الإيرانيون مثل غيرهم من شعوب العالم لا يمكنهم الاستغناء عن حفاضات الاطفال وأقام الأمريكي فريد هارينجتون تجارته على بيع المواد الخام التي تستخدم في صناعة الحفاضات للايرانيين. ويقول هارينجتون -وهو من منطقة ردموند في واشنطن- انه يصدر الى ايران بموجب ترخيص لاغراض انسانية أصدرته وزارة الخزانة الامريكية وان الديون المستحقة له لدى شركات ايرانية تصل الى 3.8 مليون دولار لكن لا يمكن للشركات دفع المبلغ له بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة على ايران في الاونة الاخيرة. ومشكلة هارينجتون ليست فريدة من نوعها. وتواجه شركات أمريكية بدءا من شركات تصنيع الادوية مثل (ميرك اند كو) الى شركة (اميركان بالب اند بيبر) التي يملكها هارينجتون صعوبات في الحصول على أموالها مقابل أدوية وصادرات انسانية أخرى تسمح بها وزارة الخزانة وذلك وفقا لما ذكره مسؤولون ومحامو عقوبات والشركات. وقالت كاري ستاينباور وهي محامية دولية في التجارة لدى شركة كروويل اند مورينج للمحاماة ومقرها واشنطن ومستشارة سابقة في مكتب مراقبة الاصول الاجنبية في الوزارة "كل شيء من الاسبرين الى الفيتامينات -أي شيء- كلها عالقة." وتمثل مشكلة المدفوعات اختبارا لفعالية أحدث جولات العقوبات المالية التي فرضت على ايران بهدف اجبار الجمهورية الاسلامية على وقف برنامجها النووي. وجعلت العقوبات قطاع البنوك الايراني معزولا بشكل أكبر عن البنوك العالمية الكبيرة. لكن المشكلة تلقي أيضا بظلال على ما تقوله الولاياتالمتحدة منذ وقت طويل من أن العقوبات التي تفرضها على ايران لا تهدف الى تضييق الخناق على الشعب الايراني وانما قادة الجمهورية الاسلامية ومسعاهم المثير للجدل لامتلاك أسلحة نووية. وقال هارينجتون "لست ضد معاقبة ايران لكونها دولة مارقة لكن الولاياتالمتحدة أو الاوروبيين يجب أن يفكروا في شركاتهم نفسها قبل البدء في فرض عقوبات." واضطر هارينجتون وهو أمريكي من أصل ايراني وغير اسمه من فرهد فروحي الى تسريح ثلاثة من العاملين لديه في فبراير شباط بسبب تأخر المستحقات لينخفض بذلك عدد موظفيه من سبعة الى أربعة. وعلى الرغم من أن قانونا أمريكيا جديدا يستهدف المؤسسات المالية التي تتعامل مع البنك المركزي الايراني حظى باهتمام كبير فان محامي عقوبات قالوا ان قرار اتخذ يوم 23 من يناير كانون الثاني بضم بنك ايراني الى قائمة سوداء أحدث تأثيرا أسرع وأكثر حدة على تجارة المواد الانسانية. وكان بنك تجارت الايراني قد أضيف الى قائمة سوداء بموجب أمر تنفيذي أمريكي يستهدف الاشخاص أو الشركات التي تروج لانتشار أسلحة الدمار الشامل وكذلك الشبكات التي تدعمها. وتسببت الخطوة في عزل هذه الشركات عن النظام المالي الامريكي كما عزلت أي بنك يتعامل معها وتجد العديد من البنوك أنه من المستحيل المجازفة بهذا الامر. وأدرجت وزارة الخزانة الامريكية على مدى السنوات الخمس الماضية 23 كيانا لها صلة بايران للقائمة السوداء لتضيق بذلك الخناق على قدرة ايران على اقامة علاقات تجارية مع العالم. وقال محامون في العقوبات ان اضافة بنك تجارت الى القائمة السوداء كان له تأثير كبير لانه كان اخر بنك ايراني كبير متاح لاقامة علاقات تجارية مع ايران من خلاله. وبعد اضافة البنك الى القائمة السوداء تضطر الشركات الان الى البحث عن بنوك أصغر يمكنها اجراء هذه التحويلات. وقال دوجلاس جاكوبسون وهو محام في واشنطن يركز على العقوبات "من ناحية يمكن الحصول على ترخيص. وتقول الحكومة حسنا يمكنك البيع لكن الحقيقة العملية هي أنه لا يمكنك الحصول على أموالك." وأضاف المحامي أن مستحقات أحد موكليه وصلت الى مئات الالاف من الدولارات بسبب ادراج بنك تجارت على القائمة السوداء وأنه يعرف العديد من الشركات الطبية التي أوقفت التصدير الى ايران بسبب مشاكل الدفع. وقال ايريش فيراري وهو محام اخر في مجال العقوبات "كانت أمامك نافذة صغيرة للفرص في السابق لكن هذه النافذة أغلقت الان بالكامل." وقال محامو العقوبات ان قرار خدمة سويفت (جمعية الاتصالات المالية بين البنوك في انحاء العالم) ومقرها بلجيكا طرد كل البنوك الايرانية التي أدرجها الاتحاد الاوروبي على القائمة السوداء قد يزيد من صعوبة اجراء التحويلات. وشددت الولاياتالمتحدة تدريجيا من صرامة العقوبات بسبب عدم استجابة ايران للرد على أسئلة بشأن برنامجها النووي الذي تشتبه واشنطن وحلفاؤها في الغرب بأنه غطاء لاكتساب أسلحة نووية لكن ايران تقول انها لا تهدف الا لتوليد الكهرياء. وأصبحت العقوبات أكثر صرامة بكثير منذ أقر الرئيس الامريكي باراك أوباما قانونا لتضييق الخناق على مبيعات النفط الايرانية عن طريق التهديد بعزل البنوك الاجنبية عن النظام المالي الامريكي اذا تعاملت مع البنك المركزي الايراني. وقالت شركة (ميرك اند كو) وهي ثالث أكبر شركة للادوية في العالم ان لديها تراخيص لبيع أدوية البول السكري والسرطان وأمراض الجهاز التنفسي والالتهابات لايران. وقالت كيلي داورتي المتحدثة باسم ميرك ان ميرك "تمر بموقف عصيب في عام 2012 من حيث الحصول على المدفوعات مقابل ما تصدره من سلع." واضافت قولها ان الشركة مستعدة لبحث اي مقترحات "لتسهيل صادرات السلع الانسانية ومنها الادوية" وفقا للقوانين والقواعد التنظيمية الامريكية. وأقرت شركة فايزر أكبر شركة لتصنيع الدواء في العالم بوجود صعوبات في الحصول على مستحقاتها المالية مقابل المبيعات لايران وقالت انها ستعمل على حل هذه المشكلة. ولم تقدم فايزر وميرك أي تفاصيل. وقال مسؤول في وزارة الخزانة الامريكية طلب عدم نشر اسمه ان موقف الوزارة من صادرات المواد الانسانية لايران لم يتغير لكنه لم يرد بشكل مباشر على تساؤلات بشأن صعوبة حصول الشركات الامريكية على المدفوعات. وأضاف المتحدث "لم تنخفض الطلبات المقدمة الى مكتب مراقبة الاصول الاجنبية لتصدير المواد الانسانية الى ايران.. ولم تغير العقوبات التي فرضت في الاونة الاخيرة على ايران من موقفنا من تصدير الغذاء والدواء والاجهزة الطبية لايران." وتحظر الولاياتالمتحدة فعليا كل أشكال التجارة مع ايران. وقطعت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في عام 1980 بعدما سيطر طلبة ايرانيون على سفارتها في طهران واحتجزوا 52 رهينة أمريكيا لمدة 444 يوما. وصدرت الولاياتالمتحدة بضائع لايران بقيمة 229.5 مليون دولار فقط العام الماضي. ويستغل هارينجتون ثغرة في القانون الامريكي الذي يحظر تصدير الحفاضات الى ايران لكنه لم يمنع تصدير المادة الرئيسية التي تستخدم في تصنيعها. وكانت مبيعات شركة هارينجتون قد وصلت العام الماضي الى 26.6 مليون دولار بينها 70 في المئة تقريبا مبيعات لايران. وكان تأثير العقوبات على شركة هارينجتون كبيرا الى الحد الذي دفعه الى كتابة رسالة الى الرئيس الامريكي باراك أوباما يوم 29 من فبراير شباط قال فيها ان العقوبات الامريكية الاخيرة على ايران "أوقفت فعليا تجارتنا بين عشية وضحاها." وأضاف هارينجتون "نثمن تعليقاتكم وأي مقترحات لما يمكننا فعله عند هذه النقطة.. ومن وجهة نظرنا يبدو أنه ليس أمامنا ما نفعله سوى غلق أبوابنا." واقترح هارينجتون اتاحة فترة سماح للانتهاء من تحصيل المدفوعات المستحقة لكن لم يصله رد. وقال "لم نتلق أي رد فعل ولا أتوقع ذلك .. لقد صمت واشنطن أذنيها ولا تسمع شيئا." (تغطية صحفية أرشد محمد - إعداد ياسمين حسين للنشرة العربية - تحرير أحمد صبحي ومحمد عبد العال)