كابول (رويترز) - مع الانسحاب المزمع لمعظم القوات الأجنبية المقاتلة من أفغانستان بحلول 2014 تستخدم ايران أجهزة الاعلام في الدولة التي مزقتها الحرب لكسب النفوذ وهو ما يثير قلق واشنطن. يقول مسؤولون أفغان وجهات اعلامية إن نحو ثلث وسائل الاعلام في أفغانستان مدعومة من ايران سواء ماليا أو من خلال تقديم المحتوى. وذكر مسؤول حكومي كبير تحدث لرويترز بشرط عدم ذكر اسمه مثل غيره في هذا التقرير "ماذا تريد ايران؟ ماذا يسعون لتحقيقه؟ هل قاعدة نفوذ في افغانستان يمكنها أن تجابه النفوذ الأمريكي؟ "دون شك يفعلون ذلك من خلال تمويل اعلامنا وتقديم المساندة له." ويقول داود مراديان المستشار السابق لوزارة الخارجية الذي يدرس الان في الجامعة الأمريكية في كابول إن ايران تنفق 100 مليون دولار سنويا في أفغانستان معظمها على وسائل الاعلام ومشروعات المجتمع المدني والمدارس الدينية. ويضيف "انها تستخدم افغانستان لتبعث برسالة لأمريكا مفادها أنها لن تسمح بالعبث معها. وبالتالي أصبحت افغانستان ساحة حرب موجهة." ولم يتسن الاتصال بمسؤولين في طهران للتعقيب رغم تكرار المحاولة وقالت السفارة الايرانية في كابول إنها غير مستعدة للحديث عن المسائل التي يثيرها هذا التقرير. ويضع الاتفاق التاريخي الذي توصل اليه زعماء دول حلف شمال الأطلسي الأسبوع الماضي في شيكاجو والذي يقضي بتسليم المسؤولية الأمنية للقوات الأفغانية بحلول منتصف العام المقبل الحلف الغربي على طريق "لا رجعة فيه" للخروج من الحرب المستمرة منذ نحو عشر سنوات والتي تتراجع معدلات التأييد لها. ويرى بعض المحللين الأمنيين ان الانسحاب قد يؤدي إلى تكريس زعزعة الاستقرار وبالتالي قد يفجر حربا اهلية وهي فرصة لايران ودول أخرى للتدخل لملء فراغ السلطة الناتج عن ذلك. وحينما انسحب الاتحاد السوفيتي السابق من افغانستان عام 1989 في أعقاب احتلال استمر عشر سنوات وانهيار الحكومة الموالية لموسكو في كابول تحرك جيران افغانستان لتسليح وتمويل وكلاء لكسب نفوذ اقليمي بينما سقطت البلاد قي براثن الحرب الأهلية. ورغم أن العلاقات بين كابولوطهران شهدت تحسنا بين الحين والآخر بعد الاطاحة عام 2011 بحركة طالبان التي خرجت منتصرة من الحرب الأهلية الا ان هذه العلاقات قابلة للاشتعال. وأحدث نقاط الخلاف التوقيع مؤخرا على اتفاقية استراتيجية طويلة الأجل بين الولاياتالمتحدةوافغانستان. ورغم غموض التفاصيل تهدف هذه الاتفاقية الى توضيح الالتزامات الأمنية والمالية الأمريكية حيال افغانستان حتى عام 2024 لاسيما تمويل الجيش الوطني الافغاني الضخم. وتعتبر ايران - التي تدهورت علاقتها المتوترة مع الولاياتالمتحدة بسبب برنامجها النووي - هذا الاتفاق تهديدا. وردت وسائل الاعلام المدعومة من ايران في افغانستان بنشر تقارير تنتقد الاتفاق وهدد سفير طهران في كابول أبو الفضل ظهره وند بطرد مليون لاجيء افغاني من ايران ما لم يتم رفض الاتفاق. وكانت ادارة الأمن الوطني (المخابرات الافغانية) أعلنت عن تدخل ايران المزعوم في الاعلام وقالت إن صحيفة إنصاف الأسبوعية وقناتي تامادون ونور التلفزيونيتين تسلمتا مساعدات مالية من ايران. وقال صحفي ترك مؤخرا العمل في قناة تامادون التي يمتلكها أبرز رجال الدين الشيعة آية الله محمد آصف محسني إنه بينما لم تؤكد القناة حصولها على دعم من ايران فانه "أمر واضح". وقال الموظف البالغ من العمر 23 عاما والذي كان ضمن 200 موظف يعملون في المحطة "راتبي الذي كان 600 دولار في الشهر كان يتذبذب بصورة كبيرة لانه كان يرتبط بالريال الايراني." واستقال الموظف بعد اربع سنوات من العمل في تامادون خشية الوقوع في متاعب مع السلطات الافغانية. وأردف "مكتبنا يغص بملصقات تدعو للاحتجاج ضد الاتفاقية الاستراتيجية مع أمريكا. كنا ندعو محللين موالين لايران لبرامجنا ليقولوا إن ايران هي الطرف الوحيد القادر على مساعدة افغانستان بالغذاء والامدادات." ونفت تامادون مزاعم حصولها على دعم من ايران ووصفته بانه "اهانة". وقال رئيس التحرير محمد رحمتي إن القناة مستهدفة "لأننا نعرض قيم الاسلام الحقيقية ولا نظهر نساء يرقصن شبه عاريات." وكانت افغانستان محورا لتنافس القوى الكبرى على مدى المئتي عام الماضية - احتلال بريطاني فاشل في منتصف القرن التاسع عشر واحتلال روسي فاشل ايضا في ثمانينات القرن الماضي على سبيل المثال - مما أكسبها لقبها التاريخي "اللعبة الكبرى". وبينما تستعد الولاياتالمتحدة للانسحاب من افغانستان يساورها القلق بشأن ظفر ايران بميزة استراتيجية في افغانستان بعدما رأت طهران تحظى بنفوذ في العراق في اعقاب الغزو الامريكي عام 2003. ويقول مسؤولو الاتصالات الحكوميون إن ايران مولت اكثر من نصف عدد المحطات التلفزيونية الارضية والفضائية والاذاعية التي حصلت على رخص للبث في العراق وعددها 171 بينما تدعم الاخرى الولاياتالمتحدة ودول الخليج العربية. وتقوم الاستراتيجية الاعلامية الايرانية على استخدام متعدد الجوانب للقوة الناعمة في افغانستان. ويشترك البلدان في روابط ثقافية ولغوية وتاريخية - فقد كانا لقرون جزءا من الامبراطورية الفارسية القديمة - بالاضافة حدود طويلة يسهل اختراقها. وقالت ايران في 2010 انها قدمت مساعدات رسمية لمشروعات اعادة الاعمار في افغانستان بقيمة نحو 500 مليون دولار. وتبني طهران مدارس دينية للشيعة الافغان الذين يشكلون نحو خمس سكان افغانستان ذات الاغلبية السنية وعددهم 30 مليون نسمة. بل ان ايران ربما تعطي اموالا لنواب بالبرلمان. وقال مسؤول افغاني رفض نشر اسمه لرويترز ان ما يصل الى 44 في المئة من نواب البرلمان وعددهم 249 يشتبه بتلقيهم اموالا من ايران. ولم ترد ايران على هذه المزاعم التي تناقلتها ايضا وسائل الاعلام الافغانية. وزادت معارضة ايران الشديدة للاتفاقية الاستراتيجية الجديدة مع الولاياتالمتحدة فيما يبدو الجهود الرامية للتأثير على الرأي العام بشأنها. ونشرت صحيفة انصاف - وهي واحدة من ثلاثة منافذ اعلامية تقول الحكومة انها تتلقى اموالا من ايران ولدى شركتها الام افابرس مكاتب في طهران - ستة مقالات نقدية للاتفاقية منذ وقعها الرئيس الامريكي باراك اوباما خلال زيارة لكابول في الثاني من مايو ايار. وتعرض المنافذ الاعلامية الثلاثة تقارير اخبارية لا تثير اهتماما يذكر لدى الافغان لكنها مهمة بالنسبة لايران حيث تستخدم نفس الرسائل والتعبيرات المستخدمة في وسائل الاعلام الحكومية الايرانية. وتصف هذه الاجهزة الاعلامية اسرائيل على سبيل المثال "بالنظام الصهيوني" وهو وصف يتجنب المسؤولون الافغان استخدامه عادة. وقال لطف الله مشعل وهو متحدث باسم هيئة الامن القومي الشهر الماضي "الحقيقة هي ان المصادر الايرانية قامت بنشر القصص لاغراض دعائية." وسحبت هيئة الامن القومي هذا الزعم في وقت لاحق. وقال عبد المجيب خالفاتجار المدير التنفيذي للمجموعة الافغانية للتطوير الاعلامي (ناي) "بدأت ايران محاولة التأثير على الشؤون الافغانية عن طريق وسائل الاعلام للمرة الاولى في 2006." واضاف "الوتيرة تسارعت منذ 2011 وعندما بدأت ايران بالفعل تقحم وجهة نظرها في وسائل الاعلام الايرانية." وشعر الافغان بالصدمة العام الماضي عندما بث تلفزيون تامادون خطابا على الهواء لرئيس البرلمان الايراني علي لاريحاني انتقد فيه وجود القوات الغربية في افغانستان. وترد كابول بضغطها الخاص. وقال مسؤولون افغان إن السلطات اعتقلت عبد الحكيم مراسل وكالة فارس الايرانية شبه الرسمية للانباء الذي يعمل انطلاقا من كابول منذ اسبوعين بتهمة التجسس. ورفضت وكالة الامن القومي التعليق. ويمكن ان يواجه الصحفيون وعددهم اكبر نسبيا وغالبا ما يتلقون مساندة من الغرب ايضا الترويع والخطف او حتى الموت لنشرهم تقارير عن قضايا مثل الفساد واوجه القصور الحكومي الاخرى. وتحتل افغانستان المرتبة السابعة في "مؤشر الافلات من العقاب" الذي تصدره لجنة حماية الصحفيين والذي يرتب الدول التي يقتل فيها الصحفيون بانتظام وتتقاعس الحكومات عن كشف الجرائم. ومن الرجال الذين يقولون إنهم على علم بالتدخل الايراني الكاتب والصحفي رزاق مأمون. ويقول ان رجلا ملثما القى مادة حمضية على وجهه في يناير كانون الثاني من العام الماضي كان يعمل لصالح طهران. ولم تعلق السفارة الايرانية في كابول على هذه المزاعم. ورغم اعلان التقارير الاعلامية في ذلك الوقت ان مهاجمه شن الهجوم بسبب علاقة غرامية يقول مأمون إن الكتاب الذي اصدره في 2010 ويتهم ايران بالتخريب والتجسس في افغانستان حفز وكالات المخابرات الايرانية على مهاجمته. وقال مأمون الذي يعيش الان في نيودلهي خوفا على سلامته لرويترز في تعليقات بالبريد الالكتروني "هؤلاء الافراد الذين خططوا للهجوم علي لا يزالون في السلطة ووكالات مخابراتهم الايرانية لا تزال نشطة للغاية في كابول." (إعداد سها جادو وعلي خفاجى للنشرة العربية - تحرير محمد هميمي)