المجني عليها : ضربني أمام المئات وغادر تحت أعين الشرطة فتاوي الجهل دفعتني للتصدي للشيخ المجهول فكان نصيبي كدمات وجروح في جسدي واقعة غريبة شهدتها عربة مترو الانفاق للسيدات الاسبوع الماضي .. بطلتها كما سجلها محضر الشرطة بقسم سراي القبة فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها تعرضت للضرب امام مرأي وعلي مسمع المئات من ركاب المترو، علي ايدي احد الاشخاص الذي ركب في سيارة السيدات وبدأ في وعظ الحاضرات .. التفاصيل تكشف الكثير من المآسي التي يشهدها الواقع الاجتماعي والامني في شوارع المحروسة.. ولكن هل للطابع السياسي الذي يصبغ المجتمع في هذه الفترة وطبيعة الصراعات بين مختلف الايديولوجيات دور في هذه المأساة هذا ما تكشف عنه السطور القادمة .. القصة كما ترويها اسماء عبد الرحمن محمد مصطفي خريجة كلية اللغات والترجمة جامعة الازهر تبدأ عندما كانت في طريقها للمنزل بعد يوم شاق من العمل والنشاط السياسي حيث انها عضوة بحزب التحرير، مستقلة المترو خط المرج في عربة السيدات.... و في منتصف الطريق وتقريبا في محطة غمرة او الدمرداش - لا تتذكر بالضبط-، صعد الي عربة المترو رجل يبلغ من العمر ما يقرب من ستين سنة مربيا لحيته ويمسك بعصا مقشة مكسورة ( نصف عصا ) وبدأ يعظ السيدات بصوت مرتفع ..في البداية لم تحاول ان تنتبه الي حديثه وبعد مرور محطة واتنين وثلاثة واربعة ولسه بيخطب .. تقول اسماء "تعبت نفسيا لان كلامه يحمل الكثير من المغالطات الدينية كما كان اسلوبه مهين للسيدات.. والعجيب كان في وجود سيدات وبنات استجابت له .. وعندما نظرت في عيون السيدات المتواجدات وجدت منهن اللاتي لا تعرن له انتباههن والمشغولة عنه واللاتي ترغبن في ان تقول له انزل ولا تستطيع ومن كانت سعيدة بمايقوله ... فقررت ان اقول لا ... فقمت وناديت عليه وتقريبا عمل نفسه لم يسمعني فرفعت صوتي - لو سمحت يا عم الشيخ - وقلت هذه عربة السيدات "ومينفعش تركب فيها "وثانيا ما تقوله مكانه المسجد واي واحدة تريد ان تعرف عن دينها عندها المساجد او التلفزيون ... فوجدت مجموعة من السيدات تعترضن قائلين "وانتي مالك احنا عاوزين نسمعه لو مش عاجبك انزلي" .. فرددت عليهن وقلت "لو عايزينه خدوه المسجد"، في نفس الوقت الذي بدأ فيه يسبني بالفاظ بذيئة ..لم ارد عليه ووجهت حديثي للسيدات وقلت لا.." المترو وسيلة للنقل وليس مكان للدعوة واذا اردتم ان تسمعوه "خدوه وانزلوا "... ففوجئت بالرجل يقترب مني وينهال علي بالسباب .. فقلت له احترم نفسك والا سأقوم بابلاغ الشرطة واخرجت الموبايل في يدي فأخذه مني وهو مازال يقذفني بسيل من الشتائم ... فقلت له "لو سمحت ما تشتمش وهات الموبايل " ... فألقي الموبايل علي الارض .... فصرخت وانحنيت لالتقط الموبايل وهو مستمر في الاعتداء اللفظي ثم بدأ يضربني بالعصا علي رأسي وعلي كل جسدي وعندما وقفت طعنني بالعصا في رقبتي وانا اصرخ "انا عاوزة الشرطة " ثم وجدت عددا من المنتقبات يحولون بيني وبينه قائلات "انتي غلطانة وانتي مالك بيه ده راجل في سن ابوكي "... فقلت لهم "ملعون ابويا وانا أصرخ اتركوني وهن يمسكنني وبيحشوني عنه "وهو مستمر في ضربي بالعصا علي رأسي من فوقهم "وهنا توقف المترو بالمحطة وانفتح الباب فسارع الرجل بالخروج ورمي العصا وانا فلت من ايدي المنتقبات عن طريق بنتين، ونزلت خلفه وانا أصرخ "امسكوه.. الراجل ده ضربني" .. واسرعت خلفه حتي ركب في عربة اخري وركبت معاه وانا في حالة من الانهيار والهيستريا والصراخ .. لم اجد من الركاب اي استجابة وبمشاعر متبلدة سألني احد الاشخاص "هو سرق منك حاجة ؟".. فقلت له وانا منهارة ضربني وشتمني.. فقال يعني لم يسرق منك شيئا فقلت له "بقولك ضربني" ... واخر يسألني انتي منين؟ .. وباقي الحضور يقولون "ده راجل اد ابوكي ومعلش" في حين ان اثار الضرب واضحة علي رقبتي وهو مازال مستمر في السباب .... بدأت الحوارات والمفاوضات داخل العربة واجمع الاغلبية علي انه رجل مسن وكبير ويجب ان اتركه .... فيما عدا اثنين امسكوا به حتي وصل المترو الي محطة المرج التي يوجد فيها النقطة ونزلنا من المترو وهما ممسكين به وتوجه احد الاشخاص لمناداة امين شرطة .. وكانت معي فتاة من عربة السيدات واخبرتني انها مستعدة للشهادة معي.. في الوقت الذي جلس فيه الرجل علي مقاعد المحطة .. وهنا اتي امين الشرطة وسأل "في ايه؟" .. فأخبرته بما حدث وطلبت تحرير محضر ففوجئت بالرجل يحاول التهجم علي مرة اخري ويريد ان يضربني قائلا "انا لو معايا مسدس كنت قتلتك يا فاجرة" .. فطلبت من امين الشرطة اثبات ذلك في الوقت الذي قام مجموعة من الحاضرين بمنع الرجل من التهجم علي مرة اخري في حين ان امين الشرطة كان يوجه حديثه بمنتهي الاحترام للرجل ويطلب منه التوجه بعمل محضر بالواقعة وهو الامر الذي رفضه الاخير قائلا"انا ظابط قديم ومحدش هيقدر يقبض علي وانا مش رايح في حته" .. فقال له امين الشرطة تعالي معايا متخافش لأن الظابط الذي سيحرر المحضر في المكتب .. فرد عليه "انا مش رايح في حته واللي عاوزني يجيني" .. فقلت لامين الشرطة اذا لم تقبض عليه سأتوجه بالبلاغ ضدك .. فنظر لي بنظرة المغلوب علي امره .. وفوجئت بالرجل في هذه اللحظة يتوجه بسهولة ليركب المترو دون ان يعترضه احد فصرحت" انتو هتسيبوه يمشي؟!" وطلبت منهم إلقاء القبض عليه لكن دون جدوي.. وبالفعل استقل المترو مغادرا .. في حين اصطحبني امين الشرطة الي مكتبه في صمت تام، وقال لي متخافيش سنقوم بالابلاغ عن مواصفاته في كل المحطات وربنا يسهل .... وبدأت نغمة الترحيب والطبطبة "وكأنهم بيقولولي روحي عشان الليلة خلصت" .. اختفي امين الشرطة بعد ذلك... ثم توجهوا بي الي قسم سراي القبة وهناك قابلت وليد عبيد ووليد علي واحمد ناظم من النشطاء السياسيين بحزب التحرير.. وعندما تحدثنا مع المسئول هناك بدا من كلامه انه لن يفعل شيئا وأن امين الشرطة لم يستطع القبض عليه نظرا لظروف البلد مستشهدين بموقف الركاب ووجهة نظرهم في ان المشكو في حقه رجل كبير ومسن ..ثم وجدت مأمور القسم مبتسما ويحاول ان يدافع ايضا عن موقف امين الشرطة.. وتحولت الجلسة مع المسئولين داخل القسم الي نقاشات عن وضع البلد حاولوا خلالها الدفاع عن موقف الشرطة وتراخيها وكيف انهم غير قادرين علي حماية وتأمين الانتخابات.. وحاولوا التخفيف من حالة الغضب التي كانت تسيطر علي وقالوا "احنا مش عاوزينك تكوني زعلانه" ... فقلت لهم انا حزينة ومكسورة وسأظل هكذا حتي اتمكن من الحصول علي حقي . توجهت بعد ذلك الي المنزل بصحبة امي واخي وانا في حالة انهيار داخلي اصرخ دون صوتي الذي ذهب مع الاستغاثات المتكررة التي لم تجد لها مجيب.. وحين وصلت الي منزلي ولجأت الي غرفتي ونزعت عني ملابسي وجدت في جسدي اكثر من ستة جروح كانت تنزف دون ان اشعر بها وعشرات الكدمات الشديدة التي ملأت رأسي بالتّورمات بالاضافة الي جرح كان مستمرا في النزف.. وثارت بداخلي مجموعة من التساؤلات .. هل فقد مجتمعنا الامان ؟.. اين الشعب الذي كان يجعلني اشعر بان الشارع بيتي؟ .. اين الثورة من عربات المترو التي اغلب ركابها من الشباب؟! .. من يستطيع ان يعيد الي عزة نفسي التي كسرت، وكرامتي التي اهدرت، وحقي الذي ضاع ... وتمنيت لحظة لو انه قتلني ... حسبي الله ونعم الوكيل.