إن لم تكن من رواد هذا الشارع في الفترة الماضية، فحتما ستندهش، للوهلة الأولى ستبحث عن شخص تسأله عما حدث حتى يصبح الشارع مليء هكذا بمدرعات الشرطة، الظباط، المخبرين وعساكر الأمن المركزي المتواجدين بأعداد كبيرة داخل وخارج عربات الأمن، وعلى أرصفة الشارع في انتظار الأوامر من قادتهم. قد لا تأتيك الجرأة كي تسأل أحد الظباط عن الشارع، لكن إن واتتك لتسأل أحد المخبرين فلن يعطيك ما يروي فضولك، سيرد ببعض الكلمات المقتضبة التي تلخصها جملة "مفيش حاجة". وإذا قررت أن تخوض التجربة بنفسك وتتوغل داخل الشارع لعلك تكتشف سر الهدوء الحذر في شارع القصر العيني، فسترى عدة حواجز، بعضها أسمنتي كالتي تم بناءها على مداخل الشوارع المؤدية إلى وزارة الداخلية، وبعضها مكون من أسلاك شائكة، وأخرى عبارة عن حواجز حديدية. إلا أنه مهما كانت أشكال هذه الحواجز، فإنها ستبقى حواجز مانعة لكل شيء، للعربات التي تريد المرور في الشارع اختصاراً للمسافة الأطول التي ستضطر لقطعها وصولاً للجهة المطلوبة، لأصحاب المحلات الذين لا يفهمون لماذا يجب أن يظل الشارع مغلقاً حتى الآن، و ربما لبعض المارّة الذين ينتابهم القلق من هدوء الشارع المبالغ فيه. ''محمد'' جلس على خزينة حساب لمطعم '' فول وطعمية ''، أكد أن الأحوال بالشارع هادئة جداً و''الرجل خفت'' عن المكان وليس كالسابق، وعلى الرغم من ذلك فهو مستمر في عمله بالمكان الذي أصبح أكثر المترددين عليه من عساكر الأمن المتواجدة بالشارع. خلت محطة وقود ''التعاون'' المتواجدة بشارع القصر العيني من قدم إلا عامل ظهر أمام الزيت المرصوص على ''أرفف ''غرفة داخل المحطة، والذي أكد أن الأحوال توقفت بشكل كبير بعد الأحداث الأخيرة ووضع الجدار الحجري، خاصة وأن المحطة لم تلبث أن عادت بعد إغلاق دام لعام نظراً للأحداث، الأمر الذي كلف المحطة التابعة للدولة حرمان العائد الذي يدخل لها . وأوضح العامل الذي رفض ذكر اسمه أن السبب في غلق المحطة ليست أعمال البلطجة التي لم تشهدها المحطة قط بل غلق الطريق الذي يسبب حالة ''كساد'' على حد قوله، مضيفاً أنه لم يتعرض لضرر جراء الغلق على المستوى المادي بقدر أفراد العاملين بالمحطة الذين كانوا يعتمدوا على ''البقشيش'' وتم نقلهم إلى فروع أخرى بعد ''وقف الحال'' بالمحطة . المحطة التي كان يعمل بها ما يقرب من 9 أفراد على ورديات متتابعة؛ أصبح المتواجد بها فرد واحد، يشرف على بيع الزيت فقط الذي قد لا يدر في اليوم سوى 100 جنيه، بعد أن كان أقل ما يدخل خزينة المحطة عن بيعه 1000 جنيه. على الرصيف المقابل؛ حيث تبعد خطوات قليلة عن مبنى مجلس الوزراء، جلس ''محمد عيد'' أمام محله الخاص ب''الانتيكات''، ناظراً إلى الطريق الذي خلا إلا من الأسلاك الشائكة وقليل من المارة، وقال :'' مفيش محلات هنا شغالة.. وقف حال للشارع خالص، مفيش بيع ؛ الناس بقت تخاف تمشي في الشارع ''. وعن الوضع بالشارع، أشار ''عيد'' للأمن الواقف في مجلس الوزراء ومجلسي الشعب والشوري قائلاً: '' الأمن هناك وفي اتنين واقفين هنا''، مشيراً إلى فردين للمرور وقفا على الجهة المقابلة له، وأضاف '' وأحيانا ما بيبقاش في حد خالص''، ولم يأت الرد على مطالبة ''عيد'' للأمن بفتح الطريق سوى ''قدام.. بعدين''، ووجد عيد في ذلك أن '' هم مريحين دماغهم لا في عربيات ولا ناس تتضايقهم''. وأكد ''عيد'' القاطن بشارع القصر العيني منذ 60 عاماً أن '' النور بيتقطع وبقالنا 15-20 يوم الصف اللي احنا فيه النور قاطع في العواميد اللي بالشارع ''، بينما شعر ''محي الدين مروان'' - مالك لأحد محال '' السوبر ماركت'' - بالأسى لما وصل إليه الحال قائلاً: '' من ساعة الثورة في 2011 كل قلق وكل زوبعة في مجلس الوزراء يقفلوا الشارع ومحدش بيهتم بينا ولا بيسأل علينا، كل حاجة الدولة عايزة تاخد حقوقها واحنا مفيش خالص اتنهبنا واتكسرنا ولغاية دلوقتي محدش مهتم بنا ''. لا يريد ''محي'' تعويضاً عن الخسائر بل فتح الطريق هو الأمل الوحيد المنتظر تحقيقه '' احنا مش عاوزين تعويض بس عايزين الشارع يمشي مش عايزين أكتر من كده''، وإذا كان هناك رغبة في المساعدة من الدولة فلتكن في '' إنهم يعفونا من الضرايب الفترة دي كلها لغاية ما الحال يمشي''؛ فالحال في ''القصر العيني'' بالنسبة ل''محي'' أشبه ب '' محل معمول في صحرا مستني واحد يجي ياخد علبة عصير''. وعن الحصول على أية معلومة بشأن فتح الطريق قال محي '' سألنا الأمن قبل كده قالولنا احنا قافلين الطريق عشان التحرير، وسألناهم يوم ما محمد مرسي جه في مجلس الشورى هتفتحوا الشارع امتى قالوا لنا قدامكم لسه لغاية 25 يناير، عشان يُقال أن في ثورة جديدة لو عدت هننظر في أمركم إذا كان الشارع ينفتح ولا لأ ''. استكمل ''محي'' بصوت أشبه بالاستغاثة '' ندفع للعمال إزاي ولا بيوتنا ولا البضاعة إزاي''، واصفاً لحظة وقوف العربات الناقلة لبضاعة المحال بالشارع '' حتى العربيات اللي بتجيب البضاعة مبتعرفش تقف ياريت بتقف بعيد.. ده لما تقف يقولوا لها امشي انتم عطلتم الطريق ''. ولا يجد ''محي'' في حال الشارع منذ أحداث مجلس الوزراء سوى أنه '' اتعدم كأن واحد اعدموه وخلاص''، وقال معبراً بكلمات ساخرة من الحال الهادئ '' هنعمل إيه.. والله ناقص نلعب كورة قدام المحلات''. ولم يختلف حال ''مصطفى'' - صاحب '' سوبر ماركت'' - على الرصيف ذاته؛ فقد وجد أنهم '' قصاد كل اللي بيحصل ضايعين''.