تونس (رويترز) - مازالت اثار الجداريات الثورية قائمة بالقرب من مكتب رئيس الوزراء التونسي لكن في حي بلفيدير لم يكن صالح البقال مبتهجا ازاء التوقعات الاقتصادية لبلاده في فترة ما بعد الاضطرابات. يقول صالح وهو يقوم بتلبية طلبات الزبائن بتقديم المشروبات والسجائر "الامن مشكلة والعمل ضعيف .. لا نثق في الحكومة المؤقتة ... هي عديمة الخبرة تماما." ألهم التونسيون عندما أطاحوا بالزعيم المستبد زين العابدين بن علي في يناير كانون الثاني الانتفاضات الاخرى في أنحاء العالم العربي وحظيت تلك الدولة الصغيرة في شمال أفريقيا باشادة من جانب زعماء الغرب باعتبارها منارة للديمقراطية. لكن الثورة لم تحرز مثل هذا الانتصار في مجال الاقتصاد اذ تسببت الاضرابات وأعمال العنف في تراجع الانتاج. ويتخوف المستثمرون من أن الديمقراطية الفتية في تونس حاليا وان كانت تشوبها الفوضى لن تساعد في تحقيق زعامة اقتصادية قوية. وتقول ليز مارتينز وهي خبيرة اقتصادية كبيرة لدى اتش.اس.بي.سي "تونس كانت مبهمة لسنوات كثيرة جدا ولدينا فكرة ضعيفة جدا عما سيحدث من الناحية السياسية قياسا الى مصر على سبيل المثال." وقالت "ما يرغب المستثمرون في رؤيته هو وجود برلمان مفوض يقوم بسن قوانين صارمة ويجري اصلاحات قوية. هناك عدد كبير من الاحزاب الجديدة عديمة الخبرة تتصارع فيما بينها من أجل مصلحتها الخاصة." وأضافت "اذا نظرت الى الديمقراطيات الجديدة كالعراق ستجد في الغالب أن هناك شللا في المجلس التشريعي نظرا لان الاحزاب كلها جديدة وليس لديها خبرة في الحكم. المستثمرون يفضلون أن يروا حكومة قوية تستطيع سن تشريعات جديدة وتجري اصلاحات اقتصادية." ويعرب الكثير من خبراء الاقتصاد عن تفاؤلهم بأنه اذا أحسنت الحكومة الجديدة استغلال أصول مثل بنيتها الاساسية المتطورة بشكل جيد وموقعها القريب من أوروبا واستغلال القوة العاملة المتعلمة فانه يمكن لتونس أن تكون واحدة من قصص النجاح في شمال افريقيا. لكنها مهمة ثقيلة على عاتق السياسيين الذين يكافحون من أجل تشكيل ادارة جديدة ولاسيما بالنسبة لاولئك الذين يفتقرون الى الخبرة في الشئون المالية العالمية. ويعد المديرون الاقتصاديون المخضرمون في الظروف الحالية سلعة نادرة لان غالبية الذين خدموا في عهد بن علي قد تشوهت سمعتهم كما أن المجموعة الجديدة من السياسيين الذين يناضلون لتولي مقاليد الحكم لم يشغلوا أبدا أي منصب حكومي. ومعظم قادة الاحزاب الرئيسية في السياسة التونسية هم من الاكاديميين والناشطين والمحامين لا من خبراء الاقتصاد. ويقول أحد الاقتصاديين "تعرفت على مصريين وشعوب أخرى من شمال افريقيا لكن لا يمكنني القول انني قابلت تحديدا تونسيين في صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي." ويستعد حوالي سبعين حزبا سياسيا للتنافس في أول انتخابات تونسية بعد الثورة لتشكيل المجلس التأسيسي لوضع الدستور. وسيحدد المجلس شكل الحكومة الجديدة والمدى الزمني لاجراء مزيد من الانتخابات. ولم يتأكد بعد موعد اجراء الانتخابات اذ تقول الحكومة انها ستجري يوم الرابع والعشرين من يوليو تموز بينما يقول مسؤولون في اللجنة المستقلة للانتخابات ان ذلك الموعد لا يترك هامشا زمنيا كافيا وان الانتخابات ستجرى في السادس عشر من أكتوبر تشرين أول. ومن المنتظر على نطاق واسع أن يحرز حزب النهضة الاسلامي الذي يتزعمه راشد الغنوشي (69 عاما) نتائج طيبة في الانتخابات كما يتمتع الحزب التقدمي الديمقراطي بزعامة المحامي نجيب الشابي بشعبية هو الاخر. وأيا كان من سيفوز بالانتخابات فانه سيتعرض لضغوط من أجل تعزيز عملية الاستقرار بشكل سريع. ومن المتوقع أن يعاني الاقتصاد التونسي بالفعل من تباطوء النمو هذا العام ليصل الى واحد الى اثنين بالمئة فقط وفقا لتوقعات محلية مقارنة بحوالي أربعة بالمئة العام الماضي. وفي ظل المناخ الثوري السائد في الاونة الاخيرة لم يتحدث السياسيون الا أقل القليل عن خططهم طويلة الاجل للنمو. وقال جان بابتيست جالوبين من شركة كنترول ريسكس الاستشارية "النهضة الذي يحتل حاليا أفضل مركز في الانتخابات القادمة يتسم بالغموض الشديد ازاء السياسة الاقتصادية". وقال "أمينه العام يقول مرارا ان الاقتصاد هو قضية ملحة من حيث معالجة قضايا التوظيف وقضايا تكاليف المعيشة لكن سياسة الحزب الاقتصادية على المدى الطويل أقل وضوحا." وقال فيليب دوبا بانتاناكس من ستاندرد تشارترد ان السياسيين سيدركون تماما مدى أهمية تحقيق الاستقرار الاقتصادي اذ أن مبادرات الحكومة المؤقتة للتصدي للمشاكل الاجتماعية الطارئة مثل دفع مبلغ شهري بقيمة 130 دولارا للخريجين الباحثين عن وظيفة من المتوقع أن تبلغ تكلفتها 2.1 مليار دولار. وبغية تمويل ذلك الانفاق طلبت الحكومة مساعدة من البنك الدولي بقرض يبلغ 1.5 مليار دولار على الاقل و500 مليون دولار من البنك الافريقي للتنمية و100 مليون دولار من فرنسا. لكن ذلك ليس حلا للاجل الطويل. وقال جاكوب كولستر المدير الاقليمي لمنطقة شمال افريقيا لدى البنك الافريقي للتنمية "في الاجل القصير جدا .. من ثلاثة الى ستة الى تسعة أشهر .. يمكن أن تقوم الحكومة التونسية بشكل رئيسي بأمرين من أجل توفير تمويل خارجي. "الامر الاول هو أن تطلب منحا وقروضا. والثاني هو أن تستعيد الثقة في تونس بحيث يعود المستثمرون الاجانب ويبدأون في الاستثمار في تونس." وسيكون وجود قيادة قوية مع تركيزها على النمو عنصرا مهما في تحقيق ذلك. وينظر الى محافظ البنك المركزي التونسي مصطفى كمال النابلي على نطاق واسع بأنه الشخص الذي يعتمد عليه في الاقتصاد. وسيأمل أصحاب المتاجر والمستثمرون على حد سواء أن تتمخض الانتخابات عن مزيد من الكفاءات.