غرابة اللافتة هى التى دفعتنى لدخول المحل. سألت الترزى فى فضول: ''إيه حكاية (ترزى السعادة) دى؟ إنت بتفصل إيه؟ قمصان؟ بنطلونات؟ بدل؟''، قال مقاطعا: ''بافصل بنى آدمين''. قلت مذهولا: ''بصراحة مش فاهم''. تنهد وقال فى صوت خافت: ''لاحظنا أن معظم البشر تعساء بسبب عدم رضاهم عن أجسادهم، فقلنا نعطيهم الأجساد التى يشتهون''. قلت فى نبرة وعظية: ''الشكل مش مهم. المهم الروح والأخلاق''. اهتاج فجأة، وقال غاضبا: ''منافق كسائر البشر، تعطى درسا عن أهمية الروح والأخلاق، ثم تخرج عيناك إذا رأيت امرأة جميلة''. قلت مهدئا غضبه ومُغيرا الموضوع: ''وكيف ستفصل الجسد؟'' قال فى بساطة: ''عادى! جسمك مثل البذلة، تخلعها وترتدى غيرها''. قلت مندهشا: ''ولكنى سأكون وقتها شخصا آخر''. قال فى ثقة: ''على الإطلاق، طالما سننقل المخ كما هو ستظل تحتفظ بالمشاعر والذكريات نفسها''. قلت مجادلا: ''والقلب؟ مش يمكن لما تغير قلبى..'' قال مقاطعا ومتهكما: ''قلب إيه يا ابو قلب؟ عمليات زراعة القلب تتم منذ ثلاثين سنة، فهل وجدت رجلا كان يحب ليلى خرج يحب سعاد!''. قلت وقد لمعت عيناى: ''يعنى من حقى أختار مواصفات جسمى''. قال فى لهجة عملية وهو يمسك النوتة: ''اتفضل. إنت أول زبون. عاوز الطول كام''. قلت متأملا: ''ميه وتمانين سنتى. ولا أقولك! بحبحها شويه، خليها 185''. قال وهو منهمك فى التدوين: ''والعرض؟''. قلت ضاحكا: ''قوام رياضى. إوعى تخلينى طويل وأهبل، بأكتاف ضيقة متعلقة على شماعات''. لم يضحك، وإنما استطرد فى جدية: ''الجبين؟''. قلت فى رومانسية وأنا أبربش: ''جبين عريض كله نبل وذكاء''. تساءل: ''والعيون؟''، قلت فى استهتار: ''زرقاء، خلينا نغير يا عم''. نظر إلى أنفى فى رثاء، ثم غمز بعينيه فى مكر: ''وأظن نسيب الأنف كما هو!''، قلت مندفعا: ''حرام عليك يا مفترى. عاوز أصغر مناخير عندك. وعضلات ظهر قوية لأنها بتوجعنى أوى. ومش حاوصيك على الكبد والكلاوى والجوهرة واللسان! على مزاجك يا معلم''. قال فى جدية: ''ماشى. بالنسبة للصفات النفسية، ننقلها زى ما هى؟ ولا نعمل تعديل؟''. قلت متأملا: ''طالما حننقل، يبقى ننقل بنضافة. ندهن ونغير العفش. عاوز نوم سهل! ونفس رضيّة! ومش عاوز نكد! ولا ضجيج أفكار''. قال وهو يغلق الدفتر: ''من عنيا! الاستلام بكرة''. قلت ضاحكا: ''إيه ده؟ إنت أخدت الحكاية جد! عندى سؤال الأول. أنا حاستفيد إيه؟''. قال مستغربا: ''تبقى سعيد''. قلت مقهقها: ''ومين قال إن السعادة فى الجمال؟! مكانتش مارلين مونرو انتحرت!''. قال فى قلق: ''معرفش. يمكن حالة فردية''. قلت فى إصرار: ''أبدا. البنات الحلوين فى دفعتى كانت جوازتهم طين. والبنات العاديين اللى مكانش حد بيبصلهم ربنا أكرمهم بابن الحلال''. قال فى زهق: ''البشر لازم يتعبونا بالجدال. إنت عاوز توصل لإيه؟''. قلت وأنا أغادر المحل: ''عاوزك تسيبنى فى حالى. أنا راضى بشكلى زى ما هو''. وبالفعل خرجت ضاحكا مستبشرا، ولم أنس قبل أن أذهب أن أشطب على لافتة المحل ''ترزى السعادة''، وأكتب مكانها: ''الرضا بالمقسوم''.