القاهرة - تتسارع خطوات عدة مؤسسات مالية واستثمارية مصرية كبرى لإنشاء كيانات لها في السوق السورية في إطار موجة جديدة من الاستثمارات المصرية في سوريا. وتتوزع هذه المشروعات الجديدة في عدة قطاعات حيوية على خريطة الاقتصاد السوري، شديد الشبه بظروف الاقتصاد المصري، وفي مقدمتها الخدمات المالية والاستثمار العقاري والسياحي. ومن المنتظر أن يأخذ الوجود الاستثماري المصري في السوق السورية شكل شركات وبنوك مستقلة خاضعة للقوانين السورية ولكن برأسمال مصري خالص أو يتخذ شكل الفروع التابعة مباشرة للشركات الأم في مصر. ويقود هذا التوجه منذ فترة البنك الأهلي المصري وبنك مصر وشركة بايونيرز المالية القابضة ومجموعة عامر الاستثمارية المتخصصة في المجال العقاري والسياحي إلى جانب شركة تنمية المتخصصة في مجالات التمويل للمشروعات الصغيرة وبعض شركات المقاولات والإنشاءات الحكومية ذات الخبرة في مشاريع البنية الأساسية. وإلى جانب هذه المؤسسات والبنوك تستعد مجموعة أخرى من الشركات لطرق أبواب السوق السورية بعد الانتهاء من دراستها لتشكل موجه جديدة من الاستثمارات المصرية المتجهة إلى هناك وفي مقدمة هذه الشركات المجموعة المالية هيرمس القابضة وشركة اتش سي ومجموعة مينا للاستثمار العقاري التابعة للمستثمر فتح الله فوزي وشركات عامة متخصصة في بناء محطات الكهرباء وغيرها. وتسعى هذه الموجه من جانب الشركات المصرية لاستفادة من ظروف التحول الإيجابي الذي يشهده الاقتصاد السوري في هذه المرحلة لا سيما بعد انفتاح هذا الاقتصاد على الاقتصاد العالمي وما يتمتع به من مرونة التشريعات الحاكمة للنشاط وتحفيزها للاستثمارات العربية على وجه الخصوص وكذلك احتياج السوق السورية لعشرات المشروعات الجديدة بعد أن عانى الاقتصاد هناك حالة عزلة وانغلاق لفترة طويلة. ويضاف إلى ذلك تشابه الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبيئة العمل بين مصر وسوريا، الأمر الذي شكل حافزاً إضافياً للمستثمرين للتوجه إلى هناك بالإضافة للربحية الكبيرة التي يمكن أن تحققها هذه المشروعات مقارنة بأسواق إقليمية أخرى نظراً للقدرة الاستيعابية العالية من جانب الاقتصاد السوري. وتضم قائمة المشروعات والشركات المصرية التي بدأت تنفيذ خطط الوجود في السوق السورية عبر الحصول على التصاريح اللازمة كل من بنك مصر، الذي يعد حالياً أوراق تأسيس بنك تابع له في سوريا برأسمال مدفوع قدره 220 مليون دولار، ومن المقرر أن يدخل هذا البنك الخدمة مطلع العام المقبل. أما البنك الأهلي المصري، أكبر بنوك القطاع العام حجماً، فقد انتهى من دراسة إنشاء مكتب تمثيل له في السوق السورية تمهيدا لافتتاح فرع له هناك بعد فترة محدده من الوجود ودراسة السوق ورصد الفرص الاستثمارية المتاحة هناك وبدأ البنك إجراء الاتصالات مع البنك المركزي السوري للحصول على التراخيص اللازمة لافتتاح مكتب التمثيل خلال فترة وجيزة. وقررت شركة تنمية التابعة لمجموعة القلعة الاستثمارية اتخاذ السوق السورية بوابة انطلاق إلى عدد من الأسواق العربية المجاورة، حيث أنهت الشركة مؤخرا مفاوضاتها مع أحد الشركاء المحليين هناك تمهيدا لافتتاح بنك تابع لها في السوق السورية وسيكون بمثابة مصرف اجتماعي متخصص في تقديم التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر في كافة المحافظات السورية ويبدأ البنك عمله خلال الشهور القليلة القادمة بعد أن تحدد رأسماله بنحو 5 ملايين دولار مدفوعه بالكامل. وبدأت مجموعة عامر الاستثمارية تنفيذ مشروعها العقاري والسياحي الضخم بمدينة طرطوس السورية والبالغ تكلفته الاستثمارية نحو مليارى دولار ويحمل اسم بورتو طرطوس وهو مشروع مشابه لمشروعات الشركة في مصر والتي تحمل أسماء بورتو مارينا و بورتو السخنة ومن المنتظر الانتهاء من تنفيذ المشروع بالكامل خلال العام 2012 وبتمويل ذاتي بالكامل حيث لم تحصل الشركة المالكة على أي قروض من البنوك السورية لتنفيذ مشروعها هناك. أما شركة بايونيرز القابضة فقد قررت الوجود المبكر في السوق السورية ومنذ أكثر من عامين حيث افتتحت شركة تداول أوراق مالية تابعة لها هناك للعمل في بورصة دمشق وتستعد الشركة في هذه المرحلة لتوسيع نشاط شركة السمسرة التابعة لها بحيث تصبح بمثابة بنك استثمار يقدم خدمات مالية متكاملة من إدارة محافظ وصناديق وإدارة عمليات طرح عام في البورصة وضمان تغطية اكتتابات وغيرها من العمليات المالية اللازمة لنمو نشاط أسواق المال. ووجدت المجموعة المالية هيرمس القابضة في السوق السورية منذ أقل من ثلاثة أشهر عبر إنشاء شركة صغيرة الحجم هناك بالتعاون مع إحدى الشركات السورية بينما تخطط الشركة لعملية توسع ضخمة تشمل عملياتها في سوريا ولبنان والأردن على أن تنشئ إدارة إقليمية لعملياتها في الأسواق الثلاث تتخذ من بيروت مقرا لها مثلما هو الحال في عمليات “هيرمس" بمنطقة الخليج العربي والتي تتخذ من دبي مقرا لها. أما شركات القطاع العام الحكومية فقد استندت لزيارات وجهود ترويجية ضخمة قام بها الدكتور محمود محي الدين وزير الاستثمار المصري في الفترة الماضية لفتح آفاق وأسواق جديدة أمام الشركات الحكومية بهدف توسيع نشاطها والحصول على فرص عمل واستثمار جيدة لاسيما في مشاريع البنية الأساسية من إنشاء طرق وكبار وموانئ ومحطات كهرباء ومياه وصرف صحي وغيرها خاصة بعد إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مصر وهو القانون الذي يهدد فرص الشركات الحكومية في الحصول على نصيب جيد من كعكة مشروعات البنية التحتية في السوق المصرية الأمر الذى يجعل من توجه هذه الشركات إلى الأسواق الخارجية أمرا حتميا في المستقبل. وتؤكد الدكتورة سوزان حمدي، رئيس قطاع الاستثمار في بنك مصر، أن بنك مصر قرر التوجه للسوق السورية بناء على دراسات جدوى ترى أن فرص النمو هناك قوية خاصة مع زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين فضلا عن أن بنك مصر لديه وحده تابعة له في لبنان وهناك ارتباط بين السوقين اللبنانية والسورية وبالتالي فإن بنك مصر لديه سابق خبرة بمثل هذه الأسواق. وأوضحت أن المرحلة التي تمر بها السوق المصرفية السورية هي نفسها المرحلة التي مرت بها السوق المصرفية المصرية منذ ثلاثين عاما ومن ثم فإن سوريا تحاول جذب بنوك عربية وأجنبية من خلال تذليل جميع الصعوبات التي من الممكن أن تواجه البنوك بالإضافة إلى توفير كل مقومات النجاح لهذه البنوك والشركات لتكوين سوق مصرفية قوية يمكنها المنافسة في السنوات المقبلة. مؤكدة أن وجود البنوك المصرية في السوق السورية من شأنه زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين والبالغ حاليا نحو 1.5 مليار دولار سنوياً. ويشير حازم مدني، العضو المنتدب لشركة “تنمية" لتمويل المشروعات الصغيرة، إلى أن قرار الشركة بدخول السوق السورية قرار استراتيجي يستند لخطة التوسع الإقليمي التي تعتزم الشركة تنفيذها في عدد من الأسواق العربية في المرحلة المقبلة وأن اتخاذ سوريا نقطة انطلاق لهذا التوسع يعود إلى الجاذبية الاستثمارية التي تتمتع بها السوق السورية في هذه المرحلة والفرص الكامنة بها لاسيما في مجال المشروعات الصغيرة إلى جانب تشابه الظروف الاقتصادية والاجتماعية مع أوضاع السوق المصرية مما يعني إمكانية نقل تجربة شركة “تنمية" من السوق المصرية إلى السوق السورية حيث تتوفر مقومات صناعة تمويل المشروعات الصغيرة وبالتالي عوامل نجاحها هناك. وأوضح حازم مدني أن خطة عمل الشركة في السوق السورية سوف تتوزع جغرافياً على معظم المحافظات هناك عبر شبكة فروع تغطي كافة أنحاء القطر السوري وكذلك تقديم حزمة من الخدمات المالية للعملاء تشمل التمويل المباشر وخدمات التأمين والتأجير التمويلي وغيرها من الأنشطة التي سوف تتضمنها رخصة تشغيل المصرف الاجتماعي الذي نؤسسه حالياً هناك بالتعاون مع أحد الشركاء المحليين ويبلغ رأسماله المبدئي 5 ملايين دولار وسوف يتم زياداتها مع نمو حجم الأعمال.