حول طاولة في مقهى بالقاهرة دار حديث حماسي عن ثورة مصرية سلمية جديدة. لكن من يستمع إلى حديث محمود بدر وغيره من الشبان الذين قادوا حملة لجمع توقيعات من المواطنين تدعو إلى سحب الثقة من الرئيس قد يخلص إلى أنه أمام مجموعة من الحالمين اليائسين. غير أنهم نجحوا في ذلك من قبل - كانوا شبانا قاهريين في العشرينات من العمر تماما مثل هؤلاء يرتدون أحذية خفيفة وقمصانا قطنية ويتصفحون حواسبهم اللوحية ويدخنون سجائر مارلبورو المنخفضة القطران ويحتسون القهوة التركي على بعد أمتار من ميدان التحرير. ففي عام 2011 دفع هذا الجيل المسلح بالفيسبوك المصريين من كل الأعمار والخلفيات إلى احتجاج أذهل العالم وأطاح "بالفرعون" حسني مبارك. هل يستطيعون أن يفعلوها ثانية؟ هل يمكنهم دفع الملايين للعودة إلى الشوارع اعتبارا من يوم الأحد وإجبار الرئيس محمد مرسي على التنحي ربما بوكزة من الجيش؟ هل يمكنهم إنهاء حكم الإسلاميين الذين يشعر بدر وأصدقاؤه أنهم اغتصبوا ثورتهم بعد عامين فقط من نجاحها في إنهاء نظام مبارك؟ بدر يؤمن بذلك رغم أنه يهز رأسه من حين لآخر غير مصدق أن ما بدأه كحديث عفوي مع أصدقائه قبل شهرين تحول إلى حملة احتجاج هائلة تدعم خروج مظاهرات حاشدة في أنحاء البلاد اعتبارا من الأحد وأثارت قلقا جديا لدى الرئيس وحلفائه. وقال بدر (28 عاما) وهو محرر صحفي وتلفزيوني متحدثا لرويترز "ليس لدي أي شك اننا سننجح بعدما رأيناه في حملة جمع التوقيعات التي استطعنا أن نجمع فيها ملايين التوقيعات من الناس في وقت قليل جدا." وتابع قائلا "سنتمكن من دفع الناس للتظاهر يوم 30-6 وفي الآخر سنجبر مرسي أن يعمل ما نريد.. الموضوع كله مسألة وقت." ويرفض مرسي -الذي سيتم يوم الأحد القادم عاما في منصبه- المحاولات التي تسعى إلى الإطاحة به كرئيس باعتبارها محاولات غير ديمقراطية وهو رأي عبر عنه آخرون على نطاق واسع من بينهم قائد الجيش ومتشددون إسلاميون سابقون والسفيرة الأمريكية في القاهرة. ويجلس بدر مع زملائه في جروبي وهو مقهى شهير في وسط القاهرة يقع قرب مقر حملتهم. وكان للمقهى نصيب من الغليان الثقافي والمؤمرات السياسية منذ زمن الاستعمار. لكن سحره المتلاشي ينم عن الركود وخيبة الأمل في عهد مبارك وهما من العلل التي فشل الربيع العربي في علاجها. واقترح بدر ما بدا أول الأمر فكرة ساذجة بدافع الإحباط من أن جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي لا تقدم إصلاحا ومن أن أحزاب المعارضة الرئيسية لن تصل إلى شيء بعد أن فشلت في عدد من الانتخابات. ويتذكر بدر إنه وأصدقاءه قالوا في أحد أيام نهاية ابريل نيسان "قلنا لأنفسنا لماذا لا نتمرد؟." وفي أول مايو آيار -وبعد ثلاثة أيام من طرح الفكرة- بدأوا حملة "تمرد" التي حملت أيضا المرادف باللغة الإنجليزية لكلمة تمرد. وانتشر بدر -وهو ابن ناشط حقوقي- وأصدقاؤه ومعارفهم الذين دفعوا من جيوبهم تكلفة طباعة الأوراق على نواصي الشوارع. وطلبوا من الناس توقيع عريضة "لسحب الثقة" من مرسي والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة. قال بدر "قررنا أن نعتنق فكرة التمرد السلمي وكل آلياتنا كانت الورقة والقلم." وسرعان ما تحولوا إلى حديث مصر. وتطوع نحو 12 ألف شخص لجمع التوقيعات. وقالوا هذا الأسبوع إنهم جمعوا أكثر من 15 مليون توقيع جميعها مرفق معها الرقم القومي الخاص بكل شخص من الموقعين. وبالرغم من صعوبة التحقق من صحة هذا الرقم إلا أنه يزيد مليونين عن عدد من انتخبوا مرسي قبل عام. وقال وليد المصري (26 عاما) وهو عاطل درس علوم الكمبيوتر وشارك في اطلاق حملة تمرد "جعلنا الناس تحس أن الخيال ممكن يصبح حقيقة لأننا بجد أحسسنا بأن ما نعمله وما عملناه من القلب وعن اقتناع فالناس صدقتنا." ويتذكر المصريون جيدا كيف أن دعوة للتجمع في يوم 25 يناير كانون الثاني 2011 انتهت بالإطاحة بمبارك بعد 18 يوما مما يضفي مصداقية على آمال تمرد في بداية جديدة. وقال بدر "30-6 ليس شيئا جديدا إنه استكمال لثورة 25 يناير كي نرجعها على المسار...(لكن) هذه المرة لن نستسلم قبل أن نرى تغييرا." ولم يتضح بعد ان كانت خيبة الأمل في مرسي ستؤدي إلى تشكيل حكومة منتخبة متماسكة. وسرعان ما تلاشت دعوات مماثلة لحركات احتجاج شبابية في العامين المنصرمين. وينظم مؤيدو مرسي استعراضات للقوة وحذر الجيش الطرفين مطالبا بالابتعاد عن العنف. وقال بدر الذي حصلت حملته على دعم تنظيمي من أحزاب يسارية وليبرالية إن حملته لا تسعى "للعنف ولن تسمح به.. سنخرج حاملين كروت (بطاقات) حمراء وصفارات لنقول لمرسي أن يمشي هذا كل ما سنفعله." ولم يقترحوا اسما آخر يحل محل مرسي. وقال بدر إن الرئيس يمكنه خوض الانتخابات مرة أخرى. وبدر نفسه أعطى صوته لمرسي في جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة العام الماضي بدلا من تأييد منافسه الذي كان آخر رئيس للوزراء في عهد مبارك. وصوت في الجولة الأولى لمرشح إسلامي معتدل. والخطة هي خروج الملايين إلى الشوارع في أنحاء مصر يوم الأحد وبقائهم في الشوارع ودعمهم بالطعام والخيام. وتقترح الحملة تشكيل حكومة كفاءات مؤقتة ومجلس عسكري مدني لإدارة شؤون البلاد إلى أن تجرى انتخابات. وقال بدر إنه قد يخوض انتخابات الرئاسة هو نفسه في يوم ما مشيرا إلى أنه يتعين عليه الانتظار ريثما يبلغ 40 عاما حسبما يقضي القانون. وقال "نريد مصر حرة.. مصر لكل المصريين بما فيهم الإسلاميون.. نريد مصر ديمقراطية تحكم بالقانون." وهذه هي المشاعر التي سمعتها الثريات المتربة في جروبي مرات عديدة من قبل في القرن الماضي. لكن ألا يخشى بدر وأصدقاؤه على أنفسهم إذا فشلت حملتهم؟ قال بدر "حتي لو الحكومة قبضت علينا أو قتلتنا.. فكرتنا لن تموت أبدا غيرنا سيكمل المشوار." وأضاف "نحن مؤمنون أن الارض فيها ما يستحق أن نحارب ونموت من أجله." (إعداد أشرف راضي للنشرة العربية - تحرير عماد عمر) من ياسمين صالح وألستير ماكدونالد