ماذا تعني كل هذه الاتفاقيات الخاصة بالتجارة الحرة التي توقعها الدول من حولنا، وماذا تعني هذه الاتفاقيات بصفة خاصة فيما يتعلق بمستقبل التعاون الاقتصادي العربي أو منطقة التجارة العربية الحرة التي جري تدشينها مع بداية العام؟ مناسبة السؤال شروع دول الخليج في مفاوضات انشاء منطقة تجارة حرة مع الصين بعد أن قطعت شوطا مهما في هذا الاتجاه مع دول الاتحاد الأوروبي، وعلي التوازي نجحت دول خليجية في إبرام اتفاقيات ثنائية للتجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة وبقية دول الخليج علي الطريق. من جانب آخر تنشط الصين في افريقيا علي نطاق واسع وتدخل القارة السمراء باستثمارات كبيرة نسبيا تتضمن انشاء مشروعات انتاجية في دول تربطنا بها اتفاقيات تجارية تسمح بادخال السلع بدون جمارك. دول المغرب العربي هي الأخري وقعت بالفعل اتفاقيات مشاركة مع أوروبا، والمغرب والاردن أتما مفاوضات التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة. والمتوقع ان كل هذه الاتفاقيات سوف تتمخض عنها تسهيلات تجارية واستثمارية ضخمة لابد وأن تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر علي تجارتنا مع هذه الدول خاصة أن الهدف المعلن من الحكومة هو زيادة التعاون الاقتصادي والتجاري مع المنطقة العربية وافريقيا جهة تنشيط الصادرات أهم الأهداف الاقتصادية في هذه المرحلة الصعبة جنبا بجنب مع زيادة حجم الاستثمارات الاجنبية. الاتفاقيات التجارية من حولنا كلها بالغة التأثير في علاقتنا بهذه الدول غير ان اكثرها تأثيرا بلا شك هي الاتفاقيات التي طرفها الثاني الصين بما هو معروف عن بضائعها برخص الأسعار.. الصين الصداع المزمن في رأس الأسواق العالمية هذه الأيام ولفترة طويلة قادمة قفزت الآن الي المرتبة الرابعة في حجم الواردات التي تصل منها إلي مصر متجاوزة المليار دولار سنويا وهذا الرقم مرشح للتصاعد بقوة في ضوء انخفاض الدخول وارتفاع سعر اليورو وغيرها من الأمور المعروفة ومع ذلك فإن وصول النفوذ الصيني الي الدول المجاورة من شأنه زيادة فرص منتجاتها للوصول إلي الأسواق المصرية كونها سوف تصبح بموجب هذه الاتفاقيات سلعاً عربية أو افريقية المنشأ تتمتع بالاعفاءات الواردة ضمن اتفاقيات التجارة الحرة التي تربطنا بالدول العربية وكثير من الدول الافريقية مثل الكوميسا والنيباد ويصدق هذا الوضع بدرجة اقل علي الانتاج المشترك في هذه الدول مع الشركات الأمريكية والأوروبية التي تضخ استثمارات هناك بموجب هذه الاتفاقيات. القضية مهمة وتأثيرها إن كان محدودا الآن إلا أن المتوقع أن نجد انفسنا في غضون سنوات قليلة امام فيض من الانتاج الصيني والغربي الذي يحمل شهادات منشأ عربية وافريقية يغزو البلاد متمتعا بتسهيلات جمركية لا يستحقها. وإذا شئنا الصراحة فإن الخطط الان توضح أن دول الخليج بما تملكه من مرافق اساسية متقدمة ومناخ متطور للأعمال تطمع في أن تصبح مخزنا اقليميا للبضائع بصفة عامة والصينية بصفة خاصة، والصين من جهتها ولأسباب اقتصادية تبحث عن منافذ اقليمية لتسويق بضاعتها في الشرق الأوسط وافريقيا وغرب آسيا وجنوب أوروبا وهكذا تلاقت المصالح بين الجانبين وراحا يسعيان لإبرام اتفاقية منظورة للتجارة الحرة بينهما لتوفير المناخ من أجل تحقيق هذا الهدف المشترك. وقد كان مأمولا أن تلعب المنطقة الاقتصادية الخاصة في شمال غرب خليج السويس دورا في جذب الاستثمارات من الخارج وإقناع الشركات الصينية بصفة خاصة أن تكون هذه المنطقة موطنا لها للعمل والانتاج وتصدير بضائعها الي دول الجوار غير ان الفترة المنقضية علي انشاء هذه المنطقة لم تشهد تحركا في هذا الاتجاه رغم النيات الطيبة لدي الجميع حيث غرقت المنطقة كما هو معروف في سيل من المعوقات البيروقراطية أبطأت من جهود استكمال مرافقها رغم ان علي رأسها شخصاً كفئاً وقيادة حققت نجاحات كبيرة في قطاع البترول لسنوات طويلة. والحاصل انه في عالم اليوم لا أحد ينتظر احدا وبرغم الاهتمام الصيني بمنطقة خليج السويس الا أن المصالح اقتضت توجهها نحو دول الخليج لنشر مخازن بضائعها هناك وتصديرها الي دول المنطقة وبينها مصر. ومع بدء تطبيق منطقة التجارة العربية الحرة هذا العام يأمل العرب في رفع حجم التجارة البينية بينهم من 20 مليار دولار حاليا الي 25 مليار دولار ولا شك ان الصين ودولاً أخري تسعي الي ادخال بضائعهم ضمن هذه التجارة العربية البينية بشهادات منشأ غير نزيهة في افضل الأوصاف وهذا ما يتعين التنبه اليه. في تقرير دولي صدر قبل سنوات قيل ان مصر أكبر دولة في العالم وقعت اتفاقيات وبروتوكولات اقتصادية غير ان العبرة ليست بكثرة البروتوكولات ولكن بحجم تأثيرها ولا شك أن اتفاقية صينية خليجية للتجارة الحرة سوف تكون أعظم وأكثر تأثيرا علي الاقتصاد المصري من كل الاتفاقيات التي يتم توقيعها بصورة دورية ربما مع دول ليس بيننا وبينها علاقات تجارية ذات بال!!