كان يقف بجوار فرشة كتب بالقرب من جامعة عين شمس، يرتدي جاكيت من الجلد يبدو ثقيلا مقارنة بدرجة حرارة الجو في هذا الوقت ''أنا بقف هنا لغاية وقت متأخر من الليل، عشان كده بعمل حساب البرد.. عارف إن محدش هيشتري كتب متأخر كده بس كل اللي علينا هو الاجتهاد''. شاب عشريني لا ترى في عينيه إلا الطموح في أن يكون الغد أفضل ''أنا قلت مش هقف ساكت ومش هخلي حد يتحكم فيّ ولا يخليني أشتغل وأخد مرتب قليل مقابل كمية الشغل اللي يحددها هو.. بس لأن البلد مفيهاش شغل، وأصحاب الوظائف بيستغلوا الشباب، يعني ممكن أقف فرد أمن لمدة 12 ساعة بمرتب ما يوصلش حتى ال1000 جنيه.. كان كل هدفي أبدأ مشروعي الخاص''؛ هكذا بدأ محمد مصطفي الحاصل على دبلوم تجارة تعريفه بنفسه. يضيف محمد قائلا ''خدت شهادتي المتوسطة وفضلت مبعملش حاجة لمدة سنة وأكتر، فقررت إني لازم أصرف على نفسي''، عمل ''مصطفى'' في الكثير من المهن البسيطة بدءا من بائع ملابس علي الرصيف، لكنها كانت مهنة شاقه وغير مربحة وكان الجميع يتفنن في إرهاقه للحصول على لقمة العيش، من أول الزبائن مرورا بزملاء المهنة والمنافسة الحادة بينهم وصولا إلى البلدية. لم يستمر الشاب في هذا العمل كثيرا، فانتقل كعامل في سوبر ماركت، لمدة 12 ساعة يوميا مقابل 950 جنيها شهريا، لم يكن العمل طموحه ولكنه استمر فيه حتى وجد ضالته بمحل كتب صغير بجوار جامعة عين شمس ليبدأ كبائع فيه، كان الأجر به قليل لا يزيد عن 120 جنيها اسبوعيا أي ما يعادل 480 جنيها شهريا لكن كان الوضع علي أي حال أفضل مما سبق ''كنت بتعامل مع ناس محترمة جاية تشتري كتب وأغلبهم من الطلبة، صاحب المحل كان بيثق فيا''، رأى ''مصطفى'' في هذه المهنة حياته القادمة، رغب في تعلمها ومعرفة خباياها حتى يستقل بتجارته الخاصة؛ تعلم كيفية إحضار الكتب بسعر مناسب وأماكن بيعها وكيفية بيعها والتعامل مع الزبائن، كان يدخر من جنيهاته القليلة التي يحصل عليها كل شهر، حتى تمكن من جمع مبلغ قليل يمكنه من بدء مشروع خاص ''واشتريت الفرشة اللي واقفين عليها دي كان أخويا وقتها خلص جامعة ولم يجد عملا فعرضت عليه يشاركني وبالفعل اشتغلنا سوا.'' يضيف محمد معبرا عن أمله فيما اختاره ''عارف إن تجارة الكتب مش مربحة الأيام دي ولكن بحاول أخليها مربحة''.. فبحكم موقعه بالقرب من الجامعة وتعامله مع الطلبة يشتري بعض الكتب الدراسية القديمة لطلبة الحقوق والآداب، كذلك يبيع بعض القواميس التي يحتاجها الطلبة الذين يأخذون كورسات ويجدونها باهظة الثمن، هذا بالطبع إلي جانب الكتب الرائجة مثل كتب الأبراج وروايات الحب ووصفات الطعام وغيرها من الكتب التي تقبل على شرائها الفتيات بشكل واسع، بالإضافة للكتب الثقافية التي يحاول شرائها بسعر رخيص ''لأن زباينها قليلين''. يختتم ''محمد'' كلامه قائلا ''أتمني إن تجارتي متقفش عند الحد دة وأتنقل من الفرشه لمحل أكبر لحد ما يبقى عندي دار نشر تنافش الدور المشهورة''.