دخل بطل العالم للراليات الفرنسي سباستيان لوب مرحلة جديدة حافلة بالتحديات منذ ان توج باللقب العالمي للمرة السابعة على التوالي، وذلك في ظل التغيرات المنتظرة خصوصا اعتماد فريقه سيتروين سيارة "دي اس 3" بدلا من "سي 4" وضم مواطنه و"منافسه" سباستيان اوجييه الى "الطاقم الاساسي". ولوب البطل الاستثنائي كما يؤكد منافسوه قبل عارفوه، موهوب منذ نعومة اظافره في القيادة والسرعة على متن أي مركبة، بحسب زوجته سيفيرين. وقد "ورث" بنية رياضية طيعة من والده لاعب الجمباز. ويؤكد مدلكه الخاص مارك جيرمان ان هذه الميزة تساعده في القيادة والتعامل مع متطلبات السيارة وردة الفعل، خصوصا "انه يرصد للبعيد ويستشرف ما سيلي بدقة وتركيز". وقد عززت مزاولة لوب للجمباز خلال سنوات طفولته روح المنافسة فيه والصرامة في تنفيذ الامور واتقان المهارات. ودخول لوب عالم الرياضة الميكانيكية شهد خسارته مرتين في سباقين للناشئين، لكنها كانت خيبة عابرة لم تطفئ في داخله جذوة الشغف. ومن حسن طالعه أن إلتقى سائقا مغمورا لكن نافذ البصيرة يدعى دومينيك هانيتس عام 1996، فقاده الى حيث يجب ان يكون ممهدا امامه طريق النجاح والانتصارات. و"صاحب الفضل" هذا ضابط سابق في سلاح المشاة، ويدير حاليا مرآبا لتجهيز سيارات السباق، تأثر بحماسة لوب حين التقاه للمرة الاولى. ويذكر هاينتس ان السائق الصاعد (22 سنة) كان يمضي ساعتين يتحدث عن الراليات وتفاصيلها من دون ملل. ويضيف: "في مثل هذه السن تكون اولويات الشباب مختلفة عموما، وقد وجدت عند لوب حافزا كبيرا واصرارا على الوصول والنجاح فقررت مساعدته. ولفتني اتقانه السريع لكيفية ملاحقة الداعمين والحصول على رعايتهم المادية لضمان خوضه السباقات". ويملك لوب "كاريزما" التأثير ايجابا بالآخرين، وهذا ما كان يعزز موقفه في بداية مسيرته عند الرعاة، فضلا عن نتائجه الواعدة التي كانت تتراكم تباعا. ويقول مدير سيتروين السابق غي فريكولن: "لا اعرف لوب الا سائقا متحفزا، خصوصا انه ادرك في وقت قصير ان الموهبة وحدها لا تكفي، بل يجب الاجتهاد والعمل". وما اهدره من فرص في مجالي الدراسة والجمباز، عوضه في عالم الراليات، اذ كد واجتهد كما يكرر مرات. ومن مزاياه في هذا الاختصاص دقته وملاحظاته، فبات لوب "مرجعا" في حصص التجارب، كونه يحفظ السيارة جيدا، ويصر على معرفة "الحيل" الميكانيكية، ويقارع المهندسين في مناقشات التطوير. ويحسن لوب اسلوب قيادة يوفر ثوان خلال مراحل السرعة، وهو بمثابة مهارة في "ادارة اللعبة"، فضلا عن وجود "عينيه الاضافيتين" اي ملاحه دانيال ايلينا الى جانبه. "الشهرة لم تبدل لوب" كما يؤكد عارفوه، فلا يزال خجولا ولا يلهث خلف الاضواء، على عكس بطل العالم السابق للفورمولا واحد البريطاني لويس هاميلتون مثلا، الذي تربى ليكون بطلا. ويترك لوب الامور تتفاعل على طبيعتها، ما يزعج زوجته التي توضح انه "لا يدرك احيانا انه يحقق امورا غير مسبوقة"، لذا تراه يفاخر بطهوه فخذ عجل بدلا من الحديث عن فوز او لقب غال! يؤكد غالبية منافسي لوب ان سر نجاحه يكمن في امتلاكه عناصر ثلاثة هي: الموهبة والرغبة والاعصاب الهادئة. وكان فوزه باللقب العالمي السابع مميزا، فقد توج "بين اهله" في الالزاس، وسط عشرات آلاف واكبوا "استعراضاته" على مدى ثلاثة ايام، والصقوا الرقم 7 على خدودهم او نظاراتهم. وعنصر الرغبة في سر استمرار لوب يعود الى خوفه من الفراغ في حال قرر اعتزاله، واعلن اخيرا انه يستطيع التوقف الآن، "لكن احب ان استمر واكمل بحثا عن تحد جديد". فهو لا يريد الاعتزال من دون برنامج واضح للمستقبل، خشية "عودة ناقصة" على غرار ابطال كثر وفي رياضات مختلفة. ويتطلع لوب الى انشاء مجمع سياحي - رياضي، يتضمن فندقا ومدرسة لاعداد السائقين يشرف عليها و"مكتشفه" هاينتس معاونه حاليا في مناسبات كثيرة، وضمن فريق "بي اش سبور" الذي يدير طاقمه في بطولة العالم. وفي اطار مواز، يتوقع مدير فريق سيتروين اوليفييه كيزنيل ان يكون موسم 2011 ساخنا على صعيد المنافسة، لان "لوب متحمس لاحراز لقب ثامن، كما سيسعى اوجييه لتثبيت قدميه بعدما اثبت جدارته على مختلف المسارات خصوصا انه يملك ارادة رائعة للفوز، وبالتالي سيكون الصراع داخل سيتروين شبيها بالمواجهات الثنائية التي عاشها البرازيلي الراحل ايرتون سينا والفرنسي الن بروست في فريق ماكلارين" اواخر ثمانينات القرن الماضي. عموما لم يحتفل لوب طويلا بلقبه العالمي السابع، اذ سارع الى اكمال برنامج تجارب سيارة "دي سي 3" التي سيقودها في الموسم المقبل، فضلا عن تحضيراته للسباقين الاخيرين من بطولة الموسم الحالي (اسبانيا من 22 الى 24 تشرين الاول/اكتوبر، وبريطانيا من 11 الى 14 تشرين الثاني/نوفمبر)، لينهي موسمه العاشر في بطولة العالم، وفي جعبته حتى الآن 60 انتصارا. وعلى متن "سي 4" حقق لوب 4 القاب عالمية، لكن قيادة السيارة الجديدة تختلف كليا "فهي سيارة اكثر رشاقة وسرعة، في المقابل لم تتبلور تلقائيتها بعد والتمكن منها لا يزال صعبا". وكانت اختبارات "دي اس 3" انطلقت في كانون الثاني/يناير الماضي، وعلى رغم ذلك لا تزال متأخرة اذا ما ارادت "منازلة" فورد فييستا وميني. كما يجب التأقلم مع اعتماد عجلات ميشلان بدلا من بيريللي، ومحركات سعة 6ر1 ليتر بدلا من ليترين. مع افتتاح موسم 2011 بانطلاق رالي السويد في شباط/فبراير المقبل، يكون لوب بلغ ال37 من عمره، أي ان اوجييه يصغره ب10 سنوات. وقد استهل السائق الصاعد موسم 2009 في فريق "سيتروين جونيور"، لكنه سجل تطورا لافتا هذا العام. فبعد فوزه امام لوب في البرتغال خلال ايار/مايو الماضي، قرر كيزنيل ترفيعه الى الفريق الاول. وفي فنلندا، حل اوجييه ثانيا خلف "ابن البلد" ياري ماتي لاتفالا (فورد)، فيما اكتفى لوب بالمركز الثالث. كما احرز رالي اليابان (ايلول/سبتمبر) وقنع لوب بالمركز الخامس. وعلى رغم عودته للمنافسة ضمن فريق "سيتروين جونيور" في الالزاس، اظهر اوجييه تقدما ملحوظا. ولا يبدو لوب متفاجئا بتطور "منافسه المقبل"، ويتعامل مع الموقف المستجد بواقعية كاملة، فحين "يفوز علي لن اخجل، فقد بقيت 7 سنوات افوز على الآخرين. ولو دامت لغيرك لما وصلت اليك". ويرد اوجييه التحية، مؤكدا انه سينطلق في موسم 2011 بطموح كبير، "وبعدما اظهرت مقدرتي على المسارات الترابية آن الاوان لابرهن ذلك على الاسفلت وخلف مقود سيارة مماثلة للتي يقودها البطل". وتختلف الآراء عن مدى استثمار لوب شهرته في مشاريع موازية، وهو يتجاوب احيانا مع بعض العروض المقدمة له بدافع العاطفة والانتماء، ومنها مثلا الاعلان لمياه "كارولا" الالزاسية. ويوضح ان المهم بالنسبة اليه ان تعجبه فكرة الاعلان والا يتطلب تصويره وقتا طويلا يشغله عن الراليات. وهو "سفير" اعلاني لمستحضرات وعطور، وستستخدم "سيتروين سبور" شهرته بعد تتويجه العالمي السابع بانتاجها فيلما اعلانيا فكاهيا عن "دي اس 3" صور في مرسيليا. وكان لوب اخيرا ضيف جناح سيتروين في معرض باريس للسيارات. كما ستطلق ساعة سويسرية تحمل تصميمه وتوقيعه. وانشغالات لوب التنافسية لن تلغي مشروع خوضه مجددا سباق "24 ساعة لومان"، فبعد محاولتين ضمن فريق "بيسكارولو سبور" عامي 2005 (انسحاب) و2006 (المركز الثاني)، يتطلع لقيادة "بيجو 90 اكس" التي حلت مكان " بيجو 908". وكان لوب من بين تسعة سائقين سمتهم بيجو لخوض السباق في حزيران/يونيو الماضي، لكنه اعتذر بسبب ضغط التدريب وجولات بطولة العالم.