تعبر الاتفاقيات والمجموعات الاقتصادية الدولية عن مدى استخدام هذه الدول لقوتها الناعمة في تحقيق مصالحها حتى مع أكثر الدول التي تواجه مشاكل سياسة فيما بينها أو تناحر على الحدود، فنجد العديد من دول العالم يضع الموضوعات الخلافية جانباً ويتجهوا الى تعزيز مسائل التعاون بينهما من خلال الدخول في مجموعات اقتصادية أو اتفاقيات بين الدولتين. وأصبحت هذه الاتفاقيات تستخدم كمفتاح لكسر الجمود الواقع بين الدول المتناحرة، وتسغل الدول التفوق الاقتصادي الذي تستطيع أن تحقققه في بسط نفوذها السياسي. تحاول مصر بعد ثورة 25 يناير، أن تبحث عن بسط وضعها الاقليمي والدولي، من خلال إعادة ترتيب أولويات سياستها الخارجية، بما يعيد التوازن في علاقاتها التي كانت سائدة على صعيد كثير من القضايا والملفات، وفي مقدمتها العلاقات المصرية – الافريقية، التي أتاح غياب مصر عنها لقوى أخرى فرصة التسلل إليها، وتهديد مصالحها بها، فهل تستطيع مصر أن تستفيد من تجارب هذه الدول في استخدام قوتها الناعمة لتحقيق أكبر مكسب مع أكثر الدول اختلافاً والرجوع الى وضعها السياسي الطبيعي وأن يكون لها التأثير السياسي في التمدد الإقليمي الطبيعي؟. اعتبر خبراء الاقتصاد أن قوة مصر السياسية وقدرتها على توجية الاوضاع على المستوى الاقليمي، مرهون بمدي قدرة مصر بعد الثورة في تحقيق قدر أكبر من النجاح الاقتصادي والاستفادة من المجموعات الددولية التي أصبح الكثير منها في الفترة الأخيرة يأخذ الشكل الاقتصادي والاتفاقيات التجارية التي تعتبر منفذ لها على الأسواق العالمية. ويبرز النموذج الصيني في تكوين علاقات وتحالفات اقتصادية مع أبز منافسيها من أجل إثبات تواجدها على الخريطة الاقتصادية، واستغلال النجاحات التجارية واستثمارتها الداخلية والخارجية في بسط نفوذها، وهذا ما استطاعت فعله خلال الفترة الأخير، لتشكل الصين ثاني أكبر اقتصاد فى العالم، مع توقعات أن تتصدر دول العالم وتحتل مكانة الولاياتالمتحدةالأمريكية . الصين.. والهند فعلى الرغم من الصراع السياسي والعسكري الذي دام أكثر من نصف قرن بين الصين والهند، بالإضافة إلى نزاعات بين البلدين حول الحدود لأراضي تمتد لآلاف الكيلو مترات، فقد استخدمت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين كمفتاح لحل الجمود بسبب مشكلات تمتد لقرون بين البلدين من جانب، ومن جانب آخر تستخدمها الصين من أجل تعزيز تواجدها القتصادي في آسيا خاصة وقيادتها للاقتصاد العالمي. فالصين والهند هما أكثر الدول المؤثرة في مجموعة الدول النامية البركس ''البركس'' والتي تتكون من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. وقال وزير التجارة الهندي أناند شارما في تصريحات صحفية يوم الثلاثاء الماضي، أن بلاده والصين توصلا لاتفاق بشأن خطة لمدة خمس سنوات لأجل التعاون الاقتصادي فضلا عن إنشاء مجموعة عمل مشتركة (فريق العمل المشترك) لمناقشة جميع القضايا المتصلة بالتجارة بينهما. وصرح وزير التجارة الصيني أن الاستثمارات الصينية الحالية في الهند تصل قيمتها إلى نحو 580 مليون دولار، مشددا على القول ان هناك إمكانية لزيادة الاستثمارات. وتحدث الوزيرالصيني تشن عن المبادرات الجارية والتي تهدف إلى تكثيف الاستثمارات بحيث ''يمكن للشركات الصينية اقامة المناطق مناطق اقتصادية خاصة واخرى صناعية في الهند''. أمريكا.. والصين ومن جهة أخرى، على الرغم من التنافس الشديد والاختلافات بين الصين وأمريكا نجد استخدمت العلاقات الاقتصادية بين الجانبين لتعزيز التواصل لتأكيد وتشجيع الدعم السياسي وزيادة القوة التفاوضية، حيث وصل حجم التبادل التجارى بين الصين والولاياتالمتحدة في الفترة من يناير الى نوفمبر عام 2010 حوالى 346.89 مليار دولار أمريكي، بزيادة أكثر من 30 % عن الفترة المناظرة لعام 2009، فيما قدرت واردات الصين من الولاياتالمتحدة ب 89.79 مليار دولار أمريكي، بزيادة 32.2 في المئة عن نفس الفترة فى عام 2009. وخلال هذه الفترة، حافظت الصين على مكانتها كقوة جاذبة للشركات الأمريكية، وبلغت الاستثمارات الأمريكية فى الصين 2419 مليون دولار أمريكي، بزيادة 18.75% عن نفس الفترة من العام السابق، وبلغ عدد المشروعات الاستثمارية باموال امريكية بنهاية أكتوبر الماضي 59 الف مشروع، باجمالى 64.625 مليار دولار أمريكي. وعلى الرغم من كل ذلك نجد نائب رئيس الوزراء الصيني ''فان تسيشان'' صرح خلال جلسة لجنة التجارة الصينية الأمريكية في 2011 الاقتصاد الصيني الجبار أفضل، حتى ولو كان يزعج الولاياتالمتحدة، من تباطؤ وتائر تطوره. والخروج غير المتزن من الأزمة أفضل من الركود المتزن، وقد اتهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما مرة أخرى الصين بتخفيض سعر اليوان اصطناعيا في معرض إجماله نتائج قمة دول شرق آسيا المنعقدة في بالي، وأكد أن هذا العامل بالذات يؤدي إلى الإخلال بالميزان التجاري الثنائي، مما يعود بالمنفعة على الصين وحدها ويسبب خسارة كبيرة للولايات المتحدة. مع أن العلاقات التجارية القائمة بين الولاياتالمتحدة والصين لا يمكن اعتبارها مثالية إلا أن كلا البلدين لا يريدان تدهورها لكونهما يعرفان أن عدم الاستقرار في واحد منهما سوف يؤثر على أوضاع الآخر. وواضح أن الحرب التجارية بينهما لا فائدة لها. تركيا ونجد تركيا في عهد رجب طيب أردوغان اتجهت إلى تصفير النزاعات الاقليمية حتى مع أشد المختلفين معها وفتح علاقات اقتصادية لدعم التعاون بيهما، ولم يكن لتركيا أى ظهور في التأثير على الخريطة الاقتصادية الا بعد تحقيق نجاحات اقتصادية على الرغم من رفض الاتحاد الأوروبي اضمام تركيا للاتحاد. وتصنف تركيا ضمن الأسواق الناشئة التي تتميز اقتصاد ديناميكي ومتنوع وزيادة عدد سكنها وارتفاع نسبة الشباب فيها، ونجحت تركيا بتخفيض نسبة البطالة إلى 9,1% وهي دون المتوسط لدول الاتحاد الأوروبي، النتائج التي حصلت عليها تركيا نتيجة نموها الاقتصادي وتقليصها عدد العاطلين عن العمل رفع من قيمتها لتتخذ مكانتها ضمن أفضل الدول الأوروبية. وأصبحت تركيا إحدى الدول العالمية القليلة التي تقوم بتسجيل ''الماركات''، وتعتبر ظاهرة تسجيل الماركات من أكثر ظواهر التقدم في العالم وتدل على قوة الاقتصاد، فقد تم تسجيل 85 الف ماركة سنويًا في سنة 2010 بينما كانت تسجل 29 – 105 ماركة قبل عشرة سنوات. وانتقل الاقتصاد التركي من حافة الانهيار سنة 2001 إلى أن أصبح الاقتصاد رقم 16 على مستوى العالم سنة 2011، فمثلا قد حقق قطاع الصناعة في تركيا تطورا هائلا خلال السنوات الماضية لتصبح الآن ضمن أكبر 20 دولة في الانتاج الصناعي، والخامسة عالميا في صناعة المنسوجات، كما أن صناعة السيارات تحتل المرتبة الثانية في قائمة الصادرات التركية، وهي الآن من أكبر الاقتصاديات الموجودة في إقليمها. وأكدت الدكتورة عالية المهدي أستاذ الاقتصاد والعميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أن الدول التى لها تأثير واح على الوضع السياسي العالمي وتوجيه مثل دولة الصين لم يظهر إلا بقوتها الاقتصادية. وأعتبرت أن مصر حتى وإن تحركت بشكل مكثف خلال هذه الأيام سياسياً مع وضوح الاتجاة السياسي لن يؤثر على الوضع الاقليمي والعالمي إلا بقوتها الاقتصادية. ووقعت مصر على اتفاقية متعددة الأطراف مع الاتحاد الاوروبي والتجارة العربية المشتركة والكوميسيا، كذلك انضمت رسميا كعضو مشارك في لجنة الاستثمار التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، (OECD) لتصبح مصر بذلك أول دولة عربية وأول دولة إفريقية توقع علي إعلان الاستثمار التابع للمنظمة. وتتبع: '' من سينظر إلى مصر في تحراكتها ومواقفها السياسية وهى ضعيفة اقتصادياً''. وأوضحت أن مصر تمتلك العديد من الاتفاقيات التجارية، وأيضاً عضو في مجموعات اقنصادية منذ العهد البائد في مصلحة مصر، ولكنها لم تكن مستغلة بالشكل الأمثل. كما أشارت أن النجاح في النفاذ إلى الأسواق العالمية سواء كانت تلك التى تتضمن الاتفاقيات والمحموعات الاقتصادية لن يكون إلا بجودة المنتج المصري، مؤكدة على أن المنتجات التي تصدرها مصر إلى العديد من الدول تعاني من الردائة ممايؤثر على منافسة المنتج المصدر ونفاذ مصر إلى تلك الأسواق. كما تعد مصر عضو في مجموعة دول الثماني الإسلامية والتى تضم ''بنجلاديش، مصر، اندونيسيا، إيران، ماليزيا، نيجيريا، باكستان، تركيا''، وأيضاً عضو في مجموعة ال 15 التى كونت المجموعة في بدايتها من 15 دولة من دول عدم الانحياز. وكانت الدول المؤسسة هي: مصر والسنغال والجزائر وزيمبابوي ونيجيريا ممثلة للقارة الإفريقية، والهند وماليزيا واندونيسيا ممثلة لقارة آسيا، وبيرو وجامايكا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين وفنزويلا ممثلة لأمريكا اللاتينية، ويوغوسلافيا عن قارة أوروبا، ثم انضمت شيلي ، و كينيا، ثم تلتها سيريلانكا . واتفاقية إقامة منطقة التبادل التجاري الحر بين الدول العربية المتوسطية (اتفاقية أغادير) التي تم التوقيع عليها بالرباط كل من ''الأردن ومصر وتونس والمغرب''.