القاهرة - حظى مهربون في الشرق الاوسط بمصدر غير متوقع للربح .. تهريب الارز المصري متوسط الحبة. ويحتاج متسوقون في دول الخليج - معظمهم لا علم لهم بعمليات التهريب - الارز المصري لطهي أكلات شعبية في الشرق الاوسط مثل أنواع المحشي الا أن القاهرة فرضت حظرا على تصديره. ويعرض الارز المصري المهرب في متاجر بدول الخليج من بينها الامارات والسعودية وقطر لتلببية الطلب من متسوقين مثل غادة في أبوظبي التي تقول انه لا بديل للارز المصري عالي الجودة متوسط الحبة. تتساءل غادة وهي تقوم برحلة التسوق الاسبوعية في متجر بابوظبي حيث تقيم مع اسرتها منذ ثمانية أعوام قائلة "هل يمكن استخدام الارز البسمتي في عمل المحشي.." وتحصل غادة وغيرها من المتسوقين في الخليج على احتياجاتهم من خلال التجارة المتنامية في الارز المصري المهرب بينما تضطر مصر لاستيراده لتغطية العجز في الارز المدعم. ويفترض أن يباع الارز المصري في السوق المحلية بسعر مدعوم لا يتجاوز أحيانا 250 دولارا للطن في اطار برنامج الدعم الحكومي الذي يهدف لتفادي تكرار تظاهرات نتيجة تضخم أسعار الغذاء والتي هزت البلاد في عام 2008. وفي عام 1977 فشلت محاولة الرئيس الاسبق انور السادات لرفع أسعار الخبز بعدما اندلعت أعمال شغب. لكن الاسعار المنخفضة بشكل مصطنع بسبب الدعم اتاحت علاوة كبرى في أسواق التصدير ويصل سعر طن الارز المصري في الخارج الى 900 دولار ولا يمانع بعض التجار في المخاطرة بدفع غرامة لنقلهم الارز خارج البلاد لاسيما الخليج. وقال تاجر في الخليج طلب عدم نشر اسمه "الشيء الوحيد الذي تغير منذ الحظر اننا نتعامل الان مع مهربين يبدون ويتصرفون مثل رجال العصابات بدلا من التعامل مع تجار الارز." وأنشطة التهريب ضخمة حتى ان ملحق وزارة الزراعة الامريكي في سفارة واشنطنبالقاهرة قدر كمية الارز المهربة بما يصل الى 600 ألف طن في العام التسويقي 2011-2012 من اكتوبر تشرين الاول الى سبتمبر ايلول وهو تقريبا نصف احتياجات برنامج الدعم الذي يبلغ حجمه 1.1 مليون طن. وحظرت مصر تصدير الارز في عام 2008 وجددته مرارا لحماية السوق المحلية وضمان أسعار بيع منخفضة. وكان اخر تجديد للحظر في اكتوبر الماضي. ويمكن لمصر تغطية احتياجاتها بسهولة اذ بلغت المساحة المزروعة أرزا 1.7 مليون فدان الموسم الحالي وهو ما يعني انتاج نحو أربعة ملايين طن تكفي لتغطية الطلب المحلي البالغ 3.34 مليون طن بما في ذلك 1.1 مليون طن لبرنامج الدعم. لكن نتيجة تهريب كميات كبيرة اضطرت مصر لاستيراد الارز طويل الحبة الارخص لتلبية احتياجات مواطنيها. وقال نعماني نعماني نائب رئيس الهيئة العامة للسلع التموينية "فتحنا الباب أمام واردات الارز لان كميات الارز المعروضة للبيع لا تكفي لتلبية احتياجات برنامج الدعم." واستوردت مصر الارز لاول مرة في ديسمبر كانون الاول حيث اشترت 234 الف طن معظمه من أصل هندي. وتقدر وزارة الزراعة الامريكية ان مصر ستستورد 500 ألف طن في 2011-2012. ويري كثيرون من المتعاملين في سوق النفط منطقا في رفع مصر الحظر على التصدير بينما تستمر في ذات الوقت في استيراد نوعية أرخص مما يتيح لها تصدير محصولها بسعر أعلى والاستفادة من فارق الاسعار. ويمكن بيع الارز المصري بما يصل الى 900 دولار للطن في السوق المفتوحة بينما يمكن للهيئة العامة للسلع التموينية أن تدفع نحو 530 دولارا لطن الارز المستورد مما يضمن لها أرباحا دسمة. وقال مصطفى النجاري خبير الارز والمصدر السابق "اذا فتحنا الباب امام الاستيراد فقط فسنستنفد احتياطيات العملة الاجنبية ولكن اذا فتحنا الباب أمام التصدير في الوقت نفسه فستحقق الدولة دخلا أكبر من الدولارات." ويقول اخرون انه ينبغي ان تسمح الحكومة لموردي الارز لبرنامج دعم المواد الغذائية بتصدير كمية مماثلة لما يوردونه محليا ويرى البعض الاخر ان هذا الاجراء اختبر في 2009 وانه اوجد سريعا سوقا سوداء لتراخيص تصدير الارز. وقال سمير عبد الصمد الذي يستورد الارز المصري لشركة ليفكو التجارية ومقرها الامارات " خلال تلك الفترة كان بوسع أي شخص يمكنه استئجار شقة متواضعة ان يفتح شركة لتصدير الارز المصري." ومصر أكبر مستورد للقمح في العالم وتسعى لخفض اعتمادها على الواردات وهي على استعداد لتحمل فاتورة باهظة لتوفير الغذاء لمواطنيها. وفي عام 2011 بلغت تكلفة دعم الغذاء 5.5 مليار دولار ذهب معظمها للقمح وايضا لدعم زيوت الطهي والسكر والارز وهو عبء يثقل كاهل بلد يعاني من اقتصاد متداع وعجز موازنة اخذ في التضخم عقب الانتفاضة التي اطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك العام الماضي. وقال نعماني ان الهيئة تفضل استمرار الحظر لتوفير الارز المصري محليا دون اللجوء للاستيراد. لذا اشترت الحكومة معدات لفحص الحاويات في الموانيء كما يحدث مع الحقائب في المطارات بيد أن هذا الاجراء لا يضمن تماما تحقيق الهدف المنشود. فيقول التاجر الذي يعمل في الخليج "اشك في اتاحة هذه المعدات في جميع الموانيء وحتى اذا تحقق ذلك سيجد المهربون وسيلة لاخراج السلع بالتواطؤ مع بعض مسؤولي الجمارك أو الموانيء." وتوصل المهربون لطرق مبتكرة للالتفاف على الحظر على سبيل المثال باستغلال التراخي الامني على الحدود السودانية والليبية عقب انتفاضات الربيع العربي. ولكن احيانا تكون الاساليب القديمة هي الافضل .. الرشى في الموانيء. وقال التاجر في الخليج الذي يشتري الارز المصري المهرب للامارات بانتظام "انسوا حجج السودان وليبيا. يأتي الارز من موانيء مصرية مثل الاسكندرية والعين السخنة وبورسعيد مباشرة." وغالبا ما يخبأ الارز تحت سلع اخرى في حاويات كي تخرج من الموانيء المصرية. وهذا التمويه يعني اضطرار التجار في بعض الاحيان لشراء سلع لا يحتاجونها. يقول ذلك التاجر "اضطررت لقبول عبوات معكرونة وملح وسلع اخرى لان المهربين يطالبوننا بشراء الحاوية بكل ما فيها." وبعيدا عن التهريب لجأ تجار الارز في مصر لحيل اخرى لتحقيق الربح. وقال التاجر ان التقى بعدد من التجار في معرض للسلع الغذائية في دبي في الشهر الماضي عرضوا عليه شراء أرز مصري. واضاف انه حين سئل عن كيفية اخراجه من البلاد اجابوا بانهم يشترون أرزا روسيا ارخص ويعالجونه ليبدو مثل الارز المصري. ويقول البعض انه يصدر ما لديه من مخزون من الارز من قبل الحظر وينحى اخرون باللائمة على نظرائهم ولكن فعليا لم يعترف احد بانتهاك الحظر. وقال نعماني "الارز المصري الذي يباع هناك الان عالي الجودة وحديث الانتاج لذا فهو ليس مخزونا من قبل الحظر. فرض الحظر منذ عدة سنوات ولا يمكن ان يكون الارز بهذا القدم." وأدى الحظر لتحول المستهلكين ببطء لانواع اخرى غير مصرية من الارز متوسط الحبة. وقال احمد ابو النصر رئيس مجلس ادارة شركة النهضة المصرية لتجارة المواد الغذائية ولها مكاتب في القاهرةوأبوظبي "ينحسر سوق الارز المصري لوجود بدائل منذ بعض الوقت." واضاف "حجم أنشطة التهريب ليس بنفس ضخامة التجارة عندما كانت مشروعة. وعلى سبيل المثال فان الارز الامريكي متوسط الحبة وهو أعلى جودة وأفضل سعرا يستحوذ الان على السوق." وتابع ابو النصر أن الانواع الروسية والصينية والفيتنامية الارخص تقلص ايضا حصة الارز المصري في السوق. ويقول تجار اخرون ان من الصعب الحصول على الارز المصري بانتظام لتلبية الطلب. وقال التاجر من الخليج "لا يمكن التنبؤ بالتعاملات الان... اضطر لشراء كميات ضخمة فقط لاضمن عدم حدوث أي مشاكل." وبدلا من اكتفاء التاجر بمخزن صغير مقابل ايجار سنوي 12 الف درهم يستأجر مخزنا أكبر للبضائعه الان يكلفه 200 ألف درهم سنويا. وتابع "اذا لم تأخذ الحكومة اجراء في هذا الصدد قريبا فان الارز المصري سيلقى نفس مصير القطن المصري." وعانى القطن المصري الذي كان يوصف في أوجه في الستينيات من القرن الماضي "بالذهب الابيض" من سنوات من الاهمال الحكومي وسلسلة من السياسات الخاطئة سمحت بغزو قطن أرخص السوق ولم يعد هناك حافز يذكر لزراعته. وقال ابو النصر "منذ فرض الحظر قلت انه سيؤدي لنسيان الارز المصري في الاسواق الخارجية."