على الساحل الشرقي لأستراليا، ثمة حياة أشبه بما نشاهده في الأفلام. هل تتذكر فيلم الرسوم المتحركة الكوميدي ''فايندينج نيمو'' (البحث عن نيمو) إنتاج عام 2003 ، والذي تلعب بطولته سمكة من نوع يعرف باسم ''أسماك المهرج'' تعيش في المياه الضحلة حول الحاجز المرجاني العظيم وتسبح باتجاه الجنوب إلى أعماق المياه الباردة عند ميناء سيدني؟. يبدو أن التغير المناخي قد حول الفيلم الكارتوني إلى آخر وثائقي عن الطبيعة. فمنذ زمن ليس ببعيد، أودت المياه الباردة بحياة سمكة حقيقية من أسماك المهرج. يقول عالم الأحياء البحرية ألاستير هوبداي: ''هناك أسماك مثل نيمو تقوم بعملية الإشتاء في ميناء سيدني عندما ترتفع درجة حرارة المياه. لم يكن هذا ليحدث قبل 20 عاما''. وقد ساعد هوبداي ، المسؤول بمنظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية ، في اعداد ''التقرير البحري 2012'' ، وهو تقرير تموله الحكومة لتقييم التغيرات المناخية بالمحيطات في أستراليا يشارك في إعداده 80 من علماء الحياة البحرية في البلاد. هذا الحدث الذي قد يكون موضع ترحيب لهواة ''الغوص السطحي'' في سيدني إنما يمثل تطورا مثيرا لقلق علماء الحياة البحرية. فالطقس الأكثر دفئا الذي يدفع الأسماك الاستوائية أسفل الساحل الشرقي الأسترالي باتجاه جزيرة تسمانيا يشكل ضربة للأحياء البحرية التي تعيش في المياه الباردة مثل سرطان البحر الصخري وأذن البحر. ذلك أن أعشاب البحر التي اعتادت تلك الأسماك على أن تحتكرها لنفسها باتت اليوم مرتعا لقنافذ البحر وغيرها من الأحياء البحرية الأخرى القادمة من الشمال. يقول هوبداي: ''في بيئة عشب البحر السليمة ، تجد 200 نوع (من الأحياء البحرية)..عندما ينتقل إليها قنفذ البحر فإنه يقلل من التنوع بشكل كبير. فهناك الآن نحو 50 نوعا مختلفا''. لا نغفل أن معدل الاحترار على الساحل الشرقي أسرع من المتوسط العالمي، إذ أنه يمثل احدى 20 بقعة ساخنة في العالم. ويتوقع أن يتراوح متوسط معدل ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية في القرن الحالي بين درجتين وأربع درجات مئوية. يمكن القول أن ما يحدث هو ''إضفاء للصبغة الاستوائية''، فالأسماك الاستوائية تنخرط مع تلك التي تعيش في المياه الباردة. غير أن ذلك له من المنافع مثل الأضرار. ذلك أن أنواعا جديدة من الشعاب المرجانية بدأت تظهر في ميناء سيدني. كما أن الأنواع الساحلية مثل السردين ستزداد نظرا لأن زيادة قوة حركة التقلبات للمياه الباردة الغنية بالمواد المغذية ستوفر لها المزيد من إمداداتها الغذائية. ومن ثم ، فإن وتيرة التغير هي مصدر القلق الأكبر ، وليس التغير في حد ذاته. يقول هوبداي: ''إذا كان التغير يحدث بوتيرة أبطأ ، فإن الحيوانات ستستطيع التكيف معه. كنتم ستشهدون تطورا على غرار ما حدث في الماضي عندما حدث تغير مناخي كهذا بين العصور الجليدية''. ولكن بدلا من ذلك ، ستطغي بعض الأنواع على المشهد، كالسلاحف البحرية، على سبيل المثال. ولعل ارتفاع درجات الحرارة يعني أن المر سيشاهد خروج سلاحف إناث من البيض أكثر من الذكور. ولمساعدة السلاحف على التكيف ، والحصول على نسبة أكثر توازنا بين الجنسين ، يقول هوبداي إن بعض المتطوعين يمكن أن ينقلوا الأعشاش على الشاطئ إلى أماكن يحصلون فيها على قدر أكبر من الظل. ويوضح هوبداي: ''أو نقلها إلى شواطئ أخرى ، حيث تتعرض لزاوية مختلفة من الشمس''. الامر نفسه ينطبق على نوع من البطاريق يسمى ''البطاريق الجنية''، حيث تواجه خطر ارتفاع درجة حرارة المياه أكثر من اللازم في الأيام شديدة الحرارة. وكانت الخطوة التي اتخذت للتغلب على هذا الأمر هي خفض حرارة الجحور والأعشاش عن طريق زراعة الأشجار لتوفير المزيد من المساحات المظللة. ويحذر هوبداي من اليأس بقوله: ''هناك أشياء يمكننا القيام بها.. آمل أن تعطينا هذه المبادرات فرصة لإنقاذ بعض هذه الحيوانات الشهيرة في الأماكن التي تتواجد فيها حاليا''. وأضاف: ''إذا لم تنجح هذه (المبادرات) في الأماكن التي تتواجد فيها حاليا، آمل في أن نبحث عن أماكن أخرى تذهب إليها تلك الحيوانات ونضمن جاهزيتها لاستقبالها.. كن متفائلا''.