حذر ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مصر من أن العلاقات بين البلدين تمر باسوأ فتراتها بعد أن قرر القضاء المصري إحالة 19 ناشطا أمريكيا الى المحاكمة. ويندرج هؤلاء المتهمون ضمن قائمة تتألف من 43 ناشطا تمت إحالتهم الى محكمة الجنايات في قضية التمويل "غير المشروع" لجمعيات اهلية ناشطة في مصر. وقال تشارلز دون مدير جمعية "فريدوم هاوس" إن الرسالة التي وجهتها السلطات في مصر قد وصلت إلى واشنطن. وكان مصدر قضائي مصري قد اعلن الاحد ان "40 شخصا، بينهم مصريون واميركيون ومن جنسيات اخرى، أحيلوا الى محكمة جنايات القاهرة في قضية تمويل الجمعيات الاهلية"، مضيفا ان حظر السفر لا يزال مفروضا على الاشخاص الاربعين. وقال المصدر إن المحالين للمحاكمة متهمون "بإقامة وتشغيل فروع لمنظمات دولية في مصر دون الحصول على التصاريح القانونية اللازمة من الحكومة المصرية، وكذلك تلقى تمويل غير مشروع من مصادر أجنبية". ومن شأن هذه الخطوة ان تزيد من التوتر الذي شاب العلاقات الاميركية المصرية عقب اقتحام قوات الامن للعديد من مكاتب المنظمات الاهلية، بما فيها منظمات اميركية مثل "المعهد الجمهوري الدولي" و"المعهد الديموقراطي القومي" و"فريدوم هاوس"، في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وكانت السلطات المصرية قد دهمت مقار 17 منظمة اهلية محلية ودولية وصادرت اجهزة كمبيوتر ووثائق، قالت إنها أدلة على حصول تلك المنظمات على تمويل خارجي بصورة "غير مشروعة." ونبهت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الى ان واشنطن قد تعيد النظر في المساعدات الاميركية لمصر في حال استمرار الحملة الامنية على المنظمات المدنية. وقالت كلينتون عقب لقائها السبت وزير الخارجية المصري محمد عمرو، على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ بألمانيا،" اتيحت لي فرصة للإعراب مجددا عن قلق الولاياتالمتحدة الشديد في شأن ما يحدث للمنظمات غير الحكومية في مصر، ونحن نعتقد أنه لا يوجد أساس للتحقيقات في أنشطة تلك المنظمات أو دهمها ومصادرة ممتلكاتها، ومن المؤكد انه ليس هناك أساس لقرار منع أعضائها من السفر". ومضت كلينتون قائلة " لقد كنا واضحين فيما يتعلق بالتداعيات التي يمكن أن تنجم عن مثل هذا الموقف على جوانب العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة كافة، ولا نريد لذلك ان يحدث". ووصلت كلينتون إلى ذروة تحذيراتها عندما قالت "لقد عملنا سويا بجد وعلى مدى سنوات لترتيب مساعدة مالية ودعم كبير للإقتصاد المصري وللإصلاحات الديموقراطية التي تحدث في مصر، ومن المؤكد أننا سنعيد النظر عن كثب عندما يأتي وقت التحقق من جدوى تلك المساعدات، بحيث نستطيع أن نقرر مدى إمكانية تخصنص أموال المساعدات الأمريكية في ظل الظروف الجديدة في مصر". كما أجرى وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا اتصالا هاتفيا بنظيره المصري المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر، لحضه على الإسراع بإلغاء حظر السفر المفروض على المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي. وخلال مشاورات تدور في الكونغرس في شأن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر لم يجد عضو بارز بمجلس الشيوخ الأمريكي حرجا في أن يبلغ الحكومة التي يقودها العسكر في مصر بأن أيام "الشيكات على بياض" قد ولت، فيما يجري وفد عسكري مصري مفاوضات عسيرة مع وزارة الخارجية الأمريكية حول مستقبل المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر البالغ حجمها 1.2 مليار دولار سنويا. وشن السيناتور باتريك ليهي، رئيس اللجنة الفرعية المسؤولة عن المساعدات الأجنبية في الكونغرس، هجوما عنيفيا على ماقال إنه حملة مصرية شرسة على جماعات ومنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان والديموقراطية العاملة في مصر بتمويل من الحكومة الأمريكية، وحذر من أن بوسع الكونغرس وقف كافة أشكال المساعدات الامريكية لمصر، مالم يتوقف هذا المسلك من جانب القاهرة. رسالة واضحة وقال ليهي "نريد توجيه رسالة واضحة للجيش المصري مفادها أن زمن الشيكات على بياض قد ولى ، نعم نحن نقدر العلاقة بين مصر والولاياتالمتحدة وسنقدم للقاهرة مبلغا محترما من المساعدات، ولكن ليس دون قيد أو شرط". وبذلك ينضم ليهي إلى عدد متزايد من أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين الذين أعربوا عن "سخطهم بسبب الحملة المصرية على المنظمات غير الحكومية العاملة في مصر"، التي بلغت حد منع عدد من الناشطين الأمريكيين العاملين فيها من مغادرة القاهرة. وحذر ليهي من أن استمرار الحكومة المصرية في "هجومها" على المنظمات غير الحكومية يعني عجز القاهرة عن تقديم الأوراق الخاصة باستحقاق المساعدة كافة. وقال إن على القاهرة أن تسمح لتلك المنظمات بإعادة فتح أبوابها وأن تعيد الممتلكات التي صادرتها وأن توقف التحقيقات الجارية في انشطة المنظمات الحقوقية العاملة في مصر وان تعمل على تسجيل تلك المنظمات دون قيد أو شرط. وأعرب عن أمله في ان تقدر السلطات المصرية خطورة موقفها وما ينطوي عليه من مخاطرة، وذلك في إشارة إلى المساعدات الأمريكية لمصر التي تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا. ووجه أكثر من أربعين من أعضاء الكونغرس رسالة الجمعة إلى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع ليون بانيتا وكذلك المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر، ثيحذرونهم فيها من أن المساعدات الأمريكية لمصر معلقة الآن على حبل مشدود بين المنح والمنع. وأكد النواب الأمريكيون في خطابهم إن غياب أي قرار واضح ومرض في تلك القضية سيكون من شأنه إضعاف موقف النواب المؤيدين لاستمرار العلاقات القوية التي تربط الولاياتالمتحدة بمصر وتسفيه حجتهم في المطالبة باستمرار المساعدات الأمريكية للقاهرة. وفد عسكري مصري. الوقت نفسه استقبل عدد من كبار المسؤولين بوزارة الخارجية الأمريكية على مدى يومي الخميس والجمعة وفدا من الجيش المصري لبحث الموقف الأمريكي من أزمة المنظمات غير الحكومية في مصر، وكذلك الشروط الجديدة التي فرضها الكونجرس على الإدارة الأمريكية في شأن المساعدات العسكرية لمصر. وتقضي تلك الشروط بإلزام وزيرة الخارجية الأمريكية بالإقرار بأن السلطات العسكرية الحاكمة في مصر تتخذ بالفعل خطوات حقيقية نحو الإنتقال بالبلاد إلى الديموقراطية، وذلك قبل الموافقة على تقديم أي مساعدات جديدة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر شارحا كيفية تقديم المساعدات لمصر، فقال إن ذلك يتم عبر عملية تفاوضية طويلة ومستمرة مع الكونغرس، كما "أننا نوضح للمصريين بجلاء أن الكونجرس يضغط علينا لتخفيض المساعدات وجعلها أكثر خضوعا لشروطه." وقال تونر إن المسؤولين الأمريكيين، وعلى رأسهم جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، قد طالبوا القاهرة مرارا بالسماح للمواطنين الأمريكيين العاملين في المنظمات غير الحكومية في القاهرة بمغادرة مصر وإلغاء قيود السفر كافة، التي فرضها عليهم النائب العام المصري في إطار التحقيقات الخاصة بما يعرف بالتمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية في مصر. تبريرات مصرية وكانت الحملة المصرية على المنظمات غير الحكومية في مصر، التي كان من بينها المعهد الوطني الديموقراطي الأمريكي، قد أدت إلى أشد توتر في العلاقات المصرية الأمريكية منذ إطاحة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، العام الماضي. وقد دأب المجلس العسكري الحاكم في مصر على اتهام ما يقول إنه "أياد أجنبية بتدبير أحداث العنف لزعزعة الاستقرار في مصر" بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني من العام الماضي. ويقول المصريون إن الحملة جزء من تحقيقات موسعة في قضية التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية العاملة في مصر، وما إذا كان نشاط تلك الجمعيات يسهم في زيادة حالة الإحتقان الحالية داخل المجتمع المصري. ولكن النشطاء في منظمات المجتمع المدني يقولون إن السلطات العسكرية أمرت بتنفيذ تلك الحملة لإرهاب الناشطين الذين كانوا في طليعة الثورة المناهضة لحسني مبارك، والذين يطالبون الآن بتسليم السلطة في مصر إلى جهات مدنية وفي أسرع وقت ممكن. وكانت السلطات القضائية في مصر قد أصدرت قرارا بحظر سفر عدد من المسؤولين الامريكيين العاملين في منظمات المجتمع المدني التي ترتبط عن بعد بالاحزاب السياسية الأمريكية الكبرى. وعمد عدد من هؤلاء ، ومن بينهم نجل وزير النقل الأمريكي راي لاهود، إلى الإحتماء بالسفارة الامريكية في القاهرة.