يكتب الجيش الباكستاني رسالة بالاسود على الاجولة البيضاء التي تحمل امدادات الاغاثة من الفيضانات التي اجتاحت البلاد تدل على الوضع بصفة عامة يقول فيها "في المحن.. الجيش الباكستاني معكم". قام الجيش بالدور الرئيسي في تقديم مواد الاغاثة مما هز صورة الحكومة المدنية وعزز من مكانته ونفوذه. ولا يتوقع أحد أن يستولي الجيش على الحكم لكن الثقل الذي اكتسبه ربما يكون أكبر تغير سياسي أحدثته الفيضانات وهو تغير ربما يحدد علاقته مع الحكومة المدنية وسلطته عليها لسنوات مقبلة. قالت محللة شؤون الدفاع عائشة صديقة "وسع الجيش في واقع الامر من مصالحه عبر توزيع مواد الاغاثة... ليس هناك اليوم ما لا يقع في نطاق سلطته." وتمكن الجيش من استعادة قدر كبير من نفوذه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والامنية بعد أن فقد شعبيته خلال السنوات الاخيرة من حكم الرئيس السابق برويز مشرف الذي استولى على السلطة في انقلاب عام 1999 وتنحى في 2008 . لكن في أعمال الاغاثة من الفيضانات أصبح له وجود واضح للغاية باعتباره المؤسسة الوطنية الوحيدة التي يتوفر لها الايدي العاملة والمهارات التنظيمية والمعدات بما في ذلك طائرات الهليكوبتر والقوارب لمساعدة نحو 20 مليونا من المتضررين. وفي كلية للبنين تحولت الى مخزن في ملتان المدينة الرئيسية في اقليم البنجاب بجنوب البلاد يعمل الجنود على مدار اليوم لجمع أجولة من مواد الاغاثة. ومع الغاء العطلات والتبرع بمواد لصالح المنكوبين أصبح دور الجيش ظاهرا للعيان. قال الميجر فاروق فيروز المسؤول عن العلاقات العامة في ملتان ان قائد المنطقة يعمل بشكل مستمر منذ أن اجتاحت الفيضانات البلاد قبل شهر. ومضى يقول "انه يشرف على كل تحرك... انه يبقينا جميعا يقظين. هو نفسه لا يذوق النوم." ويتناقض هذا بشدة مع رد الفعل المتواني للحكومة المدنية وسفر الرئيس اصف علي زرداري الى فرنسا وبريطانيا مع بدء الفيضانات. ومن الناحية النظرية يعمل الجيش بناء على أوامر من الحكومة ولكن على المستوى العملي تتعاون السلطات المدنية والعسكرية عن كثب. ويقول البريجادير زاهد عثمان في حقل تحول الى قاعدة لطائرات الهليكوبتر في بلدة جامبور بجنوب البنجاب "هناك تعاون يجري على كل المستويات... نعلم أين يذهبون وهم يعلمون أين نذهب." لكن مضمون هذه الرسالة غالبا ما كان يضيع في بلد يتعاطف فيه الجزء الاغلب من وسائل الاعلام مع الجيش ويتذمر مسؤولو الامن بشكل غير معلن من أوجه القصور في أداء الديمقراطية وحزب الشعب الباكستاني الحاكم. ويرى محللون أن الجيش ليس له دافع للاستيلاء على السلطة في وقت تواجه فيه البلاد العديد من المشكلات كما أنه يستفيد من أن تكون له واجهة مدنية تجيز العمليات العسكرية ضد مقاتلي طالبان والتي تحتاج بشدة للمساندة الشعبية. وأشار مسؤول أمني الى أن الوضع أفضل كثيرا مما عليه الحال في أفغانستان حيث تحاول القوات بقيادة الولاياتالمتحدة القضاء على تمرد بالطرق العسكرية دون وجود البنية السياسية الاساسية اللازمة لكسب ود الشعب. لكن الجيش بات في الوقت ذاته في وضع أقوى يسمح له بأن تكون له الكلمة العليا اذا بدت الحكومة في موقف الضعف وبأن يصد أي محاولة من السلطات المدنية للحد من نفوذه. وتقول محللة الدفاع صديقة ان الجيش يتعمد ابراز أوجه القصور في الحكومة لجعلها هي وزرداري في المقعد الخلفي. ومضت تقول "ليس لانه يريد التخلص منه بل لانه يريد أن يبعث برسالة... الامر أشبه بطلقة تحذيرية في الوقت الحالي." وتابعت "هذا الوضع يشبه التلاعب قبل الانتخابات. يدعون الحكومة تقضي فترتها.. يهددون استقرارها ويبقونها في حالة غير مستقرة." وليس من المقرر اجراء الانتخابات المقبلة قبل عام 2013 ولم يبد زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق نواز شريف أي ميل للاستيلاء على السلطة. كما أن لديه أسبابا للتوجس من الجيش.. فقد أطيح به في انقلاب عام 1999. لكن في الوقت ذاته يتحدث بعض المسؤولين فيما بينهم عن احتمال أن تعيد بعض الاحزاب السياسية توحيد الصف لاضعاف زرداري الذي لا يمكن الاطاحة به بالسبل الدستورية. وباستبعاد القيام بانقلاب فان الطريقة الوحيدة لاضعافه ستكون أن يشهد حزب الشعب الباكستاني نفسه انقساما أو تهميشا من خلال تمرد الحلفاء السياسيين والمعارضين أو حتى ربما من خلال التصويت بحجب الثقة عن الحكومة. وفي بلد يعج بالشائعات ونظريات المؤامرة من المستحيل توقع كيف ستؤول الاحوال السياسية بشكل محدد. لكن الامر الواضح هو أن الرأي الشعبي الذي كان سائدا خلال السنوات الاخيرة من حكم مشرف وهو أن "أسوأ نظام ديمقراطي أفضل من أحسن نظام دكتاتوري" فقد بريقه. فقد أصبح الجيش الذي ظل يحكم البلاد بشكل متقطع منذ الاستقلال عام 1947 قادرا على وضع نفسه مرة أخرى في صورة منقذ البلاد. أو كما تقول لافتة موضوعة على احدى الشاحنات المزينة بألوان زاهية والمحملة بمواد الاغاثة "الجيش الباكستاني والشعب يد واحدة". من مايرا مكدونالد (شارك في التغطية كمران حيدر)