سنوات من التمييز العنصري عانت منه الولاياتالمتحدةالأمريكية، قلائل هم من وقفوا بوجه هذا التمييز القبيح رافضين أن تتم معاملتهم ''كأنصاف بشر''، لم تلم هذه الفتاة السمراء أن بموقفها هذا ستغير التاريخ الامريكي كله، وسيأتي بعد نصف قرن أحد أحفادها ذوي البشرة السمراء ليصبح ''رئيسا للولايات المتحدة'' أقوى دولة على الكرة الأرضية. هي ''روزا لويس باركس''، التي احتفلت جمعيات حقوق الإنسان ومناهضة التمييز، منذ أيام قليلة، بموقفها الأشهر في تاريخ كفاح الزنوج لنيل حقوقهم ووقف قوانين التمييز العنصري بينهم وبين ذوي البشرة البيضاء. ''روزا'' المولودة في 1913 لأبوين من أصل أفريقي، تعلمت في إرساليات ''مدارس كنسية'' أفريقية، واحترفت مهنة ''الخياطة''، وعاشت لترى مظاهر التمييز خاصة في الولايات الجنوبية التي تعج بالزنوج، ومعاناتهم من قوانين ''جيم كرو'' المحددة للتعامل بين البيض والسود. صناعة التاريخ بدأت وهي في عمر ''42 عاما''؛ ففي الأول من ديسمبر 1955، بينما هي عائدة لمنزلها ب''مونتجومري'' ومستقلة لحافلة النقل، كان لزاما على ''الأسمر'' أن يتخلى عن مقعده للأبيض، إلا أنها رفضت القيام وأعلنت تمردها على القوانين التي تفرض على السود التنازل عن مقاعدهم للبيض، جحظت عيون الحافلة وتوقفت في غير مكان وقوفها وجاء السائق ليذكر الراكبة المشاكسة بنصوص القانون ''جيم كرو''، فردت عليهم: ''انني متعبة جدا.. تعبت من التنازل عن مكاني لأناس لا يستحقون وليس لديهم أي تبرير لذلك التنازل، ولن أتنازل مرة أخرى لأياً كان.. افعلوا ما تشاؤون''، وانتهى الأمر بالقبض عليها و تغريمها 14 دولار. وكان ما قامت به هذه السيدة الشجاعة شرارة أوقدت ثورة وأدت إلى إضراب شامل قام به المواطنين السود، ولمدة 381 يوم قاطع الجميع الحافلات الأمر الذى سبب مشاكل مالية لعدد من شركات النقل، وفي العام 1956 أصدرت المحكمة العليا حكما بعدم شرعية التفرقة العنصرية . فقدت السيدة ''روز'' وظيفتها كعقاب على هذه الأحداث، وكانت تتلقى هي وزوجها (رايموند باركس - ناشط في حقوق الانسان ) تهديدات متكررة بالقتل، مما اضطرها إلى ترك مسقط رأسها والانتقال إلى مدينة ''ميتشيغان'' بولاية ''ديترويت'' لتعمل كمساعدة في مكتب عضو ديمقراطي بالكونجرس. ساعدها القس ''مارتن لوثر كينج''، والذي حصل لاحقا على جائزة ''نوبل للسلام'' في مجال الحقوق المدنية، وقدما معا سجلا ناصع البياض في تاريخ ''السود'' الأمريكان، وتوج كفاحهم بحصول السود على حقوق المواطنة كاملة . وتمر الأيام ليأتي الأحفاد السود على رأس المناصب السيادية الأمريكية، فنرى ''كولين باول'' أول وزير خارجية أمريكي من أصول زنجية، ويكون ''باراك أوباما'' أول رئيس أمريكي من ذوي البشرة السمراء، والذي حرص على زيارة متحف ''هنري فورد'' واستقلال العربة التي شهدت واقعة ''روزا باركس'' و التقطت له صورة بداخلها في نفس مقعدها التي رفضت النهوض عنه. حصلت ''روزا باركس'' على الوسام الرئاسي للحرية عام 1996، والوسام الذهبي للكونجرس وهو أعلى تكريم مدني في البلاد عام 1999، وتوفيت بسلام أثناء نومها عن عمر 92 عاما في 24 أكتوبر 2005 في منزلها بمدينة ديترويت بولاية ميشيغان.