في الأول من ديسمبر عام 1955 وقفت سيدة سمراء في الأربعين من عمرها تدعي (روزا باركس) تعمل كخياطة في مدينة مونتجمري بولاية ألاباما الامريكية تنتظر حافلة عامة كي تقلها إلي منزلها. جاءت الحافلة في موعدها وصعدت (روزا) وجلست في الصفوف الأولي من الحافلة إلي أن جاءت المحطة التالية، وبهدوء اتجه رجل ابيض إلي حيث تجلس (روزا) منتظرا أن تفسح له مقعدها، ذلك لأن القوانين الأمريكية آنذاك التي كانت تعرف بقوانين «جيم كرو» كانت تمنع جلوس السود وسيدهم الأبيض واقف في الحافلات العامة. لكن روزا باركس رفضت أن تعطي مقعدها للرجل الأبيض في ذلك اليوم وهو ما أثار غيظ الركاب، فما كان من سائق الحافلة أمام هذا الخرق الواضح للقانون إلا أن يتجه إلي قسم الشرطة كي تحقق مع تلك المرأة السوداء. وفي القسم تم التحقيق مع (روزا) وتغريمها 15 دولاراً نظير تعديها علي القانون. كان هذا الموقف هو بمثابت شرارة الغضب داخل المجتمع الأسود، فقرروا مقاطعة وسائل المواصلات العامة، والمطالبة بحقوقهم كبشر لهم حق الحياة والمعاملة الكريمة. استمرت حالة الغليان والمقاطعة لمدة 381 يوما، إلي أن خرجت المحكمة بحكمها التاريخي بإلغاء قوانين «جيم كرو» العنصرية. الجميل أن بعد 50 عاما وفي 24 أكتوبر من عام 2005 احتشد الآلاف من المشيعين للمشاركة في جنازة (روزا باركس) رائدة الحقوق المدنية الامريكية التي توفيت عن عمر يناهز 92 عاما وفي حضور رؤساء عدة دول تم تنكيس العلم الأمريكي ورقد جثمان (روزا) بأحد مباني الكونجرس منذ وفاتها حتي دفنها وهو إجراء تكريمي لا يحظي به سوي الرؤساء والوجوه البارزة. ولم يحظ بهذا الإجراء سوي 30 شخصاً فقط منذ عام 1852، ولم يكن منهم امرأة واحدة. اليوم في مصر نجد مناضلات أمثال الفتاة التي تعرضت للسحل والضرب والتجريد من ملابسها في أحداث مجلس الوزراء المعروفة اليوم بلقب (ست البنات)، وأمثال الناشطة والصحفية نوارة نجم، وأمثال الدكتورة غادة كمال وهي الفتاة التي تعرضت للضرب أيضا بميدان التحرير، وأمثال سميرة إبراهيم صاحبة قضية كشف العذرية، وأمثال الكثير من أمهات وسيدات وبنات مصر اللاتي فعلن ويفعلن أكثر مما فعلته روزا باركس من أجل بلادهن ومن أجل حقوقهن. لكن عزائي الوحيد لهن هو أن يأتي اليوم الذي سيترك لكن التاريخ صفحاته تكريما للدور المهم الذي تقمن به من أجل استمرار هذه الثورة وإلي أن يأتي هذا اليوم سيظل نضالكم محفوراً في قلوبنا.