قال المفتش الأمريكي العام حول العراق، ستيوارت بوين، في تقريره ربع السنوي الأخير، إن العراق شهد عاما مليئا بالمصاعب بعد مرور عام على انسحاب القوات الأمريكية منه، بدليل عودة العنف وانتشار الفساد الرسمي ثم حالة الخوف والترقب مما سيؤول إليه الوضع في سوريا. فقد ارتفع العنف في الربع الثالث من هذا العام المنتهي بشهر سبتمبر/أيلول الماضي، إلى مستويات لم يشهدها البلد لأكثر من عامين، إذ قتل ما لا يقل عن 854 مواطنا عراقيا بينما جرح أكثر من 1640 شخصا في أعمال العنف. وفي شهر سبتمبر/أيلول وحده، بلغ عدد ضحايا العنف، بين قتيل وجريح، 1048 شخصا، وهو الشهر الأكثر دموية منذ عام 2010. ويضيف التقرير أنه رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها البلد فإن الاقتصاد العراقي قد تحسن إذ ارتفع انتاج الكهرباء إلى أرقام قياسية، وأعلى انتاج للنفط منذ عام 1990، إذ بلغ الانتاج ثلاثة ملايين برميل يوميا. ويقدم تقرير المفتش العام الأمريكي تقييما مستقلا للمشاكل والتقدم في العراق، ويأتي التقرير قبل أسبوع من الانتخابات الأمريكية، وبعد حملة انتخابية ناقش فيها المرشحان الرئاسيان، باراك أوباما وميت رومني، بقوة واختلفا حول توقيت ومدى انسحاب الجنود الأمريكيين من العراق الذي تم في ديسمبر/كانون الثاني من عام 2011. فقد وفى الرئيس أوباما بوعده في حملته الانتخابية لعام 2008 بإنهاء الحرب في العراق التي بدأت في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش وإعادة الجنود الأمريكيين إلى بلادهم، بينما ألقى رومني باللائمة على الرئيس لفشله في التفاوض مع العراق حول اتفاقية سحب القوات التي كان يجب أن تسمح، حسب رأيه، ببقاء عدة آلاف من الجنود الأمريكيين في العراق للمساعدة في إرساء دعائم الاستقرار العراق وتدريب قواته. وتعتبر تقارير بوين ربع السنوية التقيميات المتوفرة الوحيدة المنتظمة للأوضاع في العراق بعد الغزو الأمريكي له والذي نتج عنه مقتل 4488 عسكريا ومدنيا وجرح 32220 آخرين، استنادا إلى أرقام وزارة الدفاع الأمريكية. بينما قُتل ما يقارب 120000 مدني عراقي استنادا إلى تقديرات جامعة براون لعام 2011. وإضافة إلى الخسائر البشرية، فقد كلفت الحرب في العراق 725 مليارا دولار، استنادا إلى بيانات وزارة الدفاع التي لا تشمل تكاليف وزارة الخارجية ووكالة المخابرات الأمريكية ومدفوعات الإعاقة الدائمة التي نتجت عن الحرب. وتقول أيمي بيلاسكو، وهي محللة درست تكاليف الحرب نيابة عن مكتب خدمة البحث غير الحزبي التابع للكونغرس، إن تقديرات البنتاغون لا تدخل في حسابها ما يقارب 100 مليار لأنها لا تعتبرها متعلقة بالحرب . واستنادا إلى تقرير بوين فإن الولاياتالمتحدة قدمت 60.5 مليار دولار حتى سبتمبر/أيلول الماضي لنشاطات الإغاثة والإعمار. وكتب بوين أن الأمن في العراق قد تدهور كثيرا في العام الماضي وسط أنباء إعادة تنظيم القاعدة نشاطه في البلاد. ويقول مسؤولون في المخابرات الأمريكية إن هناك الآن في العراق ما لا يقل عن 2500 عضو في منظمة القاعدة - العراق، وهي جماعة متحالفة أيديولوجيا مع بقايا منظمة القاعدة التي كان يقودها بن لادن في باكستان، لكنها غير مرتبطة ارتباطا وثيقا بها، وهؤلاء يعيشون ويتدربون في خمسة معسكرات في محافظتي الأنبار وصلاح الدين اللتين تقطنهما أغلبية سنية. ويقول ضباط المخابرات الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن أسمائهم، إن عدد المقاتلين المنتمين إلى القاعدة في العراق أثناء مغادرة القوات الأمريكية العراق في أواخر عام 2011، كان أقل من 800 مقاتل. وفي يونيو/حزيران من عام 2011 قال جون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي، أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة للكونغرس، إن هناك ألفا من أعضاء تنظيم القاعدة ما يزالون في العراق . ويقول تقرير بوين إن العراق شهد العديد من التفجيرات المتواصلة في معظم أنحاء البلاد في الربع الثالث من العام، بالإضافة إلى حملة إغتيالات وهجمات يومية صغيرة معظمها في محافظات بغداد والأنبار وديالى ونينوى. لقد تزامن العديد من الهجمات القاتلة مع يوم التاسع من سبتمر/أيلول وهو يوم الحكم على نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، وهو شخصية سياسية سنية كان قد فر من بغداد في وقت سابق. وقد حكمت عليه المحكمة الجنائية لمركز بغداد غيابيا بالإعدام. ونقلت وكالة رويترز أن دولة العراق الإسلامية ، وهي فرع تنظيم القاعدة في العراق، قد قالت في بيان لها نشر على موقع لإحدى الجماعات المتشددة، إن الهجمات التي قتلت عددا من الأشخاص خلال اليومين الماضيين كانت ردا على اعتقال النساء السُنِّيات في محاولة للضغط على أقاربهن المطلوبين لقوى الأمن العراقية بتسليم أنفسهم. وفي القسم الخاص بالفساد، قال بوين إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس مجلس القضاء الأعلى قد قالا إن الفساد لا يزال يشكل مشكلة رغم أن الاثنين قد قالا إن تفشي الفساد بشكل واسع أمر مبالغ فيه . غير أن منتقدي الحكومة قالوا للمفتش العام الأمريكي إن الفساد الآن هو أسوأ من أي وقت مضى . وينقل تقرير بوين أن عبد الباسط تركي، المحافظ المؤقت للبنك المركزي العراقي، قوله إن هناك تهريبا لمبالغ هائلة بالدولار الأمريكي من العراق، ومعظم ذلك قد تم عبر عمليات غسيل أموال وهذا دليل على اتساع الفساد . ويقول المسؤول المالي العراقي إن هناك ما يقارب المليار دولار يغادر العراق أسبوعيا، وإن 80% منه يتم عبر وثائق مزورة تخفي الأهداف الحقيقة للتحويل. ويذكر التقرير أن علاقة الأمريكيين مع حكومة المالكي، التي يهيمن عليها الشيعة، قد توترت بعض الشيء في العام الماضي بسبب تنامي علاقاها مع إيران. فكلا النظامين، العراقي والإيراني، يؤيدان الرئيس السوري بشار الأسد الذي يحارب متمرديين معظمهم سنة يسعون للإطاحة به وتؤيدهم الولاياتالمتحدة ووحلفاؤها الأوربيون وتركيا ودول الخليج العربية مثل السعودية وقطر. ويقول التقرير إن تدهور الاوضاع على الحدود السورية العراقية أدى إلى تدفق اللاجئين السوريين إلى العراق والذين بلغ عددهم 39036 بالإضافة إلى عودة العراقيين الذين كانوا يعيشون في سوريا. ومما أضاف إلى التوتر بين العراق والولاياتالمتحدة، حسب التقرير، هو صفقة السلاح التي أبرمها العراق مع روسيا لشراء ما قيمته 4.2 مليار دولار من الأسلحة الروسية، وقد بدأت الأسئلة تطرح حول ضعف علاقة العراق بالولاياتالمتحدة. وكانت روسيا المجهز الرئيسي للأسلحة في العراق في عهد الدكتاتور الراحل صدام حسين، أي أنها مألوفة لدى العراقيين. وقال فاتح بيرول، كبير الاقتصاديين في وكالة الطاقة الدولية، في مؤتمر صحفي عقده في واشنطن يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول، إن 30% من حقول النفط الجديدة في العراق تمولها الصين أو تشترك بها بطريقة أو بأخرى، حسب ما ذكرته مؤسسة بلومبيرغ. ويذهب حوالي نصف صادرات العراق من النفط إلى الأسواق الآسيوية ومن المرجح أن يزداد هذا إلى 80% خلال العقدين المقبلين. وقال تقرير لوكالة الطاقة الذرية صدر يوم 9 أكتوبر/تشرين الثاني إن انتاج العراق من النفط سيتضاعف إلى 6 مليون برميل في اليوم بحلول العام 2020 ثم إلى 8.3 مليون برميل في اليوم بحلول العام 2035. لايزال التوتر قائما بين اقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد برئاسة المالكي حول كيفية تقاسم إيرادات النفط من حقول محافظة كركوك. وقد تفاوض المسؤولون الأكراد بإنفراد مع شركات النفط الأجنبية وعقدوا معها صفقات. وكان العراق قد تجاوز بإنتاجه النفطي إيران الشهر الماضي ليصبح ثاني أكبر منتج للنفط بعد السعودية في منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك. بينما تراجعت صادرات إيران النفطية نتيجة العقوبات الأمريكية والأوروبية بسبب الملف النووي الإيراني. وبينما ازداد انتاج الكهرباء إلى مستويات غير مسبوقة ، إلا أنه ما زال كافيا لتزويد المواطن العراقي بما يقارب 10-12 ساعة من الكهرباء يوميا لأن الطلب يتجاوز العرض بشكل هائل حسب تقرير بوين. يذكر ان اتفاقية وضع القوات المعقودة بين العراق والولاياتالمتحدة عام 2008 في عهد الرئيس السابق جورج بوش، قد انتهى العمل بها نهاية العام الماضي. إلا أن الكاتبين مايكل غوردون وبيرنارد ترينور، قد قالا في كتابهما المعنون لعبة النهاية ، إن أوباما قد وافق في آب/أغسطس 2011 على مقترح لإبقاء 3500 جندي أمريكي في العراق و1500 جندي آخرين يتنقلون في انحاء البلد بشكل دوري. وقد قُدِّم المقترح، حسب الكتاب، إلى البرلمان العراقي مقترنا بشرط أن يتمتع الجنود بحصانة قانونية من المقاضاة حسب القوانين العراقية، لكن البرلمان لم يوافق على المقترح. ويضيف غوردون وترينور في كتابهما أن الإدارة الأمريكية لم تعتبرعدم قدرتها على الحصول على اتفاقية جديدة تراجعا لأن البيت الأبيض لم يعتبر ذلك مطلبا .