رصدت اللجنة الفنية لدراسة مسودة الدستور ب''حزب مصر القوية''، مثالب وعوار بالمسودة النهائية للدستور مؤكدة أنها كانت تنتظر مزيداً من التفصيل والتأكيد على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمصريين، ولكنها وجدت نصوصاً فضفاضة تسمي الحق ولا تلزم الدولة به. وتوقعت أن الدستور سيخرج عقب ثورة يناير بنظام يوازن بين الرئاسة والبرلمان؛ فإذا بها تفاجىء بنظام أقرب للرئاسي في بلد عانت من الرئيس الفرد، كما انتظرت إخضاعاً لمؤسسات الدولة للسلطات المنتخبة بشكل متوازن بين الرئاسة والبرلمان؛ فإذا بها أمام مؤسسة تعلو على كل سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ظناً منها أيضا تضمن المسودة على الوحدة تشريعية؛ فإذا بها خرجت بازدواج تشريعي غير مبرر. ورأت اللجنة أن مسودة الدستور شابها ما يلي: وصاية عسكرية واضحة لا لبس فيها على سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية المواد '' 09أ ''ساوت هذه المسودة بين الرئيس ومرؤوسيه العسكريين داخل مجلس الدفاع الوطني عند النظر فيما يخص وسائل تأمين البلاد وسلامتها بما يجعل هذا المجلس تنفيذياً ''لا استشارياً، شديد الشبه بمجلس الأمن القومي التركي الذي انقض على الحياة الديمقراطية في تركيا أكثر من مرة، وقبض بل وأعدم رؤساء وزارات ووزراء؛ مما جعل تركيا بلدا متخلفا اقتصاديا وسياسيا طوال عقود طويلة، وفرض و يزير الدفاع من بين ضباط القوا ت المسلحة رغم أنه منصب سياسي وليس عسك ير اً. وإ عطاء حق ''أخذ الرأي'' في التشريعات الخاصة بالقوات المسلحة لما يسمى بمجلس الدفاع الوطني؛ بما يفرغ وحدة التشريع من محتواها، مع الأخذ في الاعتبار لما تعنيه استشارة جهة تحمل السلاح في أمر قد تعترض عليه!، و التضارب بين مجلس أمن قومي مطلوب منه أن يتخذ ''إجراءات لازمة للتصدي للأخطار الداخلية والخارجية''، ومجلس دفاع وطني ''يختص بالنظر في وسائل تأمين البلاد وسلامتها''؛ مع الأخذ في الاعتبار أن من يحمل السلاح هو الأقدر على اتخاذ الإجراءات.
ورأت اللجنة دسترة القضاء العسكري، ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكيرة بالمادة 98 التي أعطت هذه المسودة حصانة لما يسمى بالقضاء العسكري؛ رغم أن قضاته مرؤسين مباشرة من قادتهم العسكريين الذي يعينونهم، ولا يملكون أن يعصوا لهم أمراً بحكم الترتيب العسكري الطبيعي، في ذات الوقت سمحت بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية وفق سبب فضفاض يسمى ''الضرر بالقوات المسلحة''، ويترك تحديد مدى هذا الضرر أو تعيينه لما يسمى بالقضاء العسكري نفسه.
وكذا إطلاق صفة القضاء وإعطاء التحصين لما يسمى بالقضاء العسكري في ظل سماح بالتنصت على الأفراد والبيوت بإذن قضائي يعني السماح لمؤسسة من مؤسسات الدولة الخاضعة لها حق التجسس على المواطنين بسبب أمر إداري صادر من قائد عسكري، أو بسبب سياسي صادر من رئيس سياسي يريد أن ينكل بمعارضيه!
ورأت اللجنة أن سلطات كبيرة للرئيس تجعل النظام أقرب للرئاسي، وما زالت المسودة تعطي الحق للرئيس في تشكيل الحكومة في المرة الأولى دون قيد بالأغلبية أو الأكثرية البرلمانية؛ مما يعطل العمل الحكومي في حالة الاختلاف بين الرئيس والبرلمان! وفقا للمادة 139 تعطي الرئيس الحق في حل البرلمان دون قيد بالمادة 27، كما أن لرئيس هو من يضع السياسة العامة للدولة وفقا للمادة المادة 43، والرئيس هو من يعين الموظفين المدنيين، والعسكريين بالمادة 047 وتولى رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة الوزراء بما يجعلهم أقرب لسكرتارية للرئيس المادة 40 كما يتولى الرئيس رئاسة المجلس الأعلى للشرطة بما يجعل الأمن الداخلي تابعا للرئيس لا للحكومة وفقا للمادة 099 . - عناوين فضفاضة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: الدولة غير ملتزمة بأي التزامات نحو الرعاية الصحية لكل المواطنين؛ بل تترك الأمر في النهاية لتحديد من هم غير القادرين المادة 62، تجاهل التزام الدولة نحو توافر مسكن وملبس وغذاء لكل مواطن، وجعلها في صورة حقوق مكفولة دون تحديد التزام على الدولة المادة 67، وعدم التزام الدولة بحقوق ذوي الإعاقة المتعارف عليها عالميا من ناحية العمل وكود الإتاحة والرعاية المالية والاجتماعية، وقصرها على نص مطاط لا يقدم أي التزامات - المادة 72 .
والحديث عن أولوية رعاية للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة لا يحمل أي التزام من الدولة بالمادة 3، وعدم الالتزام بتوافر حد أدنى للدخل لكل المصريين و الإصرار على وجود غرفة تشريعية ثانية بالمواد 82 والإصرار على وجود مجلس شورى منتخب بنفس طريقة انتخاب مجلس النواب؛ بما يعد إزدواجا للسلطة التشريعية دون مبرر، والإبقاء على مجلس الشورى الحالي أكثر من عام بعد إقرار الدستور رغم الطعن في شرعيته قضائياً، ورغم أنه منتخب على غير سلطة تشريعية، ورغم أن مجلس الشورى منتخب من حوالي 12 % فقط من الشعب المصري. وجود مجلس شورى منفرداً في السلطة التشريعية لحين انتخاب مجلس النواب حوالي 3 يجعله صاحب السلطة في إصدار كثير من التشريعات المطلوبة بعد إقرار الدستور في ظل وجود نصوص مطاطة خاصة ببعض مواد الحريات''مثل تنظيم عملية التعدد النقابي بما يفرض رؤية واحدة على تلك القوانين قبل أن تظهر الإرادة الشعبية بعد المتغيرات السياسية التي حدثت طوال الفترة الماضية.
عدم النص على منع الحبس بسبب الفكر أو الرأي:
تم الإلغاء المفاجئ لمادة منع الحبس بسبب طرح الرأي أو الفكر، وهو ما يسري على الصحفيين وكل المواطنين بالمادة 45، ورغم إعطاء حق إصدار الصحف بالإخطار؛ إلا أن المسودة تحدثت عن نصوص مطاطة لما يجب على الصحافة أن تقوم به؛ مما قد يؤدي لغلق الصحف التي لا تقوم بهذا الدور المطلوب منها مثل التعارض مع مقتضيات الأمن القومي، أو مع المبادئ الأساسية للدولة بالمادة 48، وهذه النقاط تمثل لدينا نقاط فاصلة نراها سببا منطقيا لرفض مسودة الدستور بشكلها الحالي، إلا أنها ليست ملاحظاتنا الوحيدة، بل كانت هناك نقاط أخرى، منها ما يتعلق بالإدارة المحلية وربط موازنتها بعطف الحكومة ورضاها، ومنها ما يتعلق بتعريض الأزهر للتجاذبات السياسية، ومنها ما يتعلق بالحريات النقابية المهددة من الحكومة، ومنها ما يتعلق بربط محاكمة الوزراء بموافقة ثلثي البرلمان، ومنها ما يتعلق بضبابية الشكل الاقتصادي للدولة وانحيازاته، ومنها ما يتعلق بحق الجنسية، ومنها ما يتعلق بالمصطلحات غير المعرفة مثل الأمن القومي والتقاليد الأصيلة، ومنها ما يتعلق بالتزام المجتمع بترسيخ القيم بما قد يحمل مخاطر على قيام هيئات مجتمعية بمهام السلطة التنفيذية أو القضائية.