عربة خشبية صغيرة، ما بين غيرها الكثير اصطف على جانبي الطريق، البضاعة واحدة والأشخاص مختلفة ما بين البائع والمشتري، ومن بين الأول وقفت بجوار تلك العربة التي يتدلى منها قطع لحم، وأمامها "طبق" بلاستيكي امتلأ بأمعاء "ماشية" متروكة في المياه "ممبار". "دهب" هو اسمها؛ فتاة عشرينية سمراء اللون من أصغر البائعين ب"المدبح" أو من "جيل الشباب" كما يطلق كبار "المدبح" عليهم، منذ سن الخامسة تصحب أمها إلى المدبح لبيع "السقط" كما يطلق عليه، وهو باقي ما في الخروف أو "العجول" بخلاف اللحم من "طحال، وكبد، وأمعاء" وغيرها؛ فاللحم الخالص لا وجود له على عربة "دهب" التي ورثتها عن أمها بعد وفاتها، نظراً لمحدودية إمكانياتها كحال المشتريين منها . تخرج "دهب" طوال 7 أيام قبل العيد، الذي بالنسبة لها "موسم"، في الساعة الثامنة صباحاً من منطقة "أبو الريش"؛ حيث تسكن بالقرب من "المدبح" حاملةً " الشغل" كما تطلق عليه، تقف في مكانها المعروف كل عام؛ حيث تقابل البائعين غيرها ممن تراهم بالمدبح كل عام، فلا فرصة لرؤيتهم إلا هنا، لتنتهي في التاسعة مساءاً كل يوم من أيام العيد التي "بتبقى صعبة عشان الشغل كتير فيها". وعلى الرغم من غلاء الأسعار هذا العام عن الماضي، إلا أن "دهب" وجدت في تواجد الزبائن عزاء عن ذلك "الأسعار غالية عن السنة اللي فاتت بس الزباين بتيجي زي كل سنة الناس كتير". ما تبيعه " دهب" يعتبر في متناول المواطن البسيط الذي ينتظر العيد لتناول اللحمة أو أي شيء منها؛ حيث يمكنك أن تجد الأمعاء لديها " الممبار" ب25 جنيه للكيلو، والطحال بالسعر ذاته بل يمكنك شرائه ب15 جنيه إذا أردت، فما لدى "دهب" هو سبيل "الغلابة" في العيد كما يعتبره الكثير بالمدبح". " بحبها عشان بتجيب لي فلوس لكنها بهدلة على فكرة ".. بصوت يملأه الحزن ستخبرك عن حالها مع المهنة "الموسمية" التي تلجأ إليها للإنفاق على أخواتها الخمس بنات، والولد ابن الخمس سنين الجالس بجوارها، والذي تسعى لإدخاله المدرسة بمجرد أن يتم عامه السادس . لا تعرف "دهب" مهنة أخرى لها ليس فقط لأنها لا تملك مؤهل تعليمي، فهى لم تدخل المدرسة بل أيضاً لأن "في الأيام العادية ببقى نفسي اشتغل حاجة تانية لكن بعد الثورة مفيش أمان" . وعلى الرغم من مشقة "الشغلانة" طوال أيام العيد لكنها تجدها "بتكسب حلو معقول"، وإن كان المكسب لا يمكن حسابه إلا مع آخر يوم والذي في الغالب ما بين 400 - 600 جنيه. وتشاء الأقدار أن تتعلق حياة "دهب" بالمدبح؛ فلا تتركه، فهى لا تنتظر هذا العيد فقط لكسب "العيش" بل أيضاً لإتمام زواجها من "بياع الكوارع الجملي" بالمدبح أيضاً.