونروا) وذلك إيماناً بأهمية الدور الذى تقوم به الوكالة فى توفير المساعدة والحماية والخدمات اللازمة للاجئين الفلسطينيين إلى حين التوصل إلى حل عادل ودائم بموجب قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة. السيد الرئيس، وأخيراً فإن ضيق الوقت يحول دون سرد جميع أوجه التعاون بين الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية حيث أن هناك تعاون وثيق وبرامج مشتركة فى مجالات كثيرة لن يسعفني الوقت لسردها مثل مكافحة المخدرات ومنع الجريمة ومكافحة الأتجار بالبشر ومكافحة الفساد وكافة المجالات القانونية وكذا التعاون الوثيق والمثمر مع كل من مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ومفوضية حقوق الإنسان. إلا أنني أود في ختام كلمتى أن أقدم بعض المقترحات لتدعيم العلاقة بين الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية فيما يتعلق ببناء القدرات وتبادل الخبرات وخاصةً تلك المتعلقة بالتسوية السلمية للنزاعات وحفظ السلم والأمن: 1) النظر فى تطوير آليات الإنذار المبكر واستحداث استراتيجيات شاملة وقابلة للتنفيذ فيما يتعلق بمنع نشوب النزاعات المسلحة. 2) ضرورة التنسيق والتشاور فيما بين المبعوثين المنوط بهم القيام بدور الوسيط لحل نزاع بعينه خلال عملية التفاوض والوساطة. على أن يرأس هذه الاجتماعات مبعوث الأممالمتحدة بجانب عقد اجتماعات دورية بين فرق العمل المصاحبة للمبعوثين الخاصين وممثلي الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية بمشاركة المبعوث الخاص أو نائبه. 3) زيادة الاهتمام بسبل التعاون بين المنظمتين ونقل الخبرات فيما يتعلق بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين وادارة عمليات حفظ السلام بالأممالمتحدة خاصةً فى ضوء قرار الدورة رقم (26) لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الذي قرر في 29/3/2015 ''اعتماد مبدأ إنشاء قوة عسكرية عربية تشارك فيها الدول اختيارياً. تضطلع هذه القوة بمهام التدخل العسكري السريع وما تكلف به من مهام أخرى لمواجهة التحديات التى تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية..'' ويتم الان بلورة انشاء هذه القوة.''