تعود جذور أزمة بناء سد النهضة في إثيوبيا، التي تفجرت في مصر مؤخرًا، إلى النظام السابق في مصر، الذي تعامل باستعلاء مع دول القارة الإفريقية، وساهم فيها تجرؤ قوى المعارضة على النظام الحالي؛ مما شجع بعض الدول، ومنها إثيوبيا، على التجرؤ على مصر. هذه الرؤية عبر عنها عدد من الخبراء المصريين في الشأن السياسي والإفريقي، قالوا أيضًا إن هذه الأزمة تكشف في الوقت ذاته غياب استراتيجية للحفاظ على الأمن القومي لدى النظام الحالي، وتزيد من حالة الزخم السياسي المعارض للرئيس المصري محمد مرسي. ورسميًا، احتفلت إثيوبيا، أحد أهم دول منبع نهر النيل، أمس الثلاثاء، ببدء تحويل مجرى النيل الأزرق في إطار سعيها لبناء "سد النهضة"، وذلك للمرة الأولى في تاريخ نهر النيل، في مراسم نقلها التلفزيون الرسمي. وفجرت الخطوة الإثيوبية جدلاً سياسيًا واسعًا في مصر، حيث اعتبرت قوى معارضة أن تحويل مسار النيل الأزرق، أحد أهم الروافد المائية لنهر النيل، في هذا التوقيت - بعد 3 أيام فقط من انتهاء زيارة أجراها الرئيس المصري لإثيوبيا، حيث حضر فعاليات القمة الإفريقية - تعد دليلاً على فشل الدبلوماسية المصرية الحالية، وعلى استهانة أديس أبابا بالنظام الحاكم في القاهرة. لكن الرئاسة المصرية، قالت إن الخطوة الإثيوبية كان مخططًا لها في هذا التوقيت مسبقًا، وإنها غير مرتبطة بزيارة مرسي لإثيوبيا، ولن تؤثر على حصة مصر من مياه النيل الأزرق، والتي ستصل لمصر من مسار آخر. تعليقًا على ذلك، قال بشير عبد الفتاح، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن أزمة سد النهضة الإثيوبي "تأتي ضمن سلسلة من المشكلات والأزمات التي تراكمت على مر التاريخ، وتحديدًا خلال السنوات العشر الأخيرة". وأوضح أن أزمة "سد النهضة لها جذور يتحمل تبعتها النظام السابق (نظام الرئيس السابق حسني مبارك) الذي تعامل باستعلاء مع إفريقيا؛ مما أدى إلى تغلغل إسرائيلي في إثيوبيا تم تحت علم أجهزة المخابرات المصرية، التي لم تحرك ساكنًا للتصدي لذلك"، في إشارة إلى الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل بالتورط في الخفاء في الإضرار بمصالح مصر في إفريقيا، وخاصة ما يتعلق منها بنهر النيل. واعتبر عبد الفتاح أيضاً أن "التجرؤ على الرئيس مرسي في الداخل والانتكاسات والأزمات الداخلية المتلاحقة خلال الفترة الماضية لها انعكاسات واضحة علي السياسات الخارجية؛ حيث بدأت بعض الدول، ومنها إثيوبيا، تتجرأ على مصر". وأضاف أن "انتقادات المعارضة للنظام الحالي هي جزء من الصراع السياسي الداخلي، لكن لابد من توافق بين المعارضة والنظام الحاكم بشأن خطورة بناء سد النهضة على مصر". وحول المسارات التي يمكن أن تتحرك فيها مصر لمواجهة هذه الأزمة، قال الخبير السياسي إن "هناك مسارات متوازية يمكن التحرك من خلالها لمواجهة الأزمة؛ يتمثل إحداها في ترشيد استهلاك مياه النيل؛ مما يجنبنا فزاعة نقص المياه". أما المسار الثاني، بحسب عبد الفتاح، فيتمثل في "المسار القانوني؛ والذي من المتوقع أن تتحرك من خلاله كل من مصر والسودان إذا كشف تقرير اللجنة الفنية الثلاثية لتقييم سد النهضة عن سلبيات لبناء السد على مصر والسودان". وتتكون اللجنة الفنية الثلاثية لتقييم سد النهضة من 6 أعضاء محليين، (اثنان من كل من مصر والسودان وإثيوبيا)، و4 خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية، والأعمال الهيدرولوجية، والبيئة، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود، ويتوقع صدور تقرير اللجنة النهائي نهاية شهر مايو/ أيار الجاري. وأضاف عبد الفتاح أن هناك مسارًا ثالثًا يمكن لمصر أن تتحرك من خلاله في أزمة سد النهضة، و"هو مسار التفاوض مع دول حوض النيل؛ للتأكيد على أن مصلحة هذه الدول مشتركة". من جانبه، اتفق أشرف الشريف، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، على أن النظام الحالي في مصر "ورث تركة ثقيلة من النظام السابق" بشأن أزمة بناء سد النهضة، لكنه رأى أن "إمكانيات النظام الحالي المحدودة تجعله غير قادر على التعامل مع هذه الأزمة"، على حد قوله. واعتبر أن أزمة سد النهضة "كشفت عن غياب إستراتيجية للحفاظ على الأمن القومي لدى النظام الحالي؛ فهو حتى الآن لم يبلور رؤية واضحة تشير لقدرته على امتلاك زمام الأمور". ورأى أن مصر "لا تملك حتى الآن أي ورقة ضغط على إثيوبيا تمكنها من إرجاء فكرة إنشاء السد". وحول توقعاته بشأن أزمة السد ، مضى قائلا: إن "إثيوبيا ستمضى في طريقها المرسوم لبناء السد؛ مما يعني مرور الأمر من الناحية السياسية، إلا أن هناك أمورًا لوجستية من الممكن أن تعرقل بناء السد، ومنها استكمال الإجراءات التمويلية لبنائه". ولفت الشريف إلى أن "قوى المعارضة في مصر استغلت أزمة بناء سد النهضة للضغط على النظام (الحاكم) وإعطاء تحركاتها السياسية في الشارع حالة من الزخم بعدما تراجعت مؤخرا". وأرجع غضب المعارضة المنصب على مؤسسة الرئاسة بشأن شروع إثيوبيا إلى أن "رئيس الوزراء (المصري) هشام قنديل هو من يقود هذا الملف منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 عندما كان وزيرا للمياه والري في الحكومة السابقة، ولم يحرز فيه أي تقدم". أسماء الحسيني، الخبيرة في الشأن الإفريقي والمحللة السياسية في صحيفة الأهرام القاهرية (حكومية)، اعتبرت أن "موقف مصر من أزمة سد النهضة تتحكم فيه الأوضاع الداخلية المصرية؛ مما يجعله موقفا قابلا للابتزاز وللضغوط". ورأت أن "بعض الدول الإفريقية ودول الجوار تعقدت أوضاعها مع مصر بعد وصول الإسلاميين (الإخوان المسلمين) إلى الحكم (في القاهرة)، خاصة أن هذه الدول لديها تجارب مريرة مع حكم الإسلاميين.. هذه المواقف تؤثر بالسلب على دعم الموقف المصري". وإلى جانب ذلك، أضافت الحسيني أن "الدولة التي لا تتمكن من تحقيق التوافق الأسهل مع قوى الداخل، من الصعب عليها أن تحقق التوافق الخارجي". ورأت في ختام حديثها ل"الأناضول" أن "أزمة سد النهضة ستزيد من حالة الزخم والرفض للنظام المصري خاصة أن مياه نهر النيل خط أحمر للشعب المصري". وتوقعت أن "تدعم هذه الأزمة شعبية حملة تمرد المعارضة التي تهدف إلى سحب الثقة مع الرئيس المصري (عبر جمع توقيعات من المصريين)، وأن تزيد من زخم التظاهرات المعارضة للنظام الحالي". ويعود تدشين حملة "تمرد" إلى نحو 3 أسابيع، وتهدف إلى جمع 15 مليون توقيع؛ لسحب الثقة من الرئيس المصري في ذكرى مرور عام على توليه منصب رئاسة البلاد في 30 يونيو/ حزيران المقبل. وكانت قوى معارضة مصرية شنت هجومًا واسعًا على الرئاسة مع بدء إثيوبيا أمس تحويل مسار مجرى النيل الأزرق. إذ قال محمد البرادعى، رئيس حزب الدستور، المنسق العام لجبهة الإنقاذ الوطني المعارضة، إن "سيناء وإثيوبيا أزمات مزمنة قد تنتهى بكوارث". وتابع البرادعى في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، إن "هناك غيابا للحقيقة وانعداما للشفافية، وبالتالى لا نعرف البدائل المتاحة، ثم يتساءلون: لماذا يتمرد المصريون؟". كما طالب أحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار المعارض بضرورة محاسبة المقصرين في ملف النيل، محملا الحكومة مسئولية ذلك. ودعا عمرو موسي، رئيس حزب المؤتمر المعارض، إلى ضرورة السعي للحوار مع إثيوبيا واستخدام كافة الأوراق للتفاوض، فيما طرح حزب النور السلفي فكرة الدبلوماسية الشعبية مع إثيوبيا. وبدأ التوتر بين مصر وإثيوبيا حول إعادة توزيع مياه النيل عندما وقعت إثيوبيا، إضافة إلى رواندا، وبوروندي، وأوغندا، وكينيا، وتنزانيا، اتفاقية "عنتيبي" الإطارية التي تهدف إلى إعادة توزيع حصص المياه بين دول حوض النيل يوم 10 مايو/ أيار 2010. وتعترض هذه الدول على أن الاتفاقية الأولى الموقعة عام 1959، "تمنح مصر والسودان، حق السيطرة على أكثر من 90% من مياه النيل". وتمنح اتفاقية 1959 لتقسيم مياه النيل مصر 55.5 مليار متر مكعب من المياه، بينما يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب، من إجمالي مياه النهر التي تبلغ 84 مليارًا.