بجلباب رمادي وسترة تقيه من البرد، يجلس بجانب مكتبته ''قنديل أم هاشم''، يتناول ''سندوتشات'' الفول والطعمية ويتبعها بكوب ساخن من الشاي، تحسبه مجرد بائع عادي مثل كثير من بائعي الكتب بسور أبو الريش، فيما يعرفك بنفسه ''محمد جابر غريب'' كاتب قصصي وبائع كتب. بدأ ''جابر'' الكتابة منذ خمسة وعشرين عامًا وتبعها ببيع الكتب والكتابة في عدد من الصحف منها جريدة ''العربي الناصري''، أحبّ كتابة القصص القصيرة التي يقول عنها ''القصة عبارة عن لحظة، حدث أو لوحة''، مفسرًا عدم كتابته لرواية وترجيحه جانب القصة القصيرة التي امتلك بناصيتها ''عشان أكل العيش والكتابة في الصحف''، اشتهر بعد كتابته للمجموعة القصصية ''سي السيد الديك'' في أوائل التسعينات، التي تحولت إلى مسلسل درامي. تتسم عناوين مجموعاته بالحس الإنساني ''أنا اللي يهمني الإنسان والمكان والزمان''، من مجموعاته ''عذابات السيدة الجميلة'' تنبأ باندلاع حرب العراق، ويحكي ''محمد'' عن آخر مجموعاته ''أزرار البلوزة وأشياء أخرى'' التي أقيمت لها ندوة لمناقشتها في أوائل عام 2011 وحضرها عدد كبير من الشباب ''أنا اتفاجأت بالعدد اللي جه، عرفت بعدها السبب؛ عشان ''العربي الناصري'' نشرت عن المجموعة''. بجانب بيع الكتب بمكتبته الصغيرة يقيم ''جابر'' ندوات أسبوعية ''زيها زي الكتاب المقروء، الندوات رافد من روافد الثقافة، فيه نوع من أنواع الأخد والعطا في الأفكار، الكل بيستفيد''، في تلك الحلقات يتناقش ''محمد'' ورواد ندواته في مجالات الشعر والموسيقى والفلسفة ''بس مبتتناقش في السياسة والجنس والدين''، يؤكد البائع الستيني أن عدم مناقشة تلك المجالات، هو سر استمرار تلك الندوات حتى الآن التي يرتادها العديد من محبي الثقافة مثل الفنان محمد عبلة وكتاب كبار يذكر منهم الروائي علاء الأسواني. يختار عم ''جابر'' قراءاته بعناية، لكنه لم يقرأ كثيرًا للكتابات الشابة سوى بعض الشباب منهم الكاتب ''طاهر الشرقاوي'' صاحب رواية ''عن الذي يربي حجرًا في بيته'' والكاتبة منال السيد صاحبة رواية ''غنا المجاذيب''، ويعتبر بائع الكتب أن ''يوسف ادريس'' هو كاتبه الأول، ولم يترك ''جابر'' كاتبًا للقصص القصيرة إلا وقرأ له ''أنا عامل مسح شامل للرواد، أما عن كُتاب القصص في الفترة الحالية ''من أهم الاجيال بعد يوسف ادريس، محمد المخزنجي وبهاء طاهر ومحمد مستجاب''. لم تنفر زوجة عم جابر من انشغاله الدائم بالكتب، غير أنها شجعته وهيأت له المناخ المناسب للكتابة، فيما توفيت منذ ثماني سنوات ''كانت طيبة وزاهدة في الحياة''، لديه من الأبناء فتاتين متعلمتين ولكنهما لم يتوارثا شغف الكتب من والدهما. لا يؤمن الكاتب القصصي بمبدأ ''الشللية'' داخل مجتمع المثقفين ''ما لم يكون الكاتب عنده موهبة مش هيستمر''. لم يشارك عم جابر في الأحداث السياسية التي انشغلت بها مصر على مدار ثلاث سنوات مضت بسبب كبر سنه، لكنه يرى أن ثورة 25 يناير حدث عظيم.