«القومي للمرأة» يبحث سُبل تعزيز التعاون المشترك مع كمبوديا    محافظ أسيوط: نشر الوعي بمخاطر الإدمان مسؤولية مجتمعية    «القومي للطفولة والأمومة» ينعى الأطفال ضحايا حادث "التروسيكل" بأسيوط    وزير الكهرباء: مشروعات الربط الكهربائي أحد محاور العمل لتحقيق المنفعة المشتركة والربط مع أوروبا لتصدير الكهرباء من الطاقات المتجددة    تراجع البتكوين إلى 108 آلاف و830 دولارا وسط توترات تجارية ومخاطر ائتمانية    خلال لقائه عبدالعاطي.. رئيس وزراء الهند يشيد بدور الرئيس السيسي في اتفاق غزة ويؤكد تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع مصر    «القاهرة الإخبارية»: بعد اتفاق وقف إطلاق النار.. العريش قبلة المساعدات الإنسانية لغزة    أرتيتا: الفوز بالمباريات الحاسمة طريق أرسنال للتتويج بالدوري الإنجليزي    دبلوماسيون أوروبيون: خطط الاتحاد لمعاقبة وزراء إسرائيليين مجمدة بعد اتفاق شرم الشيخ    تفاصيل هجوم انتحارى قرب الحدود الأفغانية ومقتل 7 جنود باكستانيين    بدء أعمال الجمعية العمومية للنادي المصري والاجتماع الخاص بإبداء الرأي في تعديلات لائحة النظام الأساسي    الزمالك في معسكر مغلق اليوم لمواجهة بطل الصومال بالكونفدرالية    الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة بين قائدي سيارات ببني سويف    إنقاذ مسن محتجز داخل شقة سكنية بعقار فى مدينة نصر    عاجل- السكة الحديد تُعلن تعديل مواعيد عدد من قطارات الصعيد لتحسين الخدمة    الطقس غدا.. خريفى ونشاط رياح واضطراب بالملاحة والعظمى بالقاهرة 29 درجة    باعوا الوهم بوثائق مزورة.. ضبط عصابة نصبت على راغبي السكن    الأقصر أرض التاريخ المصرى القديم تستضيف 100 مغامر أجنبى من 15 دولة بفعاليات رياضية الباراموتور.. بهجة وفرحة بين الأجانب بالتحليق المظلى فوق معابد ومقابر الملوك وشريط نهر النيل.. ومغامر فلسطينى يشيد بسحر المشهد    في حضرة الضوء.. مهرجان الجونة السينمائي يحتفي بمئوية يوسف شاهين    تعاون بين «الاتصالات» و«السياحة» لرقمنة التراث وتحسين خدمات المواقع الأثرية    «انتظرت المعجزة لمدة عام».. تفاصيل مؤثرة في فقدان حمزة نمرة لوالدته    «الثقافة»: تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني عبقرية مصرية تبهر العالم    الاتصالات والسياحة توقعان بروتوكولين لرقمنة التراث المصري ورفع كفاءة خدمات الاتصالات بالمواقع الأثرية    السبكي: منظومة الدواء في التأمين الصحي الشامل إلكترونية بنسبة 100%    الصحة: رؤية إنسانية جديدة فى المؤتمر العالمى للصحة والسكان والتنمية البشرية    استشاري نفسي: كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟    أسماء المرشحين على مقاعد الفردي بدوائر محافظة مرسى مطروح لانتخابات مجلس النواب 2025    زيدان: «نقل الآثار عملية ليست سهلة» وفريق متخصص لنقلها للمتحف المصري الكبير    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    كريم بنزيما يقود اتحاد جدة لاستعادة التوازن أمام الفيحاء في دوري روشن السعودي 2025-2026    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب مقاطعة "ايلوكوس نورت" الفلبينية    وظائف خالية اليوم... 2914 فرصة عمل جديدة في 72 شركة خاصة لشباب 13 محافظة    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 17اكتوبر 2025فى المنيا.....اعرفها بدقه    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    ننشر أسماء ضحايا ومصابي الحادث المروع بطريق شبرا بنها الحر    تعرف على الحالة المرورية اليوم الجمعة 17-10-2025    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    شروط قرض الموتوسيكلات من بنك مصر 2025    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    التعليم العالي: توقيع 42 اتفاقية بين الجامعات المصرية والفرنسية    كريم وليد: صعب أنتقل للزمالك.. كولر مدرب عادل وموسيماني لم يتحمل الضغوط    8 قرارات جمهورية مهمة ورسائل حاسمة من السيسي بشأن أضرار سد النهضة الأخيرة    معهد بحوث الإلكترونيات يستقبل وفدًا صينيًّا رفيع المستوى لتعزيز الشراكة    السوبر الأفريقي.. موعد مباراة بيراميدز ونهضة بركان المغربي    اليوم.. المصري في ضيافة الاتحاد الليبي بذهاب الكونفيدرالية الأفريقية    جامعة قناة السويس تطلق دورة تدريبية لمواجهة الأزمات والكوارث بالتعاون مع "الكشافة الجوية"    سلوت: أريد رد فعل من صلاح.. وهذه حقيقة عدم تأديته للأدوار الدفاعية    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يخوض المران الختامي اليوم استعدادًا لمباراة «إيجل نوار»    5 أبراج تحب قضاء الوقت مع الأطفال    حقيقة ارتفاع أسعار مواد البناء خلال الفترة المقبلة بسبب إعمار غزة    محافظ بورسعيد يعتمد تعريفة الركوب الجديدة بعد زيادة البنزين والسولار الجديدة    أشرف زكي: لا يوجد أي منصب في الدنيا يجعلني أترك النقابة.. والاستقالة لسبب داخلي    ترامب يتحدى بوتين: "آلاف توماهوك بانتظار خصومك".. فما سر هذا الصاروخ الأمريكي الفتاك؟    أطعمة طبيعية تساعد على خفض الكوليسترول في 3 أشهر    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي في «قباطية» جنوب جنين    تفاصيل لا يعرفها كثيرون.. علاقة فرشاة الأسنان بنزلات البرد    هل الصلوات الخمس تحفظ الإنسان من الحسد؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلتي الأولى مع المتشردين في كولونيا
نشر في مصراوي يوم 27 - 11 - 2010

لم انتبه إلى نفسي عندما بدأت التفكير في كل هؤلاء الأشخاص الهائمين في شوارع المدن الألمانية وليس لهم مأوى، أراهم كل يوم وأنا أمشي بالقرب من كاتدرائية كولونيا الضخمة "الدوم"، وهم يجلسون على أبوابها أوحولها، ويمدون أيديهم وبها كؤوسا فارغة للمارة من السياح والألمان ليتبرعوا لهم بقليل من المال من أجل سد حاجاتهم في الأكل أو حتى من أجل إطعام كلابهم، التي تبدو عليها ملامح الألفة والحميمية معهم وهي تقتسم معهم افتراش أرصفة الشوارع.
أشكالهم غريبة جدا بالنسبة لي وأنا القادم من ذلك المكان الآخر على ضفة البحر الأبيض المتوسط، حيث تتقاطع أوروبا وآسيا وإفريقيا، ولأكون دقيقا أكثر، من فلسطين، التي يوجد بها متشردون من نوع آخر أو لأسباب أخرى وأهمها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن أقطن الآن في كولونيا، وأحببت أن أسرد لقرائنا العرب عن قصصي أو مغامراتي مع شيء جديد مختلف تماما عن عالم الشرق. إنهم المتشردون في الغرب الذين وصل عددهم الآن إلى أعلى مستوى منذ 50 عاما أو ربما منذ الحرب العالمية الثانية، وتعتبر ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أكثر المستضيفين لهم حيث تتحدث الإحصائيات أن بين 4 أشخاص إلى 12 شخص من كل ألف شخص هم من الأشخاص المتشردين الذين ينامون في شوارع أوروبا.
مقارنة مثيرة
كانت ليلة باردة قليلا كما هي العادة في هذا الوقت في ألمانيا، خرجت من بيتي أحمل الكاميرا الثمينة، بالنسبة لي، طبعا لأحاول اصطياد تقرير لي كنت قد تحدثت عنه مع مديري في القسم العربي في دويتشه فيله، دعوني أبدأ من هنا.
وولدت الفكرة ذات مرة عندما التقيت مديري في القسم العربي صدفة بالقطار وأنا عائد إلى منزلي، وتبادلنا الحديث حول بحث أقوم به عن المهاجرين وأصحاب الصراعات الثقافية في أوروبا، وسألني زوليش :" من وجهة نظرك، كيف تسير أحوال غزة؟"، فأجبته: "الكثير من الناس ليس لديهم بيوت ولا يستطيعون إعادة بنائها لأن العالم وإسرائيل يضغطون على حماس وخاصة بعد استيلائها على الحكم في غزة، وهذا صراع من نوع آخر". وقادنا الحديث إلى مقارنة بين متشردي شوارع أوروبا ومشردي غزة، وكلانا كان مدركا لاختلاف الحالتين من حيث مظاهرها وأسبابها.
وقال لي زوليش: "أتدري أن الكثير من الأشخاص هنا أيضا يعيشون بالشارع ولا يملكون بيوتا"، فقلت له: "أراهم بملابسهم وأشكالهم وقنينات الخمر التي يحملونها وهم ينفثون دخان سجائرهم كل يوم في شوارع كولونيا وغيرها من المدن في أوروبا، وهذا ما لفت نظري عن أوروبا حين وصولي إليها" واستطردت قائلا: "أغلب أصدقائي في فلسطين ودول عربية أخرى يرون أن الأوروبيين أغنياء وليس لديهم مشاكل ومن يستطيع الوصول إلى أوروبا، كأنه وصل إلى الجنة"، فعقب زوليش بقوله: "ماذا لو بحثت في ذلك وكتبت لقراء موقع دويتشه فيله"، وقلنا معا: "ولما لا قضاء ليلة معهم، كصحافي فلسطيني، وربما يكون ذلك لقاءًا نادرا من نوعه!".
ليلتي الأولى كانت خطيرة قليلا
قراري اتخذته وأنا في عجلة من أمري لأضع شي جديدا في حصيلة خبراتي الثقافية في مقارنة الشرق بالغرب أو على الأقل بألمانيا. صوبت نظري في تلك الليلة على مكان يعج بالمتشردين، الذين كانوا ينامون على جانب أحد شوارع كولونيا، وكانت الساعة تقترب من الحادية عشر مساءا، ولم يكن يوم نهاية أسبوع، إذ أن عادة الألمان العمل الكثير والنوم المبكر في أيام العمل الرسمية. وبدأ يدب في نفسي الخوف بعد أن لاحظت قلة عدد المارة في الشارع، وبعد تذكري ما كنت أشاهدة في التلفاز أو عن ما تصوره بعض الروايات التي كنت أقرؤها عن هؤلاء المتشردين أو الشوارع الفارغة في أوروبا.
اندهشت عند وصولي إلى مكان كان فيه 13 شخصا وبدا لي أنهم ينحدرون من دول عدة، وبدأت أحوم حولهم لأقترب من شخص توقعت أنه يتحدث الانجليزية ولكنه فاجأني وهو يتكلم العربية، اسمه حسن كان مغربيا يحمل الجنسية الألمانية، بدأت بتعريفه بنفسي بالقول: "أنا صحفي وجئت للتعرف على حياة هؤلاء المتشردين، فقال لي بعد أن طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي: "ماذا تريد منهم وأنت تحمل كاميرا ثمينة كالتي معك، بعضهم طيب وسوف يحترمك ولكن الكثير منهم يعانون من مشاكل اجتماعية كثيرة لها علاقة بالكحول أو بالمخدرات أو ربما هذا عملهم وحياتهم يكسبون عيشهم من الشارع وينامون في الشارع ولا يقبلون أية منحة من الحكومة الألمانية التي تحاول مساعدتهم، فقط ليشعروا بأنهم مسؤولون عن أنفسهم، ووجودك هنا يعرضك للخطر شيئا ما".
متشردون فارون من بلدانهم
استكملت حديثي مع حسن (المتشرد المغربي) بالنقاش عن أوضاع المتشردين وعن دولهم، وفجأة لفت نظري رجل يغطي رأسه من شدة البرد يقترب مني ويتحدث لي بانجليزية ركيكة: " من أنت وماذا تريد، ولماذا تحمل كاميرا في يدك"، قلت له وكانت قسمات وجهه الغاضبة تثير الخوف بداخلي: "أنا صحافي اعمل لدى دويتشه فيله في بون، أحببت أن أشارككم ظروف حياتكم بالنوم في الشارع وأسرد للقراء العرب بعض قصصكم"، وإذا به يقاطعني ويقول لي:"ماذا تريد أن تعرف عنهم"، قلت له: " أريد أن أعرف لماذا أنت هنا"، قال وهو يبتسم ابتسامة يملؤها الاشمئزاز: " أنا هنا هربا من السجن في هولندا بعد أن ضربت رجلا وأنا ثمل، والشرطة تريد القبض علي، فأتيت إلى ألمانيا لحماية نفسي، وقد كنت من أنام في الشوارع في هولندا والآن أنا فارٌّ".
وعندما أردت أن أقول له أنني حزين على وضعه، قاطعني حسن قائلا: " اذهب من هنا واحضر غدا أو لا تحضر لان الشرطة تأتي هنا، وفقط لأنصحك لا تأتي بكاميراتك مرة أخرى"، ذهبت سريعا إلى محطة القطار بعد أن اعترضني شرطيان في ثياب مدنية، وقالوا: "من أنت قلت" أنا صحافي وأدليت لهم ببطاقتي المهنية، وفحصوها من جانبهم وأخذوا اسمي ثم سمحوا لي بالذهاب بعد أن قالوا لي: " انتبه أثناء عملك معهم، فبعضهم خطير، وأنت لا تريد أن تقع في مشاكل، نحن نتابعهم ونحاول مساعدتهم"، قلت له: " شكرا لك على مساعدتهم ومتابعتي".
والجدير بالذكر أن المتشردين في ألمانيا وأوروبا، فئة من الناس تثير الغرابة في كثير من الأحيان ولديهم الكثير من الحكايات المثيرة للفضول، لأن منهم من يريد أن يكون متشردا كوظيفة له ولا يريد العيش في منزل في ظل قوانين والتزامات أداء فواتير الإيجار والكهرباء والانترنت والهاتف، وبالرغم من كثرة البرامج التي تعرضها البلديات عليهم فهم يفضلون الحياة على هذا النحو لأنهم يرون فيها ضربا من الحرية، وبعضهم من غجر أوروبا والبعض الآخر من العاطلين عن العمل، والبعض الآخر من المهاجرين الوافدين من شرق أوروبا وضمنهم فارون من سلطات بلدانهم.
ماجد أبو سلامة – كولونيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.