اظهرت دراسة اعدتها مؤسسة اكشن آيد الخيرية البريطانية أن نصف الاستثمارات الأجنبية في الدول النامية يتم تحويلها عن طريق الملاذات الضريبية ما يسمح للشركات المتعددة الجنسيات والمستثمرين بتجنب دفع مستحقات الضرائب لحكومات الدول المستقبلة لهذه الاستثمارات. وأشار التقرير إلى أن مثل هذه الممارسات تكون أكثر انتشارا في الدول الفقيرة منها في الدول الغنية بكثير ما يؤدي إلى حرمان الخزانات العامة في هذه الدول من إيرادات هي بأمس الحاجة إليها. وقال مايك لويس معد التقرير إن ''هناك أدلة تؤكد أن الدول الفقيرة تخسر إيرادات ضريبية اكثر من الدول الغنية، والأسوأ أنها تملك امكانيات أقل لمواجهة ظاهرة التهرب الضريبي''. ويسوق التقرير مثالا من الهند حيث تمكنت إحدى الشركات العالمية الكبرى من تفادي دفع ملياري دولار كضرائب للحكومة الهندية لأن استثماراتها سجلت في أحد الملاذات الضريبية البريطانية. وهذا المبلغ كاف لتوفير وجبة يومية لكل تلميذ هندي في التعليم الابتدائي لمدة عام. ومن الأمثلة الأخرى التي ساقتها الدراسة هو إقدام شركة عالمية للتعدين تملك 84 شركة فرعية تنشط في أفريقيا إلا أنها لم تسجل إلا 4 منها في دول أفريقية في حين سجلت 47 منها في ملاذات ضريبية. وتعتبر منظمات غير حكومية، تكافح من أجل شفافية أكبر في التعاملات المالية العالمية، السرية المصرفية والتهرب الضريبي من أكبر العقبات التي تعرقل جهود مكافحة الفقر في العالم. إذ أن لجوء الشركات الكبرى إلى أساليب ملتوية ومعقدة واستغلال الثغرات التشريعية لتقليص فاتورة الضريبة يحرم الدول الفقيرة من مصادر أموال يمكن أن تستخدم في إقامة مشاريع أساسية مثل المدارس والمستشفيات وتوفير المياه الصالحة للشرب. 12 تريليون استخدام الشركات للملاذات الضريبية قانوني ولا يعني دائما انه يهدف إلى تجنب دفع الضرائب، لكنه عادة ما يتيح لهذه الشركات الفرصة لتقليص حجم المبالغ التي يمكن أن تدفعها كما يساعدها على الإبقاء على جزء او كل تعاملاتها المالية شبه سري أو سريا. وأظهرت أحدث دراسة لمنظمة أوكسفام الخيرية العالمية لمحاربة الفقر، أن هناك 12 تريليون دولار مخفية في ملاذات ضريبة آمنة، وهي مسؤولة عن خسارة أكثر من 100 مليار دولار في شكل ضرائب لم يتم تحصيلها على مستوى العالم. وتشير تقارير نشطاء إلى أن نحو عشرين في المئة من هذه الملاذات تقع تحت حكم التاج البريطاني ما يجعل المملكة المتحدة في صدارة الدول التي توفر هذا النوع من الأنظمة الضريبية في العالم. ويقول تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي إن خسارة الدول النامية من الإيرادات الضريبية تشكل ثلاثة أضعاف ما تتلقاه من مساعدات دولية. مكافحة التهرب الضريبي ومع استفحال أزمة الديون السيادية في أوروبا في السنوات الأخيرة، أصبح موضوع التهرب الضريبي يشغل اهتمام الطبقات السياسية بعد أن اضطرت معظم الدول إلى تبني إجراءات تقشفية صارمة بهدف تخفيف مستويات ديونها. وأثارت الأساليب التي تبنتها عدة شركات كبرى مثل آبل وجوجل وأمازون لتخفيف أعبائها الضريبية جدلا حادا على ضفتي الأطلسي، إذ اغتنم سياسيون من اليسار ومن اليمين الفرصة لانتقادها واعتبروها غير أخلاقية في وقت تعاني فيه الحكومات من عجز في الموازنات وتخفيض الإنفاق. ودعت أحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية لمواجهة الظاهرة من خلال اعتماد تدابير جديدة تهدف إلى توخي الشفافية في الأنظمة الضريبية وتعميم تبادل المعطيات المصرفية للأفراد والشركات بين الدول المعنية. ولقيت هذه الدعوات زخما سياسيا جديدا حيث من المقرر أن يتصدر التهرب الضريبي جدول أعمال قمة الدول الصناعية الثمانية الشهر المقبل في أيرلندا الشمالية. ويواجه المجتمع الدولي عدة عقبات للتوصل إلى صيغة ترضي الدول التي تستفيد من الملاذات الضريبية مثل سويسرا ولوكسمبورج من جهة وبين الدول الغنية والدول الفقيرة من جهة أخرى.