تأتي الجولة الثانية ''فيينا2'' من المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة الدول الست الكبرى (الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، في العاصمة النمساوية فيينا، وسط أجواء فشل رهيبة لمؤتمر ''جنيف2'' الذي انفض بدون التوصل لنتائج على صعيد تسوية الأزمة السورية. ويبدو أن ظروف وأجواء وملابسات مفاوضات ''فيينا2'' تماثل نفس تلك التي عقدت فيها ''جنيف2''، الأمر الذي يعني أن الآمال المعقودة على مفاوضات النمسا سوف تنتهي إلى وضع ما يمكن تسميته ''إطار عمل'' يؤسس لجولة ثالثة من المفاوضات، إذ يسعى الجانبان لوضع إطار لمفاوضات ''التسوية الشاملة'' لملف إيران النووي، علي قاعدة اتفاق جنيف الذي أبرم في 24 نوفمبر 2013 فإذا كانت إيران قد استبقت مفاوضات ''فيينا2'' بالتأكيد على أنها لن تؤدي الى نتيجة، وتجلى ذلك في تصريحات المرشد الاعلى الايراني آية الله علي خامنئي بأن ''بعض المسؤولين من الحكومة السابقة والحالية يعتقدون أنهم إذا تفاوضوا حول المسالة النووية فإنه يمكن حل القضية، لكن كما قلت سابقاً في خطابي في مطلع مارس 2013، أنا لست متفائلاً إزاء المفاوضات وهي لن تؤدي إلى نتيجة لكنني لا أعارضها''. وتلاها تصريحات محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيرانى تؤكد عدم توقعه إحراز تقدم سريع فى المفاوضات، قائلاً إن هذه خطوة أولى فى المرحلة النهائية، لذلك لا ينبغي أن تكون التوقعات عالية. فإن دولاً غربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية أبدت نيتها تناول قضايا ترتبط بالمنظومة الصاروخية لإيران، الأمر الذي يشير إلى سوء نية أخرى من الطرف الغربي، إذ أعلنت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان التي تقود الوفد الأمريكي في المفاوضات النووية، أنه يجب التطرق إلى مسألة البرنامج البالستي لإيران خلال المفاوضات النهائية حول الملف النووي، وأن واشنطن يجب أن تواصل فرض عقوبات على إيران بسبب وضع حقوق الانسان فيها والدعم المفترض للمجموعات الارهابية. نتائج سلبية وارتباك دولي في خضم هذه الأجواء المشحونة، وصف الخبراء والمتابعون لجولة المفاوضات الجديدة ب ''الصعبة'' لمناقشتها عدداً من الأمور الشائكة العالقة ويأتى فى مقدمتها مستقبل أنشطة تخصيب اليورانيوم فى إيران والانتقادات الغربية التى توجه إلى رغبة إيران فى تخصيب اليورانيوم والتأكيد على عدم حاجتها إلى أجهزة طرد مركزى لتطوير برنامجها النووى المدني، وكذلك مسألة استخدام إيران لأنواع جديدة متطورة من أجهزة الطرد المركزي، وأيضاً الاتهامات الموجهة إلى مفاعل ''آراك'' الذى تعتزم إيران الانتهاء من إنشائه تخوفا من الاستخدامات العسكرية المحتملة للبلوتونيوم الذى سينتجه. ومما يذكر أن آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية يفيد امتلاك إيران 7154 كيلوجراماً من اليورانيوم المنخفض التخصيب بنسبة 5 في المائة فى شهر نوفمبر الماضي، حيث يقدر انتاج إيران الشهرى من اليورانيوم منخفض التخصيب بنحو 250 كيلوجراماً. وتأسيساً على ما سبق يمكن القول أنه في ظل حالة التربص التي يبديها كل طرف تجاه الطرف الآخر ( الغرب ومجموعة ''5+1'')، سوف تنتهي الجولة الثانية من مفاوضات فيينا النووية بين الغرب وإيران، دون إحراز تقدم جوهري على غرار ما توصلت إليه مفاوضات ''جنيف2'' في ظل حالة الارتباك الواضح في السياسة الأمريكية تجاه ملفات الشرق الأوسط. يدعم من فكرة النتائج السلبية لمفاوضات ''فيينا2'' ذلك الموقف الروسي القوي الذي بات خصماً من الموقف الأمريكي في الأزمتين السورية والإيرانية، فمع فشل ''جنيف2'' إرتأت الخارجية الأمريكية ضرورة البحث في بدائل وإستراتيجيات أخرى أكثر حسماً وحزماً مع موقف نظام بشار الأسد العنيد الرافض لأي حلول دبلوماسية تنهي الأزمة، ومع تعاظم تطرف دمشق ونهجها الراديكالي، بات خيار التفاوض باعتباره سبيل الحل من بنات الوهم، وفي غير محله.. وتبرز الحاجة إلى البحث في استراتيجية غربية جديدة. ومع توقعات سلبية لمفاوضات ''فيينا2'' تبدو واشنطن أيضاً في حاجة إلى البحث عن بدائل قوية للضغط على مناورات ومماطلات طهران لدفعها للتسوية النهائية للنووي الإيراني، خاصة في ضوء التغير الواضح والعميق في فلسفة وأولويات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ومشكلاته، ولكن لن يكون ذلك بعيداً عن الدب الروسي الذي يعود بقوة لمنطقة الشرق الأوسط بكل تعقيداتها وتشابكات ملفاتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.