لم يبق أمام السودان الا ثلاثة أشهر فقط للاستعداد لاستفتاء يقرر فيه مواطنو الجنوب ان كانوا يريدون الانفصال عن الشمال واقامة دولة مستقلة لهم. زار مندوبون من مجلس الامن التابع للامم المتحدة السودان الاسبوع الماضي وحثوا الشمال والجنوب على ضمان اجراء الاستفتاء بشكل سلمي ذي مصداقية وفي الوقت المحدد له لكن التأجيل طوال سنوات من قبل جعل المفوضية المنظمة للاستفتاء أمام مهمة يراها كثيرون مستحيلة. وفيما يلي بعض السيناريوهات الممكنة حول الاستفتاء: تأجيل الاستفتاء لم يتبق الكثير من الوقت لتنظيم الاستفتاء لكن الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحكم الجنوب تصر على ضرورة اجراء استفتاء على مستقبل أكبر دولة في افريقيا من حيث المساحة في الموعد المحدد له وهو التاسع من يناير كانون الثاني 2011 . ويتفق معظم المحللين على أن مواطني الجنوب سيختارون الانفصال والتهبت المشاعر حماسا في المنطقة شبه المستقلة المنتجة للنفط. وتقول الحركة الشعبية ان حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم يماطل بشأن الاستفتاء منذ أن نص عليه اتفاق سلام عام 2005 الذي أنهى الحرب الطويلة بين شمال وجنوب السودان. وترى الحركة أن القبول بتأجيل الاستفتاء سيكون انتحارا سياسيا وتقول ان التأجيل سيؤدي الى خروج مواطني الجنوب في مظاهرات عنيفة قد يكون من الصعب السيطرة عليها. واذا كان التأجيل ضروريا فان اعلانه قبل أسبوع أو أسبوعين من الموعد المحدد والقول بان السبب هو وجود مشاكل لوجيستية سيكون مقبولا بشكل أكبر من الاعلان عنه الان. ويجب ألا يكون أي تأجيل لاكثر من أسابيع قليلة لتهدئة مواطني الجنوب الذين يعقدون امالا على حقهم في تقرير المصير وهو الحق الذي دافعوا عنه منذ 1955 . وقال عدد من مندوبي مجلس الامن الدولي لرويترز في أحاديث خاصة ان "تأجيلا فنيا" لعدة أسابيع أو شهور قد يكون هو الطريقة المثلى لضمان أن يكون التصويت ذا مصداقية. وسيكون على حكومة الجنوب ان تطمئن اهالي المنطقة الى ان التأجيل ليس مكيدة سياسية من الخرطوم. لا استفتاء وهذا هو السيناريو الاسوأ لكنه لازال ممكنا لان مفوضية استفتاء جنوب السودان التي تشكلت في يونيو حزيران كان أمامها أقل من ستة أشهر للتخطيط له. ويبدأ تسجيل الناخبين الشهر المقبل ويقول دبلوماسيون ومحللون ان هذا يعني أن الوقت المتاح لتنظيم التصويت ضيق للغاية. وقالت الحركة الشعبية لتحرير السودان انه اذا لم يجر الاستفتاء في موعده فان اتفاق السلام الذي أبرم عام 2005 يتيح لها طرقا أخرى للتعبير عن حقها في تقرير المصير. استفتاء الجنوب فقط قالت الحركة الشعبية أيضا ان برلمان الجنوب قد يتولى أمر الاستفتاء في الجنوب أو يصوت بنفسه على الانفصال عن الشمال. وقال سلفا كير رئيس جنوب السودان لمندوبي مجلس الامن الاسبوع الماضي ان الجنوب قد يكون بحاجة لاجراء استفتاء خاص به. ولم يرفض مبعوثو المجلس الفكرة لكنهم أوضحوا أنهم لا يريدون أن يعلن الجنوب الاستقلال من جانب واحد. ووعد كير بألا يحدث هذا. ويعتمد نجاح استفتاء يجريه الجنوب الى حد كبير على مدى قبول المجتمع الدولي له نظرا الى كم الشكاوى من حدوث تزوير وترويع لناخبي الجنوب خلال انتخابات برلمانية جرت في ابريل نيسان. ويجب أن يعترف الشمال أيضا بنتيجة مثل هذا الاستفتاء لان 98 في المئة من ميزانية الجنوب تعتمد على عوائد النفط التي ترسلها الخرطوم. ويوجد معظم احتياطات السودان من النفط الخام ويقدر بستة مليارات برميل في الجنوب لكن شبكة توزيع النفط موجودة في الشمال مما يجعل شطري البلاد يعتمدان على بعضهما البعض من الناحية الاقتصادية. واذا لم يعترف الشمال بالتصويت على الانفصال فقد يوقف ارسال عوائد النفط مما يعني كارثة فورية للجنوب الذي تحيط به اليابسة من كل جانب. تصويت جزئي من حق الملايين من مواطني جنوب السودان الذين يعيشون في الشمال أو في الخارج التصويت. لكن ضيق الوقت وعدم وجود طريقة محددة يمكن من خلالها معرفة ان كان مواطنو الشتات من أهالي الجنوب فعلا يعني أن الاستفتاء ربما يجرى في جنوب السودان فقط. وقد ينفر هذا الخيار الشمال الذي يشعر بأن الكثير من مواطني الجنوب الذين يعيشون فيه قد يصوتون لصالح الوحدة وليس الانفصال. ويعيش في جنوب السودان ثمانية ملايين شخص على الاقل يتوقع أن يصوتوا لصالح الانفصال أي أكثر بكثير من عدد مواطني الجنوب الذين يعيشون في أماكن أخرى. وسيكون من الصعب رفض تصويت يجرى في الجنوب فقط. ومن المقرر اجراء الاستفتاء على مصير جنوب السودان في نفس الوقت الذي يجرى فيه استفتاء اخر على منطقة أبيي المنتجة للنفط التي يتنازعها الجنوب والشمال. ويجرى الاستفتاء حول ضمها اما الى الشمال أو الجنوب الا أن المأزق القائم حول تشكيل مفوضية الاستفتاء على أبيي يعني أنه لا يرجح أن يجرى الاستفتاء في موعده أو ألا يجرى على الاطلاق. تزوير أصوات يقول مسؤولون في الاممالمتحدة انهم يتوقعون بعض التجاوزات في الاستفتاءين بشأن الجنوب وأبيي. ويقولون ايضا ان معظم التوقعات تذهب الى أن نتيجة الاستفتاء ستكون هي استقلال الجنوب لذا فمن الصعب للغاية تزوير النتيجة لتصبح لصالح الوحدة. هل يمكن العودة الى العنف؟ على الرغم من جدار انعدام الثقة بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان بعد سنوات من التشاحن بشأن تنفيذ اتفاق سلام عام 2005 فان العودة الى العنف لا تخدم المصالح الاقتصادية لاي منهما. لكن هناك العديد من نقاط الاختلاف حول الاستفتاء قد تؤدي الى أعمال عنف ويقول محللون ان جيشي الجنوب والشمال يعيدان تسليح نفسيهما قبل التصويت. ويلمس الاستفتاء وترا حساسا عند مواطني الشمال والجنوب على حد سواء كما أن قضايا مثل غموض وضع المواطنة وتقاسم الثروة والحدود بين الجانبين والنفط كلها قد تثير اضطرابات. واذا لم يقدر الجانبان على حل هذه النزاعات فقد يؤدي هذا الى اندلاع اشتباكات بينهما. وقد يعيد الامر شمال وجنوب السودان الى دائرة الحرب مجددا ويزعج دولا مجاورة. وتبادل الشمال والجنوب الاتهامات في الاونة الاخيرة بحشد القوات على الحدود المشتركة استعدادا للحرب. وطلب كير من مجلس الامن الدولي الاسبوع الماضي ارسال قوات حفظ سلام على طول الحدود بين شمال وجنوب السودان قبل الاستفتاء واقامة منطقة منزوعة السلاح بينهما. وقال دبلوماسيون في المجلس ان ما قاله كير لم يكن اقتراحا رسميا لكنهم يبحثون الامر. اجراء الاستفتاء في موعده يبدو أن السياسيين في السودان يفضلون سياسة حافة الهاوية ويتركون الامور للحظة الاخيرة. ولا يريد أي جانب العودة للحرب. وقد يكون الجانبان يؤجلان اتخاذ أي قرارات حتى اللحظة الاخيرة لتجنب العودة للصراع. وربما ينطبق هذا ايضا على المشاكل اللوجستية. ويرجح أن يدرك حزب المؤتمر الوطني السوداني أنه لا يمكنه وقف التصويت وأن يسمح باجرائه لتجنب أي احتجاجات عنيفة من مواطني الجنوب قد تجر الجانبين الى الحرب مرة أخرى. ويرى العديد من المراقبين أن النتيجة المرجح اللجوء اليها كحل في اللحظة الاخيرة هو اجراء استفتاء متعجل لا يحظى بالمصداقية الكاملة وفي الجنوب فقط في يناير على أن يقبل به الجميع لانه لن تكون هناك خيارات أخرى كثيرة. ويرجح أن يكون الانفصال هو نتيجة مثل هذا الاستفتاء ليدخل السودان بعده فترة انتقالية تستمر ستة أشهر حتى التاسع من يوليو تموز 2001 لاتخاذ ترتيبات التقسيم الى دولتين. من أوفيرا مكدوم ولويس شاربونو