يستدعي المشهد ذكريات الحرب الموجعة إذ يقف البوسني الواهن سنايد ريبيسا في البرد القارس بمدخل ثكنة عسكرية سابقة تحولت إلى مطعم يقصده الفقراء. ومثلهم مثل ريبيسا الطاعن في السن يعتمد حوالي 600 شخص من سكان بلدة موستار بجنوب البوسنة على اثنين من المطاعم العامة لتناول وجبة ساخنة ورغيف خبز كل يوم. ريبيسا من قدامى المحاربين في صراع البوسنة الذي دار من 1992 إلى 1995 ويعيش مع شقيقيه عاطلين مثله. وقال عن المطعم "لولا هذا لمتنا جوعا." وقد ينقطع شريان الحياة هذا خلال أسابيع بسبب أعضاء مجلس البلدة المتناحرين من المسلمين والكروات. بلدة موستار التي اصابها التسييس بالشلل دخلت عام 2013 بدون ميزانية لتمويل مطاعم الفقراء أو رياض الأطفال أو لدفع رواتب رجال الإطفاء أو لتدفئة المدارس. ومع نفاد الأموال تتصاعد التوترات. كان القتال بين المسلمين -المعروفين باسم البوشناق- والكروات في موستار من أشرس ما شهدته الحرب التي قسمتهم على ضفتي نهر نيريتفا. والاتفاق الذي أنهى الصراع أدى إلى اتحاد صعب بين اثنتين من مناطق الحكم الذاتي هما جمهورية الصرب واتحاد المسلمين والكروات. ويدار هذا الاتحاد بين المنطقتين بنظام حصص عرقية أعاق التنمية الاقتصادية وعرقل تقدم البلاد نحو عضوية حلف شمال الاطلسي والاتحاد الأوروبي. ولم يقدم السلام شيئا يذكر للمصالحة بينهما. واختلف الجانبان لأشهر بشأن كيفية إصلاح الإجراءات الانتخابية في موستار مما تسبب في تأجيل انتخابات محلية جرت في باقي أنحاء البلاد في أكتوبر تشرين الأول الماضي. وفشل المجلس المحلي في اعتماد ميزانية عام 2013 . وفي نوفمبر تشرين الثاني الماضي اتخذ أعضاء المجلس خطوة مشكوك فيها قانونيا إذ صوتوا لتمديد ولايتهم في حالة عدم إجراء انتخابات. وعندما كشفت مراجعة محاسبية عجزا أكبر مما كان متوقعا في الخزينة العامة صوت أعضاء المجلس من البوشناق بدون الكروات الأسبوع الماضي على تدبير تمويل "مؤقت" للربع الأول من عام 2013 لتغطية النفقات. ويقول مراقبون إن هذا وضع لا يمكن أن يستمر رغم أنه صورة مصغرة تماثل في أوجه كثيرة فشل المؤسسات وتعثر التنمية في البوسنة. وقال الأمريكي رودريك مور نائب كبير مراقبي السلام في البوسنة والوسيط بين أعضاء مجلس البلدة المتناحرين "أعتقد أن الوضع في موستار خطير جدا." وبينما تستعد جارتها كرواتيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في أول يوليو تموز تضرب موستار مثالا قاتما لمدى التراجع الذي تشهده البلاد. قال فاروق كايتاز رئيس تحرير موقع (ستاروما دوت با) المستقل المعني بالشؤون الجارية في موستار "هناك تكتلان متخندقان يتشبثان بوجهات نظر متعارضة... لن يتفقا ابدا." ويعوق التناحر السياسي والعرقي تنفيذ حكم للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من شأنه إلغاء حكم يقصر المناصب العامة العليا على أبناء المجتمعات المحلية من البوشناق والصرب والكروات ويرى البعض انه ينطوي على تمييز. وبدون هذا التغيير لا يمكن للبوسنة التقدم بطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وبين عامي 2010 و 2012 ظلت البوسنة 14 شهرا بلا حكومة مركزية مع تصارع القادة المتنافسين على تشكيل ائتلاف. وفي يوليو تموز باتت كرواتيا ثاني جمهورية يوغوسلافية سابقة بعد سلوفينيا تنضم للاتحاد الأوروبي. وبدأت جمهورية الجبل الأسود محادثات الانضمام للاتحاد العام الماضي بينما تأمل صربيا القيام بنفس الشيء هذا العام. وقال مفوض شؤون توسعة الاتحاد الأوروبي ستيفان فول للمجلس الأوروبي الشهر الماضي إن فكرة قيام الاتحاد الأوروبي "بتخفيف معاييره في نهاية المطاف" كي تتقدم البوسنة بطلب الانضمام للاتحاد "خرافة". وانفقت البوسنة حوالي تسعة مليارات يورو من المساعدات الخارجية للتعافي من اثار الحرب لكن بلدة موستار التي يقطنها 70 ألف نسمة لم تنضو تحت لواء المصالحة حتى الآن. ولا يزال كل جانب لديه شبكة كهرباء خاصة به وكذلك شبكة هاتف وخدمات بريدية ومرافق وجامعة خاصة. ويدرس التلاميذ الكروات والبوسنيون في فصول منفصلة ومن كتب مختلفة. ويريد أغلبية الكروات البلدة موحدة. ولا تظهر أي علامة على حل النزاع ويقول المراقبون الغربيون للسلام في البلاد انهم لن يتدخلوا مما يعكس نهجا يميل إلى عدم تدخل القوى الأجنبية في السنوات الأخيرة. وقال الزعيم السياسي الكرواتي سلاديان بيفاندا "خلال شهور قليلة ستكون موستار على بعد 40 كيلومترا فقط من الاتحاد الأوروبي وعلينا أن نتجه إلى أوروبا الحديثة لا أن نعود إلى العصور الوسطى." وأضاف أن رئيس بلدية موستار وهو كرواتي ربما يفرض ميزانية 2013. ويشكو السكان الساخطون من أن الحديث عن حماية الحقوق يخفي معركة مكشوفة على السلطة وشبكات الرعاية المربحة التي يقدمها مثل هذا النظام الحكومي اللامركزي والمنقسم في موستار وفي البوسنة بأسرها. وفي يناير كانون الثاني اتخذ الأمر منحى العنف عندما انفجرت قنبلة فأسقطت نصبا تذكاريا لقتلى الحرب من جيش البوسنة الذي كان يغلب عليه المسلمون. شيد النصب التذكاري المصنوع على شكل الزنبق من الرخام الرمادي العام الماضي فقط بعدما ثار جدل عندما كشف الكروات عن نصب تذكاري لموتاهم. وضع النصبان التذكاريان أمام مجلس المدينة الذي تم تجديده في الآونة الأخيرة. وقال ألين كايتاز أمين منظمة الصليب الأحمر التي تشرف على مطاعم الفقراء انه يخشى المستقبل. وأضاف "أكبر مشكلة في موستار هي الصراع على المناصب... عندما تنتهي المجادلات سيبدأون في وضع القنابل." من داريا سيتو سوتشيتش (إعداد محمد اليماني للنشرة العربية - تحرير أمل أبو السعود)