الشرطة الأمريكية تعتقل 93 طالبا مؤيدا لفلسطين بجامعة كاليفورنيا    الرئيس الفلسطيني يدعو لوقف العدوان الإسرائيلي وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة    أخبار الأهلي: كولر يكشف عن الصعوبات التي تواجهة الأهلي أمام مازيمبي    جلسة تحفيزية للاعبي «يد الزمالك» قبل مواجهة سكيكدة الجزائري    تطوير ملاحة «سبيكة» بالعريش ومجمع صناعى للإنتاج    النقل تكشف الأعمال الإنشائية للمرحلة الأولى من الخط الرابع للمترو (صور)    ملحمة مصرية «تحت الأرض»| تنفيذ 19 كيلومترًا بالمرحلة الأولى للخط الرابع للمترو    "فاو" تنظم مائدة مستديرة حول العمل المناخي في قطاعي الثروة الحيوانية والألبان بمصر    ضمن أعمال الموجة 22، إزالة التعديات على 6 أفدنة بواحة الخارجة في الوادي الجديد    أخبار السيارات| مواصفات وسعر أوبل كورسا الفيس ليفت بمصر.. أودي A3 الهاتشباك الجديدة تظهر بهذه الأسعار    تقسيط شقق رفح الجديدة على 30 عاماً تنفيذًا لتوجيهات الرئيس    «الريادة»: ذكرى تحرير سيناء ستظل راسخة في عقول ونفوس المصريين    جيش الاحتلال: 41 عسكري قُتلوا و630 أُصيبوا منذ بدء العملية البرية بغزة    تزامنا مع اقتحامات باحات الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون صلواتهم عند حائط البراق    إيراني: الرأي العام العالمي استيقظ    حزب الله يستهدف ثكنة زبدين في مزارع شبعا بالأسلحة الصاروخية    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    غادة شلبي: أعداد السائحين اقتربت من 15 مليون    أول قرار من جوميز بعد وصول الزمالك غانا استعدادا لدريمز    تشافي يكشف أسباب استمراره في القيادة الفنية لبرشلونة بعد قرار الرحيل    الدوري الإسباني، بيلينجهام خارج قائمة ريال مدريد أمام سوسيداد للإصابة    جاريدو عن أزمة مباراة نهضة بركان: قرار كاف ليس عادلا وهدفنا الفوز في الإياب    بمناسبة عيد تحرير سيناء.. الإفراج بالعفو عن 476 نزيلاً    عقب سيجارة أحرق الهيش.. حريق بجوار مسجد في بني سويف    ضبط 2200 مخالفة مرورية وتنفيذ 300 حكم قضائي خلال 24 ساعة    خطوات تحميل امتحانات دراسات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني pdf.. «التعليم» توضح    الإفراج عن 476 نزيلا بمناسبة عيد تحرير سيناء    كارول سماحة شاعرة وملحنة في ألبومها الجديد    قومي المرأة ينظم برنامج سينما الطفل بأسوان    «أرض الفيروز» بمستشفى57357    هبة مجدي تحيي ذكرى وفاة والدها بكلمات مؤثرة    بالفيديو.. خالد الجندي: كل حبة رمل في سيناء تحكي قصة شهيد    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    أعظم القربات في الحر الشديد.. الإفتاء تكشف عن صدقة ودعاء مستجاب    قلل الشاي والقهوة.. نصائح مهمة لتجنب ضربات الشمس والإجهاد الحراري    للنساء الحوامل.. 3 وصفات صحية لمقاومة الرغبة الشديدة في الأكل    تفاصيل الاجتماع المشترك بين "الصحفيين" و"المهن التمثيلية" ونواب بشأن أزمة تغطية جنازات المشاهير    مدرب الترجي: سنعمل على تعطيل القوة لدى صن داونز.. وهدفنا الوصول لنهائي إفريقيا    رئيس بيلاروس يحذر من كارثة نووية حال تواصل الضغوط الغربية على روسيا    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مصر تنافس على ذهبيتين وبرونزيتين في أول أيام بطولة أفريقيا للجودو    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    اليوم.. حفل افتتاح الدورة ال 10 لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوى عاشور.. لا وحشة في قبر أستاذة الأمل (بروفيل)
نشر في مصراوي يوم 01 - 12 - 2014

في أواخر مايو 1946، جلس رجلين أحدهما كهل، في الطابق الأول ببيت بسيط مطل على النيل بمنطقة المنيل، يحاول الأكبر سنا تهدئة الآخر، يهدهد توتره، يُشغله بالحديث عن الاسم الأفضل للطفل المنتظر، فيما كانت ابنته ''مية'' في الطابق الثاني تعاني آلام الوضع، قبل أن تصلهم صرختها، تتبعها صرخة أوهن لطفلتها التي حضرت توا إلى الحياة، يهرعان إليها، يتأملان الكائن الصغير الرقيق، يقول الجد لابنته وزوجها ''لنُسميها رضوى'' نسبة إلى جبل يقع بالقرب من المدينة المنورة، تضرب به العرب المثل في الرسوخ فتقول ''أثقل من رضوى''.
تربت ''رضوى'' في كنف والديها، المحامي العاشق للغة العربية المولع بالأدب العربي القديم، و''مية'' الأم التي تعشق الرسم، كثيرا ما وقفت الطفلة أمام لوحتان زيتيتان كبيرتان معلقتان أمام باب المنزل، رسمتهما والدتها قبل أن تتم العشرين، تتطلع إليهما في وله، ثم تتركهما وتنشغل بتصفح الكتب التي يقتنيها والدها.. تفاصيل بيت المنيل ألهبت الموهبة لدى الصغيرة، إتقان الكتابة، حُب الأدب، فصنعت سيرتها المجيدة في هذا العالم.
شهادتها الدراسية كانت تؤكد أنها طالبة نجيبة، لكن دائما ما كانت تُلحق بملاحظة أنها ''مطيورة'' تنسى أشيائها في المدرسة، تصطدم أثناء سيرها بباب أو حائط أو شجرة، تقول رضوى إنها وقعت ذات يوم في فناء المدرسة، وعندما سُألت ماذا حدث قالت ''اتكعبلت في نفسي''، هذا لم يعيق الطفلة عن التفوق في دراستها حتى التحقت بقسم اللغة الانجليزية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وحصولها على شهادة الماجستير في الأدب المقارن.
تكتب رضوى حينما تدق الكتابة على أبوابها، تستوقفها، تدهشها، تربكها، فتبدأ دون خطط مسبقة، تسرد ما يأتيها عبر شخصيات تصنعها من الخيال تضفرها في نسج تاريخي، تحكي بها تاريخ أمة، وتدفع بفلسفتها الخاصة في الحياة عن الوطن والأمل ورؤيتها للمستقبل من خلال لغة بديعة، ورُغم هذا بدأت مشروعها الأدبي وهي على مشارف الأربعين بروايتها الأولى ''الرحلة.. أيام طالبة مصرية في أمريكا'' عام 1983، ومن بعدها عدد من الأعمال أهمها ''ثلاثية غرناطة والطنطورية وسراج وقطعة من أوروبا''، كانت تخشى الفشل فأضاعت على قراءها المزيد من الأعمال العظيمة في سنوات الخوف.
لم تتوقف يومًا عن الحياة، كانت رضوى عاشور تحب الحياة بما اتسع له قلبها الكبير، فاستطاعت أن تضم إليها حب الفلسطيني ''مريد البرغوثي'' يتبعه سؤاله الوجودي عن أرضه، يتراص بجوار واجبها تجاه مصر، فهي الأستاذة الجامعية التي شهدت جدران كلية الآداب بجامعة عين شمس، على دأبها وسعيها الدائم، صوتها الدافئ يبوح بحبها للمادة الإنجليزية التي ظلت برحابها طيلة عمرها، هي المادة التي درستها وعلمتها لأجيال.
لم تسكت عن قول الحق، هي المُعافرة دومًا ذي الجسد الضئيل، كان إصرارها أكبر من يديها الصغيرة، وبهاتين اليدين كان باستطاعتها هدهدة العالم وتأديبه أيضًا، لها من الصولات والجولات التي يعرفها أساتذة الجامعة وطرقات مكاتب رؤسائها، ضمن حركة 9 مارس تمكنت من التعبير عن رأيها في قضايا عدة، منها ما ذكرته بكتابها ''أثقل من رضوى'' عن رفض تواجد الأمن الجامعي بعين شمس.
جعلت رضوى من الأدب ساحتها الرحبة التي تنطلق من خلاله فتسع كلماتها الأرض وماعليها، تحدثت عن كل شئ، عن الأمل، السجن، اليأس، الحب، والقضية التي تكبر داخل الفرد، قلب رضوى الذي حمل همه داخله، قضيتها التي كفت العالم وفاضت، حبها لمريد البرغوثي الفلسطيني الذي كان وطنه الشتات، وتميم ابنها الشاعر الذي ناله بعض من هذه الفرقة، ووطنها الذي لم تعرف يومًا كيف السبيل لكرهه.
مريد زميلها بكلية الآداب الذي أحبته، ظلوا عمرًا كاملًا يحاربان طواحين الهواء معًا، لم يملوا، حُب ولّف بقلوبهم رغم البعد، ولدت تميم وهو بالمنفى، ظلت تحمله إليه على جناح طيارة ترسلهما للمجر، وتميم بعمر شهور، تربى الولد على العناد والعنفوان، ليصبح شاعرًا يبث قوته خلال كلماته ''يا شعب ياللى دفع تمن الشوارع دم، احفظ أسامى اللى ماتوا فى الشوارع صم''.
مرضت رضوى عاشور بورم في الدماغ، ذلك الورم الذي عافرت معه كما كانت تعاند كل شئ أمامها، لكنه هزمها فلجأت لمحاربته بالعمليات الجراحية، أخذ منها عدد من العمليات بأمريكا أثناء ثورة 25 يناير، كانت رضوى تخرج من عملية لتدخل أخرى، وبين ايفاقاتها القليلة كانت تسأل ''مريد'' ''العيال انضربوا ؟''، قاصدة شباب الثورة، حملت رضوى هم الثورة أيضًا كما حملت هموم كثيرة.
الأمل كان إحدى قضاياها الكبرى، خبرته مع أمور الحياة ليصبح رفيقها الدائم، مهما انقلبت الموازين كانت تحكي دومًا عنه ''أقول لنفسي: لا يصح أو يجوز لأنني من حزب النمل، من حزب قشة الغريق، أتشبث بها، ولا أفلتها من يدي أبدًا، من حزب الشاطرة تغزل برجل حمارة''.
ألفت كتاب ''أثقل من رضوى'' لتحكي فيه عن معركتها مع الورم والاستبداد، غيبها المرض أيام الثورة الأولى، والآن مع براءة الديكتاتور الذي هتفت ضده، رحلت هي عن تلك الأرض، لتعلو كنجمة ترشدنا كلماتها للأمل، ولتسكن في قبر لا وحشة فيها كما وصفت من قبل قَبر بطلتها مريمة في ''ثلاثية غرناطة''.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.