أظهرت تقارير شركات، أن مصر مدينة لشركات النفط ب5 مليارات دولار على الأقل نصفها مدفوعات متأخرة، مما يبرز الصعوبات التي تواجهها الدولة لسداد تكاليف الطاقة المرتفعة، في ظل دعمها للأسعار لتفادي احتجاجات شعبية. وأرجأت مصر سداد مدفوعات للشركات المنتجة للنفط والغاز في أراضيها في ظل تراجع احتياطيات النقد الأجنبي، وارتفاع تكاليف الغذاء وتراجع إيرادات السياحة منذ الثورة، التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك عام 2011. وتأمل معظم شركات النفط في الحصول على مستحقاتها كاملة، لكنها تقر بأن ذلك قد يستغرق عدة سنوات، وبالرغم من أنها لا تزال تخطط للاستثمار في مشروعات جديدة في مصر إلا ان مسألة الديون تظل تحدياً. وقد يؤدي تأجيل السداد للشركات المنتجة للنفط والغاز إلى إعاقة الاستثمار في القطاع وهو ما قد يهدد أمن الطاقة في مصر. وقال مجيد جعفر العضو في مجلس إدارة دانة غاز الإماراتية ''تأخير السداد للشركات يضر مصر في نهاية المطاف، إذ أن احتمال تراجع الاستثمار والإنتاج قد يخفض إيرادات الحكومة ويؤدي إلى نقص المعروض.'' وتبلغ ديون الحكومة المصرية لدانة غاز 230 مليون دولار، وهي مدفوعات متأخرة عن إمدادات غاز، وتقول الشركة إنها تجري محادثات مع الحكومة بهذا الشأن.
وتظهر إفصاحات مالية من شركات مثل ''بي.بي وبي.جي'' و ''أباتشي'' و ''إديسون'' و ''ترانس جلوب إنرجي'' أن مصر مدينة لها بأكثر من 5.2 مليار دولار حتى نهاية 2012. وبلغت مستحقات ''بي.بي'' 3 مليارات دولار حتى نهاية 2012 منها نحو مليار دولار تأخر سدادها، بينما تبلغ مستحقات ''بي.جي'' 1.3 مليار دولار منها 600 مليون دولار تأخر سدادها. وتبلغ مستحقات ''إديسون'' 400 مليون دولار تأخر سدادها، وتليها ''ترانس جلوب'' و ''دانة'' ولكل منهما 200 مليون دولار تقريباً. ولم يسبق أن كشف المسؤولون في الحكومة عن حجم الدين وقد رفضوا تقديرات تتراوح بين 7 مليارات دولار و9 مليارات. ويقول مسؤولون ومصادر في شركات النفط إن مصر تسدد جزءاً من الديون لكن القيمة والوتيرة غير معروفتين. وبلغت ديون ترانس جلوب - وهي شركة تنقيب كندية صغيرة - على مصر حتى نهاية ديسمبر 220 مليون دولار. ورفض مسؤولون في الشركة الإفصاح عن الرقم الحالي وقالوا ''إنه سينشر ضمن النتائج المالية للربع الأول في مطلع مايو''، وتملك الشركة حصصاً في 5 امتيازات في مصر. وقال المدير المالي للشركة راندال نيلي ''إنه منذ إندلاع الثورة تدفع الحكومة ثمن النفط بعد نحو 8 أشهر ونصف في المتوسط، وهو ما يزيد شهراً عن فترات السداد السابقة. وأضاف نيلي ''الحوار مستمر معهم دائماً، لنتأكد أننا ضمن أولوياتهم في السداد حتى نتمكن من مواصلة العمل بالشكل المناسب في البلاد وتعزيز إنتاجنا.'' وتابع ''لم يزعزع ذلك ثقتنا بشأن العمل في البلاد، ومازال موقفنا إيجابياً فيما يتعلق بقدرتنا على إنجاز الأمور والفرص الموجودة.'' وتهيمن الشركات الأجنبية على قطاع الطاقة في مصر، أكبر منتج للنفط في افريقيا خارج منظمة أوبك، وثاني أكبر منتج للغاز بعد الجزائر. وتراجع إنتاج مصر في السنوات الأخيرة، وانخفض إنتاج النفط في يناير الماضي نحو 3% على أساس سنوي وفقاً لبيانات حكومية، بينما تراجع إنتاج الغاز 9%. وتفيد نشرة ميدل ايست ايكونوميك سرفي، أن إنتاج النفط بلغ أدنى مستوياته في 3 سنوات وأن إنتاج الغاز بلغ أدنى مستوياته في 5 سنوات. وزاد استهلاك مصر للنفط بمقدار الثلث في السنوات العشر الماضية وتجاوز حجم الإنتاج منذ عام 2008. وبسبب النمو السكاني ودعم الطاقة - الذي يصل إلى 15 مليار دولار سنوياً أو ربع الميزانية - زاد استهلاك مصر للغاز إلى مثليه في السنوات العشر الماضية ليصل إلى مستوى الإنتاج تقريباً وهو ما يحد من الصادرات وإيرادات العملة الصعبة. وتقول بعض الشركات إنها ستضطر للانتظار عدة سنوات للحصول على مستحقاتها، وقالت بي.جي إنها تتوقع الحصول على مستحقاتها التي تبلغ 1.3 مليار دولار كاملة بنهاية 2015 بموجب اتفاق في الآونة الأخيرة يرتبط بمستويات إنتاج النفط والغاز. ومع تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية اتخذ البعض إجراءات احترازية، فقد اشترت أباتشي تأميناً من المخاطر السياسية لأجل عدة سنوات من مؤسسة أوفرسيز برايفت إنفستمنت (أوبك) وشركات تأمين أخرى لتغطية المخاطر في مصر. وقالت أباتشي ''بوالص التأمين توفر غطاء قيمته مليار دولار لأباتشي من الخسائر التي قد تنجم عن المصادرة والتأميم.'' وحصلت الشركة أيضاً على تغطية بقيمة 300 مليون دولار من أوبك من الخسائر التي قد تنشأ عن عدم سداد الفواتير السابقة.
وقالت أوبك ''التغطية حيوية لاستثمارات أباتشي الجارية في مصر.'' وتقول شركات نفطية إن تراجع الإنتاج سيتوقف مع نمو الاستثمارات بالرغم من التحديات المتعلقة بالديون. وتخطط أباتشي - أكبر منتج للنفط في مصر - لاستثمار أكثر من مليار دولار في مصر في 2013 دون تغير عن الأعوام السابقة. وقال بيل مينتز المتحدث باسم الشركة ''لم نتوقف عن الإنتاج يوماً واحداً منذ اندلاع الثورة في يناير 2011، ونعتقد أن الحكومة المصرية تدرك قيمة مساهمتنا لاسيما في الوقت الذي تعاني فيه قطاعات اقتصادية أخرى.'' وتقول شركات أخرى أيضاً إن استثمارها سيظل كما كان أو يزيد بالرغم من الحدود القصوى التي تضعها الحكومة لأسعار الغاز، والتي تقل عن الأسعار الأمريكية وتمثل نسبة طفيفة من الأسعار الأوروبية. وقال متحدث باسم بي.بي ''لم يتأثر الإنتاج أو قرارات الاستثمار.'' وكانت وزارة الاستثمار المصرية قد قالت إن قطاع الطاقة سيشهد زيادة في الاستثمارات في 2013 من 8.2 مليار دولار في 2012 .