تحت اشجار الدلب الكبيرة في حديقة "جيزي بارك" مركز الاحتجاجات في اسطنبول، تسير الانتفاضة في وجه حكومة رجب طيب اردوغان في اجواء احتفالية: اذ ينتقل الشبان من المشاركة في حصص لليوغا الى مشاهدة افلام على شاشات كبيرة، وسط رائحة اللحم المشوي وعلى وقع قرع الطبول. هنا، يدور شبان اتراك ممسكين بايدي بعضهم ضمن حلقات مطلقين اناشيد الفرح. وهناك، يستريح آخرون قرب احدى الخيم وتنبىء وجوههم الشاحبة بقلة النوم. ويقوم البعض بتوزيع السندويشات المجانية على الموجودين. وعند رؤية هؤلاء المتظاهرين منهمكين بالرقص والغناء والاكل والقفز على الحبل، من الصعب تصور انهم المحركون الرئيسيون لاكبر حركة احتجاجية تشهدها تركيا منذ سنوات. ومنذ حوالى اسبوع، تحولت حديقة "جيزي بارك" مسرحا لمواجهة كبيرة بين شبان اتراك يحكم على تحركهم التوق الى الليبرالية وحكومة اردوغان الاسلامية المحافظة الموجودة في السلطة منذ 11 عاما. كذلك تدور الحركة الاحتجاجية في ساحة تقسيم المحاذية للحديقة والتي تعتبر مركز جذب للسياح لقربها من جادة الاستقلال القريبة. وتقول الشابة التركية بيرين "لا انام. الاجواء جنونية"، وذلك بعد مشاركتها في حصة لليوغا على ابسطة باللون الاحمر القرمزي. وتضيف "نشعر حقا بالغضب، لكنني اليوم هادئة. كان هذا جيدا". وعلى مقربة من هنا، تغطي خيم العشب الاخضر للحديقة. اما المحتجون فيتجمعون فوق كل متر مربع من الاسمنت. وفي الجهة المقابلة من الحديقة يمكن سماع الحان اغنية "بيلا تشاو" التي استخدمت كنشيد لمقاومة الناشطين الايطاليين في اربعينيات القرن الماضي وقد تم تعديل كلماتها لانشادها باللغة التركية. ووصلت طلائع المتظاهرين الاسبوع الماضي للاحتجاج على اقتلاع اشجار في اطار احد المشاريع العديدة لحكومة اردوغان الذي شغل في السابق منصب رئيس بلدية اسطنبول. وبعد محاولة شرطة مكافحة الشغب قمع الاحتجاجات باستخدام قنابل الغاز المسيلة للدموع في 31 ايار/مايو، نزل الاتراك الى الشارع باعداد كبيرة لدعم الشبان المحتجين. واتسعت رقعة الاحتجاجات بسرعة كبيرة لتطال سائر انجاء البلاد، وبات المتظاهرون يطالبون بتنحي رئيس الوزراء التركي. واصبحت حديقة "جيزي بارك" ملتقى للشبان الراغبين في التعبير عن سخطهم من التوجه الاسلامي لحكومة اردوغان، كما تضم اكشاكا لتقديم السندويشات للجائعين بعد التظاهرات التي باتت متنفسا لهؤلاء الشبان يعبرون فيها عن ارائهم. ويقول يلمظ كوك (35 عاما) مدخنا سيجارة بالقرب من صديقته المحامية ديليك كافتاسي البالغة 28 عاما "هذا الامر اشبه بالمعرض". ويتحدث يلمظ في هذا السياق عن سكان في المنطقة "يعرضون (على المتظاهرين) الاستفادة من شققهم للاستحمام او النوم". ويدير يلمظ مع صديقه ديليك مخازن هبات الاغذية والادوية المستخدمة في معالجة المتظاهرين بعد المواجهات مع الشرطة. ويقوم شاب باظهار كدمات تسببت بها قنبلة غاز مسيلة للدموع اطلقتها الشرطة. ويضيف يلمظ "البعض يصابون بضيق في التنفس، لذا لدينا عبوات من الاكسجين". وللاخرين، هناك سندويشات بالجبنة والطماطم. وتقول احدى النساء اللواتي يقدمن السندويشات للمتظاهرين "لقد اتيت لدعم الشبان. يمكنني ان اكون اما لهم". وتضيف "اعاني مشاكل في الرقبة وطلب مني الطبيب ملازمة المنزل لكنني لم استطع البقاء في منزلي. لقد قلت لنفسي ان علي المساعدة". وعلى مقربة من هذا المكان، يلعب شبان القفز على الحبل في حين يأسر احد الفنانين اهتمام جزء من الحشود من خلال قيامه بتصوير تسجيلات لهم. وفي احدى الزوايا، جلس زوجان لمشاهدة افلام على شاشة عملاقة. وفي الشوارع المحيطة عوائق وحافلات متروكة محطمة الزجاج تم تغطية حطامها برسوم. كما يقوم السياح بالتقاط صور لهم في المكان. وداخل الحديقة، يقوم الشبان بالرقص والتصفيق للاغنيات التي يستمتعون بها. ويقول درويش اكتوغ (30 عاما) "انهم يتسلون كثيرا"، مضيفا "هكذا ينبغي أن تجري الأمورعلى الدوام".