أيام قليلة ونستقبل عام دراسي جديد، وقد كست حوائط شوارع مدينة دمنهور، إعلانات المدرسين والمراكز التعليمية، معلنة بدء الحجز من الآن، والحضور بأسبقية الحجز. الإمبراطور والكينج والوحش والقيصر، ليست أسماء أفلام أو عروض مسرحية، بل هي أسماء معلمين، هم أباطرة الدروس الخصوصية. فعلى بعد أمتار من مبنى محافظة البحيرة، بشارع عبد السلام الشاذلي، واحدة من أكبر مراكز الدروس التي تحتوي على ما يزيد عن 50 مدرسًا في مختلف المواد، لجميع المراحل التعليمية، معلنين عن أنفسهم على جدران المدارس، دون قلق من المحاسبة من أي جهة رسمية. ويتنافس المعلمون في أسلوب الدعاية، كأن يتضمن الإعلان عبارات جذابة مثل "التدريس بأحدث الوسائل العلمية, استخدام السبورة الذكية, اعتماد الغياب بجهاز البصمة, استخدام الداتا شو والمجسمات العلمية في الشرح بالتفصيل" أو بتوزيع الأقلام والكتيبات التي تحمل اسم وعنوان المدرس, بالإضافة إلى الاستعانة بطاقم سكرتارية متخصص، لتصحيح أوراق الامتحانات ومراقبة الطلاب. مافيا الدروس الخاصة: تخصص الأسر المصرية ميزانية مستقلة لمصاريف المدرسين، إذ تصل قيمة الدروس الخصوصية في المرحلة الابتدائية 50 جنيها، في جميع المواد، للصفوف: الأول والثاني والثالث الابتدائي, تزيد إلى 100 و120 جنيها للرابع والخامس والسادس. أما المرحلة الإعدادية، فهي مرحلة تخصصية، في كل مادة مدرس خاص، ويصل سعر المادة الواحدة 50 جنيها, المرحلة الثانوية وخاصة الصف الثالث الثانوي، لها حساب آخر، إذ يستغلها المدرسون في زيادة سعر المادة إلى 70 أو 100 جنيه، وغيرها من مصروفات إضافية، مثل الملازم وتكاليف الامتحانات والمراجعة النهائية. عبء على الأسرة: رغم ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية، إلا أن الأهالي يستسلمون لهذه الأسعار أمام خوفهم على مستقبل أولادهم، الذي يرون في الدروس الخصوصية طريقًا آمنًا لعبورهم إليه. تقول سمر سمير، موظفة، إن الدروس الخاصة شر لا مفر منه, فلديها ثلاثة أطفال بمراحل تعليمية مختلفة، مؤكدة أن الدروس الخصوصية لا تقتصر على المرحلة الثانوية فحسب، بل في جميع المراحل التعليمية، فهي تلتهم ميزانية الأسرة. وترى نجوى أحمد، ربة منزل، أن العام الدراسي عبء كبير على الأسرة المصرية، من زي مدرسي وأدوات مكتبية، ومصروفات المدرسة، والدروس الخصوصية، التي تبدأ من الإجازة الصيفية، تلتهم راتب الأسرة الشهري، مشيرة إلى أنه لابد من محاسبة المدرسين الذين لا يقومون بواجبهم في المدرسة، لصالح الدرس الخاص. وأعرب حسين كمال، عامل، عن استيائه من موقف المسؤولين تجاه الدروس الخاصة والمراكز التعليمية، قائلا: ابنتي في ثالثة ثانوي، ورقمها في كشف مدرس التاريخ 1050، يعنى دخل المدرس في الشهر يصل إلى آلاف الجنيهات, ورغم كده مفيش رقابة عليهم تمنعهم من استغلال الفقراء بهذا الشكل, لأننا مجبرون على الدروس الخصوصية، عشان مستقبل عيالنا. ولم يختلف رأي الطلبة عن أولياء الأمور، مؤكدين على أهمية الدروس الخاصة باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق أعلى الدرجات، والالتحاق بكليات القمة, معتبرين أن وقت المدرسة مضيعة للوقت، ويمكن الاستغناء عنها، بينما لا يمكن الاستغناء عن الدرس الخاص، الذي يقوم بتوضيح وشرح المعلومات بشكل تفصيلي ومبسط، عكس المدرسة التي لا تتعدى فيها مدة الحصة عن 20 دقيقة. المحافظة تقننها اللواء مصطفى هدود، محافظ البحيرة، أصدر قرارا بغلق مقار الدروس الخصوصية، والمراكز التعليمية، بشكل تام، من الساعة 8 صباحا حتى 5 عصرًا، وقت ذهاب الطلاب للمدارس، في المرحلتين الصباحية والمسائية, لمنع تسرب الطلاب من المدارس التعليمية لتستكمل الدروس الخصوصية بعد الساعة 5 عصرا. وقال الدكتور إبراهيم التداوي، وكيل وزارة التربية والتعليم بالبحيرة، إن ظاهرة الدروس الخصوصية واحدة من أكبر الظواهر السلبية في المجتمع، وأن الوزارة تعمل على مواجهتها، من خلال تفعيل دور المدرسة، ومزيد من الرقابة على العملية التعليمية. وأضاف التداوي أنه سيتم تنفيذ قرار المحافظ بحظر الدروس الخصوصية في أثناء العام الدراسي، وسيحال أي معلم يتورط في مخالفة القرار للتحقيق، وسيوقع عليه أشد العقاب.