يعيش الطالب المصري الملحد كريم البنا في خوف وقلق عارمين خشية ان يتكرر سجنه اذا رفض القضاء الاثنين طعنا قدمه على حكم بالسجن ثلاث سنوات صدر ضده بعد ادانته بازدراء الاسلام على فيسبوك. ويقول البنا ذو الوجه الطفولي والذقن الخفيفة في مقابلة مع فرانس برس في منزله المتواضع في ضاحية شعبية شرق الاسكندرية ''هم يحاكمونني فقط لأنني ملحد. لم اهن الاسلام ولم اسئ اليه فهم يعتبرون الالحاد نفسه إزدراء للدين الاسلامي''. وتعددت الاحكام الصادرة في مصر اخيرا بحق شباب جهروا بالحادهم في مجتمع متدين ومحافظ اذ يظل الحق في ''حرية الاعتقاد'' مجرد حبر على ورق الدستور المصري الذي يكفل هذا الحق صراحة ومن دون مواربة. ويعتبر عموم المصريين ان الملحدين كافرون وهو أمر مستهجن من المسلمين والمسيحيين بل أن أسرهم تشعر بالحرج وتحاول مراجعتهم دينيا وإن لم تفلح فإنها تتبرأ منهم امام المجتمع. ورغم إباحة الدستور المصري لحرية الاعتقاد فان القوانين تجرم إهانة الأديان السماوية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية وهو ما يُستخدم لملاحقة الملحدين خاصة اذا كانوا مسلمين. وأدانت المحاكم المصرية 27 من أصل 42 متهما بتهمة ازدراء الاديان في الفترة بين العام 2011 و2013، بحسب حصر أجرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وهي منظمة حقوقية مصرية. وصدر حكم بالسجن ثلاث سنوات على البنا (22 عاما) الطالب بكلية الهندسة بتهمة ازدراء الاسلام على فيسبوك لكنه دفع كفالة ألف جنيه (قرابة 130 دولارا أميركيا) لإخلاء سبيله بانتظار جلسة الاستئناف المقررة في اليوم. واذا ما جرى تأكيد الحكم فسيضطر البنا لتنفيذ عقوبة السجن مع حقه في الطعن على الحكم أمام محكمة النقض. ومنذ خروجه من السجن في كانون الثاني/يناير الفائت يعيش البنا في عزلة حقيقية وخوف شديد من تكرار تجربة سجنه التي استمرت 55 يوما. سجني كان قبرا: ويتذكر البنا الذي يرتدي معطفا جلديا أسودا ويدخن بشراهة بعد أن انفجر باكيا واحمر وجهه، فترة سجنه ''كنت أعيش في قبر. لا نعرف الليل من النهار'' قبل ان يضيف وفي صوته حشرجة وهو يخفي وجهه بكفيه ''مرعوب أدخل السجن تاني. السجن في مصر ذل ومهانة''. واضاف معبرا عن احساسه بالقهر ''اضطررت ان اصلي بانتظام في السجن وان اقرا القرأن كي اسلم من الاضطهاد في السجن''. ومثل شباب اخرين ملحدين، يقول البنا انه لا يسعى لنشر الالحاد لكن المجتمع والدولة يلاحقانه ويتساءل ''هل سأعاقب لاني لا اشعر بوجود إله. كنت اتمنى ان يعاملني المجتمع كانسان''. وقال شباب وصفوا انفسهم بانهم ملحدين في مقابلات مع فرانس برس انه من الصعب مواجهة اسرهم والمجتمع بالأمر. ويسترجع البنا بألم وحسرة كيف شهد والده ضده في المحكمة ''قال انني لدي افكار ضد الدين. كان يخلي مسؤوليته عني اجتماعيا''. واوقف البنا مع صديق له حكم ايضا عليه بالحكم نفسه اثر مشاجرة في بلدته ادكور في محافظة البحيرة قال إنه تعرض فيها للضرب والإهانة وقال أحدهم للجموع ''احرقوه فهو كافر''. ووذهب البنا لمركز شرطة ادكور ليشكو جيرانه لكنهم احتجزوه لمحاكمته، وفي زنزانته التي قال انها كانت تحت الارض ومضاءة بمصباح من الخارج يقول البنا ''بدا أنه لا حياة لي في مصر سوى في السجن'' المصير المظلم الذي يخشاه البنا ويحاول اخرون تفاديه بشتى الطرق. حياة موازية: وفي مقهي راق في وسط القاهرة قرب ميدان التحرير قبلة الثورة التي اطاحات الرئيس مبارك في 2011، تقول الصيدلانية العشرينية شيماء، وهو اسم مستعار اختارته خشية التعرف عليها، أن الحريات التي أطلقتها هذه الثورة كانت الشرارة التي جعلتها تفكر في الأديان وانتهت بها لعدم الاعتقاد بوجود إله. لكن شيماء (29 عاما) التي تربت في أسرة مسلمة محافظة تقول بصوت خافت بالكاد يُسمع ''أنا لا أعلن أني ملحدة. اسرتي تتشاجر معي بخصوص تأدية الصلاة فما بالك لو علموا اني ملحدة''. هذه المخاوف من الأسرة والمجتمع جعلت شيماء تعيش بشخصيتين مختلفتين حتى في العالم الافتراضي ''حساب على فيسبوك للأهل وزملاء العمل، وآخر أكون عليه أكثر تحررا لأصدقائي المنفتحين''. وتخطط شيماء للزواج من صديقها الملحد بيشوي وهو ايضا اسم مستعار للشاب الثلاثيني الذي هجر المسيحية. واضافت مبتسمة وهي تشبك يدها بيد صديقها ''في رمضان علي أن اتناول الطعام نهارا سرا بعيدا عن الأعين.. أشعر اني لابد أن أغادر مصر''. ويعد الملحدون من ''الأقليات الأقل تمتعا بالحماية في مصر''، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش التي قالت إن على السلطات المصرية ''التوقف عن ملاحقة الأشخاص بتهمة الإلحاد''. وتبنت مصر أخيرا اجراءات للحد من انتشار الالحاد بين الشباب بينها تنظيم ندوات في المساجد. كما اعلنت دار الافتاء المصرية ان عدد الملحدين المصريين 868 ملحدا دون تقديم أي أسانيد للرقم. لكن شابا كان يعتنق المسيحية قبل أن يلحد قال ضاحكا ''عددنا أكبر من ذلك بكثير لكننا لا نجهر بالحادنا''. وحين سئل عن ازدياد ظاهرة الالحاد في مصر قال أحمد ترك - المسؤول في وزارة الأوقاف، لفرانس برس: ''الدولة أبدا لم تكن كافرة. هذه بلاد مسلمة والمصريون مسلمون ورعون''. والمفارقة أن البنا كان محبا لجماعة الإخوان المسلمين ومؤيدا لمرسي لكنه يقول ''شعرت أن الدين يستخدم لإشعال حرب اجتماعية وطائفية فنفرت من الدين ومن كل شيء''. وقال البنا فيما كان آذان الظهر يرتفع في المكان من حوله ''أنا بين اختيارين، إما أن أحترم ذاتي وأعيش بأفكاري وبالتالي أواجه الاضطهاد والسجن أو لا أحترم ذاتي وأظهر تدينا غير موجود داخلي شكلا فقط لأنجو بنفسي''. لكنه عاد وأجاب على تساؤله بهدوء وبلا تردد ''خياري دوما أن أحترم ذاتي''. وفي الطريق من منزله للبحر حيث تنتشر آيات قرآنية على الحيطان وفيما كان يحاول أن يسرع الخطى لتفادي نظرات جيرانه، قال البنا بإحباط ويأس ''كل ما أريده الآن أن أغادر مصر. لا مجال للحياة هنا مطلقا للملحدين''.