حتفل العالم بعد غد ''الجمعة'' باليوم العالمي للمياه لعام 2013 تحت شعار ''التعاون في مجال المياه''، حيث يعتبر التعاون في مجال المياه أساسًا للتنمية المستدامة وعاملًا في تحقيق السلام. ويسهم التعاون في مجال المياه في الحد من الفقر وفي تحقيق العدالة وفي خلق المنافع الاقتصادية والحفاظ على الموارد المائية وحماية البيئة ووضع أسس للسلام.
ويأتي الاحتفال هذا العام بالتزامن مع الاحتفال بالسنة الدولية للتعاون في مجال المياه حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2010 اعتبار عام 2013 كسنة دولية للمياه، وقد كلفت لجنة الأممالمتحدة المعنية بالموارد المائية منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بتنظيم الاحتفال بهذه السنة، اعترافا بدور اليونسكو في العمل في مجالات العلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية، وفي مجالي التعليم والثقافة. ومنذ عام 1993، تحتفل منظمة الأممالمتحدة في 22 مارس من كل عام باليوم العالمي للمياه، للتوعية بأهمية المياه والمحافظة عليها والسعي إلى إيجاد مصادر جديدة لمياه الشرب. وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة بن كي مون في رسالته بهذه المناسبة، حيث تكتسي المياه أهمية مركزية في تحقيق رفاه الناس والكوكب، ونحن نحتاج إليها حرصا على الصحة والأمن الغذائي والتقدم الاقتصادي.
وأكد مون أن المياه هي مفتاح للتنمية المستدامة، وإننا نعمل معا من أجل حماية هذا المورد الهش والمحدود، وإدارته بعناية.
ولفت إلى أن ثلث سكان العالم أصبحوا يعيشون في بلدان تشهد إجهادا مائيا متوسطا أو شديدًا ، ونتيجة لذلك ازدادت المنافسة بين المزارعين والرعاة، وبين الصناعة والزراعة، وبين المدن والأرياف، ولنعزز حقوق الحصول على المياه ولنقلل من كميات إهدارها، ولنضع سياسات ذكية تتيح لجميع المستخدمين الانتفاع بحصة عادلة منها.
وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2013 السنة الدولية للتعاون في مجال المياه، فلنسخر أفضل التكنولوجيات ولنتبادل أفضل الممارسات لتحقيق محصول أكبر مقابل كل قطرة ماء، كما ينبغي لنا التعاون في المرحلة التمهيدية والمرحلة التنفيذية من الإنتاج، وعبر الحدود الوطنية، لفائدة الجميع حاضرا ومستقبلا، وأضاف مون ''دعونا نستثمر في المياه، فالمياه هي الحياة''. والماء أساس التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو القاسم المشترك بين مختلف القطاعات الاقتصادية، ومنها الطاقة والصناعة والزراعة، كما أن الإدارة الجيدة للموارد المائية ضرورية لتحقيق نمو للجميع يراعي اعتبارات البيئة.
وقد أصبحت التحديات المائية العالمية أكثر تعقيدا في إطار مناخ متغير، فإطعام كوكب يسكنه 8 مليارات نسمة بحلول عام 2030 سيتطلب تحسين استخدام المياه في الزراعة.
وتذهب التقديرات إلى أن إطعام سكان العالم سيتطلب زيادة موارد المياه 30 إلى 45 % بحلول عام 2030، كما ستزيد احتياجات الطاقة إلى أكثر من الضعفين في البلدان الفقيرة والصاعدة في الخمسة والعشرين عاما القادمة.
ويأتي نحو 18 % من كل إمدادات الطاقة من الطاقة المائية، ومع ذلك فإن أفريقيا لا تستغل سوى 7 % من إمكانياتها.
وتشير إحصاءات اليونسيف أن أكثر من 50 \% من سكان العالم يعيشون الآن في مناطق حضرية وهو ما يقتضي زيادة موارد المياه وتحسين نوعيتها، وفي الوقت نفسه يفتقر 2.5 مليار نسمة إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية، ولا يزال أكثر من 884 مليون شخص يستخدمون مصادر مياه شرب غير مأمونة. كما أن عدم توفر المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي الكافية، بالإضافة إلى سوء ممارسات النظافة الصحية تؤدي إلى مقتل آلاف الأطفال وإصابتهم بالمرض يوميا كما تؤدي إلى إفقار آلاف الناس وتضاؤل الفرص المتاحة لديهم. ورداءة المياه والمرافق الصحية والنظافة الصحية تسبب مضاعفات خطيرة عديدة أخرى، إذ يحرم الأطفال وخاصة الفتيات من حقهم في التعليم بسبب عدم وجود مرافق صحية لائقة خاصة في مدارسهم.
وتضطر النساء إلى قضاء فترات طويلة من يومهن في جلب المياه، وينخفض إنتاج المزارعين والعاملين بأجر من الفقراء بسبب إصابتهم بالمرض، وتنوء النظم الصحية بالأعباء، وتعاني الاقتصادات الوطني، وبدون المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، يستحيل تحقيق التنمية المستدامة.
وتدعو الأهداف الإنمائية للألفية إلى التخفيض بمقدار النصف حتى عام 2015، من عدد الأشخاص الذين لا يحصلون على ماء الشرب الآمن والمرافق الصحية الأساسية بشكل مستدام.
ويبدو أنه من المرجح بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية بشأن ماء الشرب الآمن على النطاق العالمي في معظم المناطق باستثناء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتشير تقارير وكالات منظمة الأممالمتحدة في مجال موارد المياه بما في ذلك المرافق الصحية، حصول 1.1 مليار نسمة على ماء الشرب الآمن بين عامي 1990 و 2002، وتحققت أكبر المكاسب في الحصول عليه في جنوب آسيا حيث ازداد الحصول على الماء من 71 % في عام 1990 إلى 84% في عام 2002. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ازداد الحصول على ماء الشرب الآمن زيادة طفيفة وذلك من 49 % في عام 1990 إلى 58 % في عام 2002 .
ويقدر أن الحاجة ستدعو إلى استثمار مبلغ إضافي قدره 11.3 بليون دولار أمريكي في السنة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بالنسبة لماء الشرب والمرافق الصحية وذلك بالمستويات الأساسية جدًا. وقد ازدادت كميات المياه المسحوبة من أجل الري أكثر من 60 \% منذ عام 1960، وحوالي 70 % من الماء العذب المتوفر يستعمل من أجل الري في الزراعة، ومع ذلك وبسبب انعدام الكفاءة في نظم الري ولا سيما في البلدان النامية يضيع 60 \% من هذه المياه في التبخر أو يعود إلى الأنهار ومياه الأرض الجوفية.
وازداد استخدام المياه بمقدار 6 أضعاف خلال القرن العشرين، أي أكثر من ضعف معدل النمو السكاني، وفي حين أن استهلاك المياه في البلدان الصناعية يصل حتى 380 لترا للفرد في اليوم في الولاياتالمتحدة، و 129 لترا للفرد في اليوم في ألمانيا، فإن ما بين 20 و 30 لترا للفرد في اليوم في البلدان النامية يعتبر كاف لتلبية احتياجات الإنسان الأساسية.
وفي أجزاء من الولاياتالمتحدة والصين والهند، تستهلك المياه الجوفية بمعدل أسرع من معدل تجددها، كما أن منسوب المياه الجوفية في انخفاض مستمر، وبعض الأنهار مثل نهر كولورادو في غرب الولاياتالمتحدة والنهر الأصفر في الصين غالبا ما تجف قبل وصولها إلى البحر.
وتدهورت النظم الإيكولوجية للمياه العذبة تدهورا شديدا إذ يقدر أن حوالي نصف الأراضي المزروعة في العالم قد ضاعت، وأن أكثر من 20 \% من الأنواع المعروفة في العالم التي تعيش في المياه العذبة والبالغ عددها 10 آلاف نوع أصبحت منقرضة، أومهددة بالانقراض،أو معرضة للخطر.
وتشير تقارير ندرة المياه إلى أنه حتى عام 2025، يقدر أن حوالي ثلثي سكان العالم (أي نحو 5.5 مليار نسمة ) سيعيشون في مناطق تواجه أزمة مياه تتراوح بين معتدلة وحادة، وأكثر المناطق تأثرا بنقص المياه تقع في شمال أفريقيا وغرب وجنوب آسيا. كما أن 25% من سكان أفريقيا يعانون أزمة مياه شديدة، 13 % من السكان يعانون من أزمة مياه تتصل بالجفاف مرة كل جيل، و17 % يعيشون بدون إمدادات مياه متجددة، و 83 % من سكان العالم كانوا يستعملون مصادر مياه شرب محسنة في عام 2002، وذلك بزيادة 79 % تقديرًا في عام 1990 وحوالي 42 % من السكان الذين يحصلون على الماء لديهم وصلة منزلية أو صنبور في منزلهم، بيد أن حوالي 1.1 مليار نسمة لا يزالون بدون ماء شرب محسن.
إن الأشخاص الذين يعيشون في الأحياء الشعبية الفقيرة يحصلون على كميات محدودة جدًا من المياه الآمنة من أجل الاستعمالات المنزلية، فقاطنو الأحياء الشعبية قد لا يكون تحت تصرفهم يوميًا أكثر من 5 إلى 10 لترات، في حين أن الشخص المتوسط الدخل أو المرتفع الدخل في المدينة ذاتها قد يستعمل حوالي 50 حتى 150 لترًا في اليوم، إن لم يكن أكثر من ذلك و30 % من إمدادات المياه العذبة تضيع في البلدان النامية بسبب التسرب، وفي بعض المدن الرئيسية ترتفع الخسارة في المياه حتى 40 و 70 % .
وتشير إحصاءات المجلس العربي للمياه أن 83 مليون عربي لا تصلهم مياه الشرب النقية و96 مليونا محرومون من شبكات الصرف الصحي.
وأوضح محمود أبو زيد رئيس المجلس أن زمن الحصول على المياه بسهولة قد انتهي ونحن في حاجة ماسة الى سياسة جديدة، وأنه حان وقت الاستهلاك الأقل والإدارة الأفضل، ومن واجبنا زيادة إنتاجية قطرة الماء ؛ لأن الأمن المائي يعني الأمن الاقتصادي والاجتماعي. وأضاف أبوزيد أن المنطقة العربية تعد من أهم مناطق العالم مائيا وكثير من مواردها يأتي من خارجها وتتعرض للنهب أو التناقص، وأن متوسط نصيب المواطن العربي من المياه يصل إلى 500 متر مكعب في السنة، ويصل في بعض الدول العربية 150 مترا مكعبا سنويا من المياه لكافة الاستخدامات، وأن معدل زيادة السكان بالدول العربية يحتاج إلى تأمين ما يقرب من 550 مليار متر مكعب بحلول 2052 لتحقيق الأمن الغذائي العربي بدلا من 258 مليار متر مكعب حاليا.
أما حالة المرافق الصحية في العالم في عام 2002، لم يكن لدى 2.6 مليار نسمة مرافق صحية محسنة، وهناك عدد إضافي يبلغ 1.8 مليار نسمة في حاجة إلى مرافق صحية محسنة قبل عام 2015 وذلك لتحقيق أحد الأهداف الإنمائية للألفية الداعي إلى التخفيض بمقدار النصف من عدد السكان المحرومين منها في عام 1990، حتى لو تحقق هذا الهدف، سيبقى 1.8 مليار نسمة بلا مرافق صحية كافية في عام 2015، بسبب ازدياد عدد السكان، ونصيب المجتمعات الريفية في البلدان النامية هو أقل من نصف نصيب المناطق الحضرية من المرافق الصحية (37 % ) (81 %) بالترتيب.
وأكثر مستويات المرافق الصحية تدنيا هي في منطقتي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (36 %) وجنوب آسيا (37 %) وحوالي 90 % من المجاري و70 % من النفايات الصناعية في البلدان النامية تطرح في المجاري المائية بدون معالجة مما يلوث غالبا إمدادات المياه المستعملة.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 2.2 مليون نسمة معظمهم في البلدان النامية يموتون كل عام من أمراض تتصل بأحوال المياه والمرافق الصحية السيئة، ونصف الأسرة في المستشفيات في العالم في أي وقت يشغلها مرضى يعانون من أمراض تنقلها المياه. وفي كل أسبوع يموت نحو 42 ألف نسمة من أمراض تتصل بمياه الشرب الرديئة، وعدم توفر المرافق الصحية، وأكثر من 90 % منها تصيب الأطفال الذين هم دون سن الخامسة. وهناك مرضان من الأمراض المتصلة بالمياه وهما الإسهال والملاريا، يحتلان المرتبة الثالثة والرابعة في قائمة أسباب الوفيات بين الأطفال الذين هم دون سن الخامسة، إذ يبلغ نصيبهما 17 % و 8% من جميع الوفيات بالترتيب. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى احتمال موت الطفل من الإسهال هو تقريبا 520 مرة أكثر من احتمال موته في أوروبا أو الولاياتالمتحدة.
وإدخال تحسينات على نوعية مياه الشرب من خلال معالجة المياه المنزلية كإضافة مادة الكلور عند الاستعمال والخزن المنزلي الكافي يمكن أن يؤدي إلى خفض حوادث الإسهال بنسبة تتراوح بين 35 و 39 %، في حين أن إجراءات الصحة الشخصية كالتثقيف الصحي وترويج غسل اليدين يمكن أن تؤدي إلى خفض حالات الإسهال بنسبة تصل حتى 45 %.
وأظهر تحليل قامت به منظمة الصحة العالمية للتكاليف والفوائد أن كل دولار أمريكي يستثمر في تحسين خدمات مياه الشرب والمرافق الصحية يمكن أن يؤدي إلى منافع اقتصادية بمقدار أربع دولارات حتى 34 دولارا الأمر الذي يتوقف على المنطقة.
أما المنافع الاقتصادية في معالجة المياه المنزلية كاستعمال مادة الكلور، أو التعقيم بأشعة الشمس، أو الترشيح أوالجمع بين مساحيق المعالجة بالكلور، يمكن أن تؤدي إلى منافع بمقدار 5 دولارات حتى 140 دولارا مقابل كل دولار يستثمر لهذا الغرض.
ويقدر المردود الاقتصادي لاستثمار 11.3 بليون دولار كل سنة لبلوغ أهداف الألفية بالنسبة لمياه الشرب والمرافق الصحية حتى عام 2015 بمبلغ 84 بليون دولار.
وقد قدرت منظمة الصحة العالمية أن المكاسب في الإنتاجية من جراء الحد من مرض الإسهال في حال تحقيق هدف مياه الشرب والمرافق الصحية من بين الأهداف الإنمائية للألفية، ستزيد على 700 مليون دولار في السنة.