لم يكن الشيخ ''محمد السنباطي'' يعلم وهو يضرب صغيره ''رياض'' بعد علمه أنه يعمل ''صبي منجد''، أن هذه الحرفة الصغيرة كانت ''فاتحة الخير'' عليه، وغرس لبذرة نبوغ وإبداع أصبح بها ''رياض السنباطي'' أحد عباقرة الموسيقى العربية في القرن العشرين، و ''أسطورة تلحين القصائد العربية'' بلا منازع. في مثل هذا اليوم 30 نوفمبر 1906، ولد ''رياض السنباطي'' في ''فارسكور- دمياط''، وكان والده شيخًا مقرئًا، وبجانب القراءة كان يحيي الليالي الدينية والأفراح، ويجوب قرى ''وجه بحري'' في سبيل عمله مصطحبا ''العود''، وتتفتح آذان الصبي على نغمات والده و ألحانه، إلا أن الوالد يجبره على الالتحاق بأحد الكتاتيب لحفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة، فكان ''رياض'' يهرب ويلجأ للجيران خاصة من ذوي الحرف اليدوية ليعمل معهم. ضيق ذات اليد دفع ''رياض'' ذات مرة لأن يعمل ''صبي منجد'' يغني أثناء عمله أغاني ''سيد درويش''، وهو الأمر الذي انكشف أمام والده فوبخه وضربه، وأعاده للمدرسة، إلا أن ''رمد'' أصاب عين الصبي الصغير وحال بينه وبين الدراسة، فخضع الأب لموهبة الصبي، وعلمه المقامات الموسيقية ليرافقه في الأفراح وإحياء الليالي واشتهر بلقب ''بلبل المنصورة''، واستمع الفتى لأسطوانات ''الشيخ أبو العلا محمد ويوسف المنيلاوي''، فضلا عن تحفيظ والده له لأدوار ''سلامة حجازي وعبده الحامولي''، فتمكن ''رياض'' من التراث الموسيقي، وأدمج عبقرية موهبته للتجديد في الموسيقى العربية. ''قصة حياتي هي أم كلثوم''، بهذه الجملة وصف علاقته ب''الست ثومة''، فاللقاء الأول معها كان في الصغر على ''محطة قطار السنبلاوين''، وتعارفا سويًا و هما لا يزالا حديثي السن اشتهرا ك''صييته'' في الاحتفالات، بعدها انتقل وأسرته للإقامة ب''مصر المحروسة'' في 1920، مثلما انتقلت ''أم كلثوم وأسرة الشيخ إبراهيم البلتاجي''، وأصر ''رياض'' أن يتقدم لامتحان ''معهد فؤاد للموسيقى العربية''، إلا أنه أبهر لجنة الاستماع، وبدلًا من أن يصبح ''تلميذًا'' بالمعهد، أضحى ''معلمًا'' لآلة العود هناك، واستمر في مهنته ثلاثة أعوام استقال بعدها واتجه للتلحين متعاقدًا مع ''كوبانية أوديون للاسطوانات''. ''على بلد المحبوب وديني''، أغنية ''أم كلثوم'' ذائعة الصيت في 1935، والتي أعلنت انضمام ''السنباطي'' لكتيبة التخت الكلثومي''، والذي ضم أيضًا ''القصبجي'' كملحن وعازف للعود بنفس الفرقة، وهو المشهور بألحانه الرائعة للتقاطيق والأدوار التي اشتهرت بها أم كلثوم بكلمات ''رامي'' والشعراء المعاصرين، وهذا ما دفع ''العبقري السنباطي'' لأن يتفرد بشيء مميز في تلك الكتيبة الذهبية، و اختار ''تلحين القصيدة العربية'' ليتفرد بها مع ''فرقة الست'' وسائر ملحني عصره. ''الأطلال''، رائعة أم كلثوم والسنباطي والشاعر الطبيب إبراهيم ناجي الخالدة، والتي أضافت لشهرة ''الست ثومة'' شهرة مضاعفة، و جعلت من القصيدة المغناة انشودة عذبة على لسان رجل الشارع والمثقف والشاب والعجوز على حد سواء، كما لحن لها أيضًا قصائد ''من أجل عينيك، رباعيات الخيام''، وبلغ عدد ما قدمه لأم كلثوم وحدها ما يقرب ''275 لحنًا'' من أصل ''ألف لحن'' على مدار مسيرته الموسيقية والفنية الذاخرة. أوسمة وجوائز عديدة حازها ''السنباطي'' في مسيرته، أبرزها ''وسام الفنون'' من الرئيس جمال عبد الناصر 1964، و''وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى'' من الرئيس السادات، وجوائز ''المجلس الدولي للموسيقى في باريس 1964، الريادة الفنية من جمعية كتاب ونقاد السينما 1977، جائزة الدولة التقديرية في الفنون والموسيقى، والدكتوراه الفخرية لدوره الكبير في الحفاظ على الموسيقى، من أكاديمية الفنون 1977، وجائزة اليونسكو العالمية وكان الوحيد عن العالم العربي ومن بين خمسة علماء موسيقيين من العالم نالوا هذه الجائزة على فترات متفاوتة''، كما نال عضوية ''نقابة المهن الموسيقية، جمعية المؤلفين بفرنسا، الجنة الموسيقي بالمجلس الأعلى للفنون والآداب''. تعاون ''السنباطي'' مع أعلام الغناء العربي أمثال ''فايزة أحمد، أسمهان، وردة، نجاة، سميرة سعيد، هدى سلطان''، كما تعاون مع ''عبد الغني السيد ومحمد عبد المطلب''، ويظل غنيًا بالعطاء والإبداع حتى رحيله في 1981 عن عمر 65 عامًا.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرةللاشتراك ... اضغط هنا