القاهرة - لعل أبرز المشكلات التى أثيرت خلال الأيام الماضية أزمة عمال «سيراميكا كليوباترا»، وشركة «بيريللى»، والذين لجأوا للاعتصام أمام القصر الجمهورى لمطالبة الرئيس الدكتور محمد مرسى بالتدخل لإنهاء مشكلاتهم مع أصحاب المصانع. وبعيداً عن توجيه قيادات حزب الحرية والعدالة اتهامات لأياد خفية تقف وراء هذه الاضرابات لتعطيل خطة الرئيس الجديد وإظهاره فى موقف العاجز عن حل مشكلات البلاد، أو حتى ما إذا كان لهؤلاء العمال الحق فى مطالبهم من عدمه، إلا أن «السلوكيات» المتبعة فى هذه الإضرابات خاصة فيما يتعلق بمحاصرة أصحاب المصانع وتهديد حياتهم وتعطيل الإنتاج اثار تساؤلات حول ما إذا كان لتلك الإضرابات العمالية تأثير محتمل على جذب المستثمرين الأجانب بوجه خاص خلال الفترة المقبلة؟. قال محمد السويدى، وكيل اتحاد الصناعات، إن هناك قنوات شرعية يمكن للعمال اللجوء إليها لاسترداد حقوقهم سواء من خلال مكاتب العمل أو وزارة القوى العاملة، مشيراً إلى أن المشكلة فى «المعتقدات» التى ترسخت لدى العمالة أن المطالبة بالحقوق لا تأتى إلا بالقوة. وطالب السويدى بالإسراع فى وضع قانون جديد ينظم العلاقة بين العمال وصاحب العمل للحد من الاحتجاجات والاعتصامات. قال سيد البرهمتوشى، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، أمين اتحاد المستثمرين: إن القانون المصرى لا يضع حدوداً واضحة للعلاقة بين العامل وصاحب العمل والحقوق والواجبات على كل منهما. أضاف أن العمال «أخطأوا» فى فهمهم للحرية والعدالة الاجتماعية التى نادت بها ثورة يناير، وأنهم يلجأون إلى الاحتجاج والإضراب للمطالبة بحقوقهم ما يؤدى إلى هروب الاستثمارات الأجنبية. وشهدت مصر خلال العام الماضى أعنف موجة من الاحتجاجات العمالية حيث شهد نحو 1586 احتجاجاً عمالياً وهو ما يمثل 3 أضعاف الاحتجاجات التى شهدها عام 2010 التى بلغت 530 احتجاجاً. وتمثلت احتجاجات عام 2011 فى 605 اعتصامات و312 إضراباً و373 تظاهرة و240 وقفة احتجاجية و40 تجمهراً. وحسب أخر المعلومات المتاحة عن الاحتجاجات خلال العام الجارى 2012، فإن شهر فبراير الماضى شهد 192 احتجاجاً، و121 حالة فى أبريل، واستحوذ القطاع الحكومى ما بين إدارات وهيئات وشركات على النصيب الأكبر من هذه الاحتجاجات. قال حمادة القليوبى، رئيس جمعية مستثمرى المحلة: إن المدينة شهدت إضرابات فى نحو 100 مصنع من إجمالى 250 مصنعاً وأن هذه الاحتجاجات والإضرابات أدت إلى تراجع كبير فى الطاقات الإنتاجية للمصانع. وأكد القليوبى أن الإضرابات تسببت فى إغلاق ما يزيد على 42 مصنعاً تركياً للغزل والنسيج على مستوى الجمهورية، استثماراتها تتجاوز 240 مليون جنيه، واتجهت للاستثمار فى دول جنوب شرق آسيا وأوزبكستان. وتوقع القليوبى أن تشهد الفترة المقبلة هروباً للاستثمارات المحلية والأجنبية بسبب هذه الإضرابات، مطالباً بضرورة الإسراع فى إصدار قانون للعمل يحمى المصانع والاستثمارات ويحدد العلاقات بين العمال والمستثمرين. قال يوسف الراجحى، مدير عام شركة «سنتامين – إيجيبت للتعدين»: إن الأزمات العمالية تتفاقم بسبب العلاقة غير الواضحة بين العمال وأصحاب العمل، مؤكداً أن هذه الأزمات من شأنها ضياع المزيد من الاستثمارات الأجنبية التى كانت تهدف للاستثمار فى مجال التعدين. قالت د. أمنية حلمى، المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية: إن الاحتجاجات العمالية ناجمة عن خلل فى العلاقة بين العمال وصاحب العمل والحكومة، والثغرات التى يتضمنها قانون العمل رقم 12 لسنة 2003. وطالبت «حلمى» بتشكيل لجنة من خبراء قانونيين لبحث أوجه الخلل فى القانون ووضع بنود جديدة تضمن حل المشكلات الحالية وتحد من ظاهرة الإضرابات والاحتجاجات. استبعدت «حلمى»، أن تكون تلك التظاهرات الفئوية مجرد بلبلة للرأى العام أو أن العمال يطالبون بحقوق غير مشروعة، مؤكدة أن مطالب العمال جميعاً تدخل فى إطار شرعى، وهى رغبتهم فى تحقيق منظومة العدالة الاجتماعية التى غابت على مدار الأعوام الماضية ابان العهد البائد. طالبت بضرورة إنشاء «ديوان للمظالم» من مجموعة من خبراء الاقتصاد والقانون والشئون الاجتماعية، يتكفل بتلقى شكاوى عمال القطاعين العام والخاص ووضع حلول سريعة لها، يعمل فى استقلالية عن رئيس الجمهورية لضمان عدم عرقلة مسيرة نهضة البلاد والخروج من أزمتها الحالية. أضافت أن التظاهر حق مكفول للجميع بما لا يعطل سير العمل اليومى والإنتاج، خاصة مع تراجع معدلات النقد الأجنبى وارتفاع سعر الفائدة إلى 15% وهو ما يستحيل معه اقتراض الحكومة من الداخل لسد عجز الموازنة، محذرة من ارتفاع معدلات البطالة على 17% من نسبتها الرسمية، نتيجة هروب الاستثمارات المحلية والأجنبية وهو ما ينذر ب «ثورة جياع». واقترحت «حلمى»، أن يُعاد النظر فى العلاقة بين «العامل» و«صاحب العمل» و«الحكومة» لتكون البداية من صاحب العمل الذى يوفر ظروف العمل المناسبة من مرتب لائق لا يقل عن الحد الأدنى الذى تحدده الدولة، والتأمين ضد المخاطر، وأن تتعهد الحكومة بالالتزام بحقوق العاملين فى القطاع العام، باعتبارها أحد أطراف النزاع. قال صابر أبوالفتوح، رئيس لجنة القوى العاملة فى مجلس الشعب الصادر قرار المحكمة الدستورية بحله: إنه يجب الفصل بين اعتصامات العمال والتأثيرات على جذب الاستثمارات، مشيراً إلى أن المستثمرين إذا أعطوا العمال حقوقهم فلن تكون هناك احتجاجات. واستدرك قائلاً: إنه لا يمكن لمستثمر «سرق ونهب وحصل على قروض» لعمل مشروعات استثمارية ثم يرفض حصول العمال على حقوقهم. وأكد أبوالفتوح، أن عمال «سيراميكا كليوباترا» لهم كامل الحق فى مطالبهم، مشيراً إلى أنه تم التفاوض بين العمال ورئيس الشركة فى حضور ممثلى لجنة القوى العاملة وأنه تم توقيع الاتفاق ولم يلتزم به رجل الأعمال محمد أبوالعينين. وأوضح أن هناك «مخططاً» من رجال أعمال الحزب الوطنى للعمل على إفشال مؤسسة الرئاسة عن طريق افتعال أزمات مع العمال لإظهار الدولة فى موقف العاجز عن الحل، وذلك حسب قوله. وقال إن مصر بها الكثير من رجال الأعمال «الشرفاء» والمستثمرون الذين يحترمون القانون والعمال المصريين وينتجون ويكسبون دون مشكلات. وأشار إلى بعض الممارسات الخاطئة فى الإضرابات العمالية مثل عمال شركة «بيرللى»، قائلاً إن العمال يحصلون على جميع حقوقهم ولكنهم يطلبون المزيد، مثلتعيين 3 من أبناء العاملين فى الشركة على مراحل مختلفة. وأشار إلى أن العلاقة بين العامل وصاحب العمل تحتاج لمنظومة تشريعية جديدة تضمن علاقة متوازنة تحقق مصالح الطرفين، لافتاً إلى أن اللجنة وضعت 90 تعديلاً تشريعياً على قانون العمل كانت ستؤدى إلى حلول للكثير من المشكلات الحالية ولكن حكم المحكمة الدستورية بحل المجلس أجل إقرار التعديلات. قال كمال أبوعيطة، رئيس الاتحاد المصرى للنقابات المستقلة: إن الاتحاد وضع آلية للتعامل مع الإضرابات والمطالب المشروعة للعمال تتمثل فى تشكيل لجنة ثلاثية من النقابات وأصحاب العمل والحكومة، مشيراً إلى أنها آلية تطوعية وليست سلطة أو وظيفة ومن الممكن أن يكون لها فروع بالمحافظات. أضاف أن هدف اللجنة حل المشاكل من المنبع عبر الحوار الاجتماعى للحد من الإضرابات والاعتصامات المستمرة، لافتاً إلى أن الإضراب فى الدول الأجنبية يتم عند الوصول لطريق مسدود فى التفاوض بخلاف مصر التى تبدأ فى الإضراب دون الإعلان عن المطالب والحقوق. أشار إلى أن كثرة استخدام الإضراب تقلل من أهميته، لافتاً إلى أنه سلاح ذو حدين ويستخدم عند الضرورة بعد غلق جميع الأبواب أمام المطالب. وقال إننا نعمل على إعادة هيبة الإضراب بوجود اللجنة المختصة بحل المشكلات وفى حال الفشل يتم اللجوء للإضراب، لافتاً إلى أن هناك مدرسة تقول إن «الإضراب الناجح هو الذى لا يتم». قال إن عدم قيام صاحب العمل فى شركة «كليوباترا» باحترام الاتفاق مع العمال يضعه فى خانة المسئولين عن الترويع الأمنى والاقتصادى. وطالب أبوعيطة أصحاب العمل بعدم التعنت مع العمال لأنهم جزء من الإنتاج ولا يمكن الربح بدونهم، مطالباً العمال بتنظيم أنفسهم فى نقابات لكى تدافع عن حقوقهم وتمثلهم فى التفاوض وجعل الإضراب المرحلة الأخيرة التى يلجأ إليها العمال. وأوضح أن قانون الحريات النقابية فى حال صدوره كان سيحد من الإضرابات والاعتصامات لأنه سينتج نقابات مستقلة تعبر عن العمال وتشارك فى حل مشكلاتهم وكان سيؤدى إلى الاستقرار، مشيراً إلى أن المجلس العسكرى رفض إصداره وبعد الثورة حفظ فى مجلس الشعب. قال الدكتور أحمد عبدالظاهر، رئيس اتحاد عمال مصر: إن هناك تصوراً لدى العمال بأن الوقت الحالى هو الأفضل لتحقيق المطالب ودائماً ما يطالبون بأكثر من حقوقهم وطالبهم بالعودة للعمل والإنتاج.