تحققت خلال أيام عام 2012 نظريا معظم أهداف الثورة التي خرج من أجلها المصريون في 25 يناير من عام 2011 ، فقد أصبح لمصر رئيس منتخب ودستور جديد ونية صادقة لتحقيق الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ، ولكن ما تحقق اختلط على أرض الواقع بحالة من الانقسام الشديد وربما خيبة أمل من تحول مصر الثورة إلى مضرب للأمثال في الانقسام. وتلاحقت الأحداث بسرعة كبيرة خلال العام لدرجة بدا فيها البعض عاجزا عن ملاحقة الأحداث خاصة مع تعدد مصادر الأخبار واختلاف رؤاها. وتحسن الوضع الأمني كثيرا في مصر خلال عام 2012 مقارنة بعام 2011 الذي كان قد شهد انفلاتا أمنيا كبيرا في أعقاب الثورة، ولكن في المقابل توترت الأوضاع في سيناء بصورة كبيرة للغاية حيث لم يكد يخلو شهر من استهداف لمواقع أمنية أو استراتيجية كان أخطرها وأكثرها دموية ما حدث في أغسطس من هجوم على نقطة للجيش أسفر عن مقتل 16 جنديا وإصابة 7 آخرين. وشهد عام 2012 عددا من الأحداث الدموية ، أبشعها ما حدث في الأول من فبراير، حيث قتل نحو 74 شخصا من مشجعي النادي الأهلي فيما عرف إعلاميا بمذبحة بورسعيد، وهو الحادث الذي أدى إلى توقف الدوري العام لكرة القدم حتى الآن.
ومع بداية تولي مرسي الحكم كان المواطنون تواقون لرؤية رئيسهم يصلي وسطهم في المساجد بعد سنوات طويلة كانوا لا يرون فيها مبارك يصلي إلا في الأعياد على شاشات التليفزيون وهو يصلي وسط العشرات وربما المئات من قوات الجيش، وسرعان ما بدأ الناس يتضجرون من الإجراءات الأمنية المشددة التي تصاحب الرئيس مرسي، وخلال الأسابيع الأخيرة بدأ الرئيس يكتفي بالصلاة في المساجد القريبة من منزله بضاحية التجمع الخامس شرق القاهرة، ولكن ظلت صلاة الرئيس للجمعة مادة للمتابعة كل أسبوع. وفي بداية حكمه ، نجح مرسي في إظهار نفسه كرجل دولة من طراز رفيع بعد زيارات خارجية قام بها ، حيث زار إثيوبيا وترأس وفد مصر في فعاليات القمة ال19 لقادة الاتحاد الأفريقي وعاد ومعه الصحفية شيماء عادل التي احتجزت في السودان قرابة أسبوعين أثناء قيامها بتغطية احتجاجات شعبية، كما أن زيارته لإيران وترضيه وسط معقل الشيعة على أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أظهره في صورة القائد الحازم القادر على إعلاء رأيه وموقفه في أي مكان، وزيارته للصين خلقت لدى المصريين إحساسا بأن التبعية للولايات المتحدة لم تعد كما كانت أيام مبارك. عربيا ، أكد مرسي أكثر من مرة أن أمن الخليج من أمن مصر، وبدا متحفظا في اتخاذ أي خطوة لاستعادة العلاقات مع إيران قد تضر بالعلاقات مع دول الخليج خاصة وأن وضع مصر الاقتصادي يجعلها محتاجة إلى جيرانها العرب، إلا أن العلاقات مع الأردن بدا بها بعض التوتر إلا أنه تم تدارك الأمر بزيارة قام بها رئيس الوزراء المصري للعاصمة الاردنية عمان. وفي مصر مرسي، وجدت وفود حركة حماس طريقها إلى قصر الرئاسة بينما كانت مقابلاتهم أيام مبارك مقصورة على رجال الاستخبارات، ورغم اشتراك الأيدولوجية مع حماس، أكد مرسي بأدائه في الوساطة خلال العملية الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة أنه يصلح لأن يكون وسيطا نزيها. ورغم أن مصر مبارك كانت متهمة بمحاباة إسرائيل، أكد النائب في الكنيست الإسرائيلي وزير الدفاع السابق عمير بيرتس أن انتماء مرسي لجماعة الإخوان المسلمين يصب في صالح إسرائيل، على عكس مبارك، وقال إن العلاقة العدائية بين مبارك والإخوان المسلمين أثرت على علاقاته مع حماس ومن ثم على موقفه كوسيط بين الحركة وإسرائيل، أما بالنسبة لمرسي المنتمي للإخوان، فيري بيرتس أن لديه القدرة على مواجهة حماس بالقول :"لن تجرونا إلى مواجهة". ورغم أن مرسي لم يجتمع بكبار المسؤولين الأمريكيين خلال زيارته للولايات المتحدة للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن العلاقات بين الجانبين بدت قوية من خلال الاتصالات المكثفة التي أجراها مرسي مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال العملية الإسرائيلية في غزة، وكان الدعم الأمريكي لمصر رغم حالة التوتر التي أعقبت الإعلان الدستوري مثار تساؤلات من بعض المعارضين في الولاياتالمتحدة الذي شككوا في مدى حكمة إرسال المزيد من الأسلحة المتطورة لمصر. وفي 12 أغسطس أحال مرسي وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق أول سامي عنان إلى التقاعد وعينهما مستشارين له، وزادت التكهنات بشأن ما دار خلال هذا اليوم، إلا أن طنطاوي وعنان آثرا الصمت حتى اللحظة، ورغم ما أثير عن اتفاق محتمل بين مرسي ووزير الدفاع الجديد عبد الفتاح السيسي، بدا أن هذا ليس إلا من قبيل الخيال الصحفي حيث وصفهما السيسي بأنهما "خير من حمل الأمانة" ردا على تلميحات بحقهما. وبعد أيام من توليه المنصب، بدأت رحلة التوتر بين الرئيس الجديد والقضاء، فقرر مرسي بعد أسبوع من بداية حكمه عودة مجلس الشعب لعقد جلساته رغم حل المحكمة الدستورية له، وبعدها بيومين انعقدت المحكمة الدستورية العليا وأمرت بتنفيذ حكمها السابق ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب. وفي أكتوبر، عادت المواجهة مرت أخرى بين مرسي والقضاء بالإعلان عن تعيين النائب العام السابق عبد المجيد محمود سفيرا لمصر بالفاتيكان، إلا أن محمود رفض التعيين وأكد أنه "باق في منصبه" وهو ما لم يملك الرئيس أمامه إلا إصدار قرار ببقائه في منصبه. وبعد ساعات من إعلان الهدنة بين إسرائيل وقطاع غزة، كلف مرسي نائبه محمود مكي برئاسة وفد مصر في قمة الدول الثماني النامية بالعاصمة الباكستانية إسلام آباد، وتم إرجاع السبب وراء ذلك إلى متابعة اتفاق وقف إطلاق النار، ولكن الحقيقة كانت أن مرسي يتأهب لمواجهة أحمى وطيسا على الساحة الداخلية حيث أقال النائب العام، رغم أن الإعلان الدستوري الذي كان معمولا به ينص على أن القاضي لا يعزل، وعين آخرا وحصن الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور ومجلس الشورى وجميع قراراته من الطعن أو حتى التعرض لها أمام أي جهة قضائية وهو ما أثار غضب القضاة الذين قرروا تعليق العمل بالمحاكم ما أدى إلى حالة من الارتباك. ورغم الإعلان عن أن هدف القرارات هو حماية الشرعية من مؤامرة لم يكشف النقاب عنها شهدت الأيام التالية أعمال عنف متفرقة وقعت خلالها اشتباكات بين المؤيدين والمعارضين سقط فيها قتلى وجرحى ووقعت خلالها هجمات على الكثير من مقار حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين.
ووسط هذه الحالة من الارتباك والانقسام وقبل يومين من موعد يعتقد أن المحكمة الدستورية كانت ستحل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى فيه، انعقدت الجمعية لكتابة دستور مصر الجديد في جلسة استمرت 18 ساعة أقرت فيها جميع بنود الدستور، وسط مقاطعة من معارضي الرئيس. ورغم اعتراف الرئيس بوجود مواد مختلف عليها يمكن الاتفاق عليها لعرضها على مجلس الشعب لتعديلها، فقد قرر مرسي دعوة الناخبين إلى الاستفتاء على مشروع الدستور. وتحت ضغط الشارع، ألغى مرسي الإعلان وأصدر آخر وصفته المعارضة بأنه إعادة صياغة للأول أبقى فيه على الآثار المترتبة عن الأول وهو عزل النائب العام. ورغم تمرير الدستور بموافقة نحو ثلثي الناخبين عليه، إلا أن معارضي مرسي أكدوا على مواصلة الكفاح السلمي لإسقاط الدستور كما أعربوا عن أملهم في تحقيق أغلبية في مجلس النواب المقبل مستفيدين باحتمال تراجع شعبية الرئيس وحزبه بسبب حالة الارتباك التي بدت عليها إدارة أمور البلاد خلال الفترة الأخيرة. وما أن انحسرت موجة السياسة، إلا وأفاق الجميع على الحالة المتردية التي وصل إليها الاقتصاد، فغداة انتهاء الاستفتاء أعلنت وكالة "ستاندرد آند بورز" تخفيض التصنيف الائتماني لمصر، كما تراجع الجنيه بصورة لافتة أمام الدولار. ولم تعد الحكومة قادرة على إخفاء الوضع الحرج للاقتصاد، فأعلنت المجموعة الاقتصادية أن "الوضع المالي والاقتصادي في الوقت الحالي في خطورة عالية، وهناك ضرورة لتطبيق حزمة متكاملة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية واتخاذ إجراءات اقتصادية يشارك في أعبائها الجميع عدا الفقراء". وبينما سعى الرئيس لطمأنه الشعب بالحديث عن نتائج الاقتصاد في الربع الأول من العام المالي، أصدر البنك المركزي بيانا أمس قال فيه إن الاحتياطي تراجع من 36 مليار دولار وقت الثورة إلى نحو 15 مليار دولار في نوفمبر، دون الإشارة إلى حجم الاحتياطي في ديسمبر، ووصف المستوى الحالي من احتياطي النقد الأجنبي بأنه "يمثل الحد الأدنى وأصبح في مرحلة الحرج التي يتعين المحافظة عليها لتلبية الاستخدامات الحتمية .. والتحسب لمواجهة أية تحديات مستقبلية طارئة". ومع إعلان الحكومة أن ضرائب جديدة سيتم تطبيقها بداية من العام الجديد، فإن المصريين غير المسيسين لم يعد أمامهم إلا الدعوة بالستر وانتظار "دوران العجلة" كما وعد الداعون للموافقة على الدستور