عشية الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك من الحكم أعدت جماعة الاخوان المسلمين نفسها لموجة من الاعتقالات الجماعية لاقتناعها بأن الرئيس يخطط لتسليم السلطة لابنه وسيأمر بشن حملة على المعارضة. وفي هذا شهادة على حجم التغيير الذي حدث منذ ذلك الحين فقد أصبح رئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الجماعة محمد مرسي واحدا من أقوى المنافسين على منصب مبارك في الانتخابات التي تجري في 23 و24 مايو ايار. وقال عصام العريان القيادي بجماعة الاخوان الذي كان في السجن حين اندلعت الانتفاضة لكنه يستقبل اليوم الصحفيين في مكتب فخم بالبرلمان الذي تسيطر جماعته على ما يقرب من نصف مقاعده ''الجماعة كانت تستعد لضربة قاضية'' وأضاف مازحا بشأن المكتب ''تم تزيينه بهذا الشكل لغيرنا.'' ومثلت الأشهر الخمسة عشر التالية للإطاحة بمبارك فصلا تاريخيا في قصة حركة تحولت من جماعة محظورة الى حزب سياسي تتودد له الدول الأجنبية وينافس على السلطة. وتراجعت المخاوف من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير مصر وتسلم السلطة من مبارك قد يشن حملة على الجماعة من جديد. وتعتقد جماعة الاخوان ان هناك الكثير الذي تغير في مصر بما لا يسمح بتكرار سيناريو عام 1954 حين شن الرئيس الراحل جمال عبد الناصرحملة على الجماعة. ولكن في حين أن عصر زوار الفجر انتهى فيما يبدو بالنسبة لجماعة الاخوان فإن الساحة السياسية في مصر بعد الانتفاضة تحمل تحديات جديدة فهناك منافسون جدد من التيار الإسلامي وجماهير اكثر ميلا للانتقاد وقدر من المعارضة الداخلية علاوة على تجدد جدل قديم بشأن مزايا وعيوب مزجها بين الدين والسياسة. والمنافس الرئيسي لمرشح الجماعة للرئاسة هو عبد المنعم ابوالفتوح العضو السابق بالجماعة الذي يختبر مسعاه ولاء بعض أعضاء الاخوان والذي حرم بترشحه للرئاسة مرسي من دعم قطاع من الإسلاميين. وتتعشم الجماعة في الأفضل وهو أن تفوز بانتخابات الرئاسة لكنها تدرس ايضا نتيجة مختلفة هي الهزيمة التي يمكن أن تؤدي الى حرمانها من اي نفوذ فعلي على الحكومة لتبقى في صفوف المعارضة. وتخشى جماعة الاخوان من أن المؤسسة العسكرية القوية يمكن أن تحبط محاولاتها للحصول على نصيب في السلطة. وقالت اليسون بارجيتر الخبيرة في شؤون الجماعة ''من المؤكد أن جماعة الاخوان باتت اكثر قوة منذ فوزها في الانتخابات. هذا حدث في الوقت الذي أصبحت فيه الحركة أكثر ثقة بنفسها وبالقاعدة التي تدعمها.'' وأضافت بارجيتر التي ألفت كتابا عن الحركة ''لكن بالرغم من ذلك تواجه جماعة الاخوان تحديات كثيرة منها كيف ستتعامل مع التناقضات الداخلية التي عرقلتها الى حد ما منذ بدايتها.'' في مقر الجماعة تحدث واحد من أكثر أعضائها نفوذا عن فترة حلوة ومرة للجماعة التي انتخبت للبرلمان لكن المجلس العسكري يمنعها من أن يكون لها اي رأي في الحكم. وقال محمود عزت النائب الأول للمرشد العام لجماعة الاخوان إن هذا كان سببا رئيسيا لتخوض الجماعة السباق الرئاسي وهو قرار اتخذ في مارس آذار واثار جدلا لانه مثل تراجعا عن تعهد سابق للجماعة بالا تنافس على المنصب. وأضاف لرويترز ''اتوقع سيظل هذا التجاذب لفترتين رئاسيتين حتى لو كان الرئيس من الاخوان سيظل المجلس العسكرى يحاول الاستمساك بالسلطه ولكن ستبقى فرصة اقل بكثير.'' ويرى عزت انتخابات الرئاسة باعتبارها بداية صراع سيستمر ثمانية اعوام مع المؤسسة العسكرية التي ستبذل كل ما في وسعها للحفاظ على امبراطورية اقتصادية تشمل مصانع واراض ومحطات بنزين. ومضى يقول إن رئيسا من جماعة الاخوان سيكون مؤهلا لتحمل الضغط وإجراء الإصلاحات اللازمة لإقامة نظام ديمقراطي وإنعاش الاقتصاد المصري وهي أهداف مشروع ''نهضة عصرية بمرجعية إسلامية'' المنصوص عليه في ميثاق الجماعة. ويقول عزت انه اذا فشلت جماعة الاخوان في مسعاها للفوزبانتخابات الرئاسة فإنها ستظل مستبعدة من الحكومة وكان تقييمه هذا صريحا ويتناقض مع تقييمات اكثر تفاؤلا من شخصيات اخرى بالجماعة. وأضاف ''يعني احسب انه ممكن يسندوا بعض الوزارات التي في تصورهم الا يكون لها اثر في تقرير السياسات العامة للدولة وسنقول لهم طيب خلاص هنبقى معارضة'' واضعا نصب عينيه انتخابات المحليات التي تجريفي وقت لاحق من العام الحالي باعتبارها الفرصة القادمة لتعززالجماعة تمثيلها. وعزت (60 عاما) من الأعضاء المخضرمين بالجماعة سجن للمرة الأولى في عهد عبد الناصر. وهو في نفس منصب خيرت الشاطر الرجل الذي وقع عليه اختيار الجماعة ليكون مرشحها الاول للرئاسة لكنه استبعد بسبب حكم جنائي صدر عليه في عهد مبارك. ولا يكثر عزت من الظهور الإعلامي وتصفه وسائل الإعلام المحلية بأنه ''الرجل الحديدي'' وهو يجسد ما يعرف عن الجماعة من انضباط داخلي وعملية اتخاذ قرار من القمة الى القاع. ويرفض عزت هذا باعتباره من ابتداع وسائل إعلام عدوانية معلوماتها مغلوطة. وأضاف أن جماعة الاخوان نجحت من خلال إقناع أتباعها بأفكارها وليس بإصدار الأوامر لهم. لكن هذا الوصف يشير الى مشكلة تعاني منها صورة الجماعة بعد أن فقدت قدرا من الدعم الذي كانت تتمتع به ذات يوم في ظل الصراعات السياسية التي تزخر بها الساحة الآن في مصر الجديدة. ويورد منتقدون أخطاء منها اخفاقها في إشراك القوى الأخرى بالمجتمع في فترة ما بعد الانتفاضة. وتصور الجماعة على أنها متعطشة للسلطة وتسعى الى إقصاء الآخرين من الحياة العامة وهو ما تنفيه الجماعة بشدة ويتناقض مع سمعتها السابقة باعتبارها ضحية للقمع. وأجريت مقارنات سلبية بينها وبين حركة النهضة التونسية الإسلامية التي تسعى ايضا الى صياغة مستقبل تونس التي تمر بمرحلة انتقالية ولكن نسب اليها الفضل في إقامة علاقات افضل مع الآخرين في المجتمع بوجه عام. وأثارت الانتقادات رد فعل دفاعيا من الجماعة. وهتف اعضاء بجماعة الاخوان خلال تجمع حاشد هذا الأسبوع قائلين إن إهانات الآخرين تقويهم. وتعتقد الجماعة أن التوليفة التي تقدمها وتجمع بين السياسة والدين والعمل الاجتماعي اكثر جاذبية الآن من اي وقت مضى. وتطرح الجماعة رؤيتها لحكم البلاد في وثيقة من 80 صفحة تتناول كافة الموضوعات بدءا من الاستثمار الى الشريعة الاسلامية والسياسة الخارجية والتي تسعى من بين جوانب أخرى الى تعميق العلاقات مع دول مسلمة اخرى مثل تركيا. ويلتقي مسؤولو الجماعة الآن بمسؤولين امريكيين بشكل متكرر بعد أن كانت الولاياتالمتحدة تتجاهلها. وهي تتصور علاقات مع واشنطن قائمة على الاحترام المتبادل وإنهاء كافة اشكال الاعتماد السياسي والاقتصادي والعسكري. اما عن اسرائيل وعلى غرار غيرها من القوى السياسية تقول الجماعة إنها تريد مراجعة معاهدة السلام الموقعة عام 1979 لكنها لن تلغيها. وتشير الجماعة الى 350 الف عضو انضموا الى الحزب الذي أنشأته العام الماضي باعتباره دليلا على قوة لا يباريها فيها احد بالداخل ورفضت الحديث عن انقسامات داخلية باعتبار هذا محض أمنيات من جانب من يضمرون لها السوء. لكن هناك انتقادات داخلية للطريقة التي تدير بها شؤونها منذ الانتفاضة. يقول حسن البشبيشي الذي كان عضوا بجماعة الاخوان لمدة 33 عاما وأحد ثمانية آلاف عضو مؤسس لحزب الحرية والعدالة المنبثق عنها إن الجماعة تحتاج الى إصلاح. واستقال البشبيشي من حزب الحرية والعدالة بسبب قرار الجماعة خوض انتخابات الرئاسة. ويقول انه كان يجب التشاور مع عدد اكبر من أعضائها قبل اتخاذ هذه الخطوة التاريخية. وتابع قائلا لرويترز ''هذه الدائرة الصغيرة لا تعبر عن جموع الاخوان.'' وهو يعتزم التصويت لابو الفتوح. كما وجهت انتقادات لنهج الجماعة من شخصيات بارزة بها. ويعتقد حلمي الجزار النائب الاخواني بالبرلمان وعضو مجلس شورى الجماعة أنه كان عليها بذل المزيد من الجهد للتعامل مع مخاوف الأحزاب الأخرى. ومن بين اوجه القصور موقفها من تشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع دستور مصر الجديد. ويقول منتقدو الجماعة إنها استغلت قوتها في البرلمان لتدفع باتجاه عملية همشت كل من لا ينتمي للتيار الإسلامي. وأصيبت العملية برمتها بالشلل بسبب النزاع الذي خلفته. وقال الجزار عن تقييمه لأداء الاخوان منذ الإطاحة بمبارك ''أعطيهم 6.5 من عشرة''. واستطرد قائلا ''هذه درجة جيدة في أوقات مقلقة.'' وقال شادي حميد الخبير في شؤون الاخوان بمركز بروكنجز الدوحة إن الجماعة لم تستطع مجاراة العصر. وأضاف ''جماعة الاخوان تعمل وكأن الثورة لم تحدث. لم تستطع التكيف.'' لكن هناك مؤشرات على إعادة تقييم الأداء على مستوى القيادة. وقال مرسي في مقابلة تلفزيونية إن الجماعة تراجع أخطاء منها نهجها تجاه الجمعية التأسيسية وأضاف أن الجماعة تراجعت وقالت إن هذا كان خطأ. ومضى يقول إن هناك الكثير من الإيجابيات وايضا بعض السلبيات التي تبحثها الجماعة وتعتذر عنها وتغيرها. أقرأ ايضا: واشنطن بوست: أسهم جماعة الاخوان المسلمين في مصر تتراجع