عند بنائه، كانت مصر تخضع للمذهب الشيعي في حكم الدولة الفاطمية؛ فصاحب فكرة إنشائه هو "العزيز بالله الفاطمي"، والمتمم لإنشائه هو "الحاكم بأمر الله الفاطمي"، لذا سُميّ هذا المكان باسمه.. "جامع الحاكم بأمر الله"، أو كما هو معروف لأهل القاهرة القديمة ب"الجامع الأنور".
مدخله أقرب ما يكون لساحة جامع الأزهر أو عمرو بن العاص، ونظامه المعماري يشبه "جامع أحمد بن طولون" من حيث الأعمدة والأروقة، يستقبلك على جانبي المسجد من الخارج عدد من الكراسي المرصوصة فيما أشبه ب"كافيتريا" يتخذ البعض منها مكان للراحة خاصة في الصيف، بينما يكفي البعض الآخر بالمقاعد الحجرية الموجودة قبل التوجه للمسجد، ويمكنك أن ترى بعض الصبيان اتخذوا من الساحة الخارجية مكان للعب.
وبمجرد الدخول يقع صحن المسجد الذي يتوسطه بئر، بينما يتواجد على طرفين متقابلين "فسقيتين" لتوزيع المياه، وتُستخدما أيضا كسقاية للحمام الذي تكثر أسرابه حول المكان وعلى أرضه خاصة مع نثر الحبوب من قبل العاملين بالمسجد أو الزائرين، ويتخذ من سطح الجامع وأعمدة السقف الخشبية بيوتاً صغيرة له .
النظر قليلا لأعلى يتيح لك رؤية مئذنتا المسجد كبيرتا الحجم والتي على شكل "مباخر عملاقة" كانتا تُستخدمان لحرق البخور وأعواد شجر الكافور صباح كل جمعه لتعطير المدينة القديمة، وفي الأرض الفضاء القريبة من المسجد والمعروفة ب "أرض حوا" كانت توضع عربات "الكارو" للتجار وزوار "المحروسة" الوافدين إليها، لحين أدائهم الصلاة والاستراحة بالجامع.
وأعلى "البواكي" تلك الفتحات العملاقة المؤدية لمكان الصلاة استقرت الستائر الخضراء الحريرية، بينما كست الأرض السجاجيد الحمراء.
وما بين الزائرين والمترددين على المسجد من المصلين والجالسين في شرود وآخرين منهمكين في التقاط الصور التذكارية أو الجمالية للمكان؛ حيث يعد أحد مراكز تجمع هواة التصوير، ستجد من يلفت النظر بملابسهم المختلفة وغالبا ما يكونوا في تجمعات، وهم طوائف " البُهرة" الشيعية ذات الأصول الهندية. فمؤسس المسجد "الحكام بأمر الله" هو أحد المقدسين لدى الشيعة، وتجد آذان واحد يجمعهم للصلاة، في حين يتفرق المصلون إلى طائفتين لاختلاف مراسم الصلاة لدى السنة –أهل مصر- والشيعة من زوار المسجد.
وربما لا يعلم الكثير أن "جامع الحاكم" عانى سنوات من الإهمال والهدم، حتى أن حاله ساء، ورسا به المقام إلى "مخزن" لتشوين الثوم والبصل والغلال ب "سوق الليمون"؛ أحد الأسواق القديمة والشهيرة بالقاهرة في القرنين الماضيين، والملاصق لبوابة الفتوح.
وفي القرن الماضي تحول الجامع إلى "مدرسة السلحدار" للمرحلتين الإعدادية و الثانوية، إلا أن أحد طوائف "البُهرة" تعهدته بالرعاية والتطوير إلى جانب الجهود الذاتية، وافتتحه "الرئيس السادات" في سبعينات القرن الماضي، لتكسوه تلك الستائر والسجاجيد، حتى أن البئر زينتها وقتها أكواب كريستالية، وذُكر أن "المقص" المستخدم لقص الشريط تم تقديمه للسادات على "صينية فضة".. وهو ما يرويه ويؤكده "عم أحمد" - خادم المسجد - كما ليقبونه جيرانه وهو وأصحاب الدكاكين المجاورة.
ولن تتعب كثيراً في الحصول على مرشد سياحي يقص عليك تاريخ هذا المسجد، فخادم المسجد "عم أحمد" هو أنسب شخص لهذه المهمة من كثرة ما سمع من المرشدين السياحيين، وحفظ منهم قصة هذا المكان عن ظهر قلب.
ويقول "عم أحمد" إن المصلين ليسوا هم فقط ضيوف المسجد، بل يتوافد يومياً العشرات من عشاق التصوير الفوتوغرافي وطلاب الفنون الجميلة والمعمار، مؤكداً أن الجامع أصبح مثل "النادي" لدى الشباب يجتمعون فيه للدروس أو الاستذكار أو التصوير، و لكن الميزة هي احترام الزوار لحرمة المسجد وعدم التجاوز.