شارعان يفصلان ''كنيسة القديسين'' عن منزلهما؛ منها وإليها اعتادا الذهاب معاً طوال ثلاث سنوات منذ أن تزوجا؛ وزادت فرحة الذهاب بزيادة أسرتهم فرداً جديداً بعد إنجاب ابنتهما التي لم تكن دخلت عامها الثاني بعد وقت اللقاء الأخير. بالدور الرابع لإحدى عمارات شارع ''اسكندر إبراهيم''، استعدت ''يوستينا نجيب'' لاستقبال العيد على طريقة أي منزل مصري، التنظيف والترتيب قبل الذهاب مساءاً للصلاة بالكنيسة. شاهد الفيديو زوجة أحد ضحايا القديسين فتحت ''يوستينا'' باب المنزل صاحب اللافتة الذهبية التي حملت اسم '' صموئيل جرجس ميخائيل''، وقد رسمت على وجهها علامات الترحاب وابتسامة تحاول إظهار أن شيئاً لم يحدث وأن الحال لا يختلف عن جيرانها وكثير من بيوت الأقباط المنتظرة للعيد. ''جاكت أسود'' ارتدته ''يوستينا'' الزوجة التي لم تكمل عقدها الثالث، كان أكثر تعبيراً في اللحظات الأولى عن أن هذا العيد أيضاً لن يكون صاحب لافتة المنزل الذهبية في عالم ذلك المنزل. شاهد الفيديو زوجة أحد ضحايا القديسين وقفت ''ميرولا'' صغيرة المنزل والتي تعني ''مريم'' بالإسبانية؛ تشاهد قناة الأطفال بالتليفزيون، وعلى جانبيها صورتين عُلقتا على جداري متقابلين بالمنزل الأولى حملت زواج ''صموئيل ويوستينا'' والأخرى صورة ''صموئيل'' التي أعدتها له الكنيسة بعد إعلانه كأحد ضحايا كنيسة ''القديسين'' . ''روحي أنت وأنا هحصلك''.. آخر كلمات ''صموئيل'' لزوجته ''يوستينا'' قبل ساعات من الانفجار الذي راح ضحيته، فكانت المرة الأولى والأخيرة التي لا يذهبا سوياً للكنيسة '' أول مرة ما نروحش مع بعض، الظروف جت كده يمكن ربنا مرتب إن حاجات عند والدته تتصلح اليوم ده، هي برده عايشة لوحدها وباباه متوفى''. ''صموئيل'' مهندس الكمبيوتر بشركة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بالرقم القومي كان أخ لثلاث أخوات وابن لأم مات عنها زوجها، يذهب يومياً لعمله بدمنهور، لذلك استغل فرصة قدوم العيد ليلبي احتياجات منزله ووالدته، ليتأخر في ذلك اليوم عن ميعاد الصلاة ويكون في صفوف المصلين بالدور الأول، ويحدث الانفجار ليكون بين صفوف المصابين في بادئ الأمر . شاهد الفيديو زوجة أحد ضحايا القديسين ''حسينا حاجات كتير حصلت في الآخر، كأن واحد حاسس أنه هيموت فعمال يوضب في كل حاجة ناقصة كان تقريباً بيعمل كده''.. هكذا كان حال ''صموئيل'' قبل وفاته كما قالت زوجته، فلم يؤخره سوى ''ماتور'' بشقة والدته كان بحاجة للإصلاح '' الماتور كان بقاله شهر، حتى والدته قالت له محبكش يوم العيد تيجي تصلحه، قال لها لأ هجي عشان النهاردة اجازة ومش هينفع اخد اجازة تاني ''، ولم تتخيل ''يوستينا '' في ذلك اليوم أن ما حدث كان انفجار إنما '' لأول وهلة تخيلت أن في سقف وقع مش أكتر من كده''. ''يوستينا'' كانت بين صفوف الحاضرين بالدور العلوي للكنيسة مع ابنتها ووالدتها، ومثل البعض وخوفاً على ابنتها من الزحام قررت النزول '' بدري شوية قبل ما كل حاجة تخلص عشان الزحمة''، لكن شاءت الأقدار أن يتأخر نزولهما فلم يشهدوا سوى '' سمعنا صوت قوي جداً وكلنا وقعنا فوق بعض زجاج الكنيسة اتكسر وفي طوب وقع''. لا تنسى'' يوستينا'' مشهد الرعب الذي ساد العيون في محاولة تلمس فهم شيء '' الناس كانت مرعوبة محدش كان فاهم حاجة لغاية ما لقينا الكل بيعيط ويصوت ويقول أن في ناس ماتت وبرده لغاية اللحظة دي محدش كان فاهم حاجة وكمان مكناش سامعين بسبب الانفجار الشديد ''. شاهد الفيديو زوجة أحد ضحايا القديسين ولم يكن بيد ''يوستينا'' وغيرها سوى الصلاة وكلمة ''يارب''، وعلى الرغم أنها من النوع الرافض لسماع ''حاجة وحشة'' ولم ترغب في معرفة تفاصيل ما حدث إلا أنها لم تخشى الموت '' مكنتش خايفة وقولت لو هموت مش مشكلة عادي''. كل ما قالته ''يوستينا'' وقتها وحاولت إقناع ذاتها به بعد تهدئة والدتها الخائفة، والاطمئنان على ابنتها '' لأ هو مجاش هو مش تحت هو روح البيت أكيد''، ولم تخفف كلمات أصدقاؤه النافية لرؤيته من قلقها خاصة وأن شبكة التليفون لم تكن متاحة للاتصال ب''صموئيل''. ومع عودة ''يوستينا '' للمنزل ولم تجد ''صموئيل'' تأكدت أن مكروه أصابه '' مالقيتوش في البيت انهرت''، لتبدأ رحلة البحث عن الزوج التي انتهت بايجاده في طواريء ''المستشفى الميرى''.
10 أيام قضاها ''صموئيل'' بين حالات الحروق '' كان عنده إصابات كتير 65 % حرق من الدرجة الأولى والتانية والتالتة وحتى الرئة كانت متأثرة بالحريق''.. قالتها ''يوستينا'' متذكرة مشهد '' الدكاترة كانوا بيخيطوا الجروح من غير جوانتيات ولا تخدير من كتر الإصابات واللي كان منها خطير كان في ناس هتقطع رجلهم بس ربنا ستر''. شاهد الفيديو زوجة أحد ضحايا القديسين لم تستطع ''يوستينا'' من إلقاء اللوم على الأوضاع ''السيئة'' بالمستشفى والتي كان لها دور بعد مشيئة الله في وفاة زوجها، وعملها كطبيبة أكد لها ذلك '' مافيش تعقيم في مستشفياتنا بدرجة كبيرة، طبيعي الجلد بيحمي الدم من أي ميكروب فلما يتشال الجلد الميكروب لو جه هيدخل على الدم على طول، فلازم الإنسان اللي عنده حرق يتحط في مكان معقم تماماً لان الحاجة اللي هتموته هى الميكروب''. 22 يوماً قضاها ''صموئيل'' ما بين ''المستشفى الميري'' أخرى بانجلترا التي على الرغم من إجراءات التعقيم بها لكنه '' رايح أصلا حالته خلاص الميكروب وصل للدم وكان في عمليات لاستخراج الشظايا الكتير اللي كانت من أول رأسه لغاية رجله''. كل ما تتذكره ''يوستينا'' إشارات ''صموئيل'' القليلة وحديثها معه الذي لم يزد عن '' كنت بحاول اطمنه علينا اقوله مامتك كويسة وميرولا بنتنا كويسة ومتخفش هتبقى كويس مكنتش عارفة أقوله حاجة أكتر من كده''، عامان مرا على رحيل ''صموئيل'' عن زوجته وابنته التي لا تعرف سوى صورته المعلقة واقترابها بكلمات بريئة ''هبوس صورة بابا''. شاهد الفيديو زوجة أحد ضحايا القديسين ''حاسة الموضوع نام على كده، ومافيش حاجة هتحصل زيادة''.. بصوت يملأه الأسى عبرت ''يوستينا'' عن فقدها الأمل في الكشف عن مرتكب الحادث قائلةً: '' الحكاية لو عايزة تتعرف في ساعتها كان حصل، مش استني سنتين بعد ما خلاص الأدلة راحت''. وما تتمناه ''يوستينا'' بعد عامين على الحادث لم تشعر فيهما بالخوف من الموت بقدر حدوث شيء آخر وقت الذهاب للكنيسة '' مش فكرة أن حق جوزي يرجع نفسنا نحس أن فعلا الدولة بتهتم بالشعب، لما حد يتأذي بصرف النظر هو مين ديانته ايه غني أو فقير بصرف النظر اللي أتأذي يبقى ليه كرامة ويرجع له حقه وأن يعرف سبب الأذي''. ساعات قليلة وتذهب ''يوستينا'' إلى الكنيسة للمرة الثانية دون ''صموئيل'' تاركة رسالة فقدت فيها الدموع القدرة على احتمال الفراق '' أقوله هفضل فاكراك طول عمري وعمري ماهنساك وسامحني لو كنت عملت أي حاجة في حقك أو ضيقتك، وإن شاء الله بنتنا هعرف أربيها'' . وتوجهت بأخرى للجميع لعل القادم يحمل الجميل لابنتها '' نفسي الناس تحب بعض هى دي حاجة صعبة لو الناس تحب بعض مش هيحصل اللي مصر ده كله، لو نعرف أن كلنا هنموت وأن ربنا بيحاسب الكل هنعيش ونشتغل بأمانة كل واحد يبقى صح ومالوش دعوة بحد هو مين بيشتغل إيه وديانته إيه، كلنا بنعبد ربنا'' .