القاهرة (رويترز) - تعمل القوى الليبرالية في مصر على تعزيز موقفها في سباق الانتخابات البرلمانية الذي أسفر في مرحلته الاولى عن تقدم التيار الاسلامي عليها وقد تحاول استعادة زمام المبادرة من خلال استغلال الخلافات الحادة في معسكر منافسيها. ربما يكون الاسلاميون هم من اكتووا بنار السياسات القمعية التي انتهجها الرئيس المخلوع حسني مبارك لكن الليبراليين ايضا دفعوا الى هامش الحياة السياسية وسادتهم حالة من الفوضى حين سقط. ويعتمد الاسلاميون على دعم القاعدة العريضة من المواطنين والذي كونوه على مدى عقود من خلال العمل الاجتماعي او المساجد التي يسيطرون عليها على عكس الاحزاب الليبرالية الجديدة التي اضطرت لبناء قاعدتها من الصفر تقريبا في غضون بضعة اشهر. وأظهرت نتائج المرحلة الاولى من الانتخابات البرلمانية المصرية التي ستستغرق في مجملها ستة أسابيع حصول التحالفات التي يقودها الاسلاميون على نحو ثلثي الاصوات التي منحت للقوائم الحزبية فيما ذهبت بقية الاصوات لاخرين بينهم ليبراليون مثل الكتلة المصرية. وقال احمد سعيد وهو رجل اعمال اتجه للعمل السياسي وضمن مقعدا في مجلس الشعب بعد حصول الكتلة المصرية على 13 في المئة من الاصوات التي تم الادلاء بها للقوائم انه لم يفاجأ بالاداء الجيد للاسلاميين لكن المفاجأة كانت في تمكن تكتل ليبرالي حديث العهد ليس له تاريخ او خبرة من الحصول على هذه النسبة الكبيرة من الاصوات. لكن القوى الليبرالية ليس لديها شك في أن امامها تحديا في الفترة القادمة. ويقول ليبراليون ان الافتقار للتنسيق أدى الى تفتت الاصوات. ويقول محللون انهم بحاجة ايضا الى التخلص من الانطباع المأخوذ عنهم بأنهم مناهضون للاسلاميين اذ يمثل هذا عقبة كبيرة في دولة محافظة دينيا. لكن الامور لن تسير لصالح الاسلاميين على طول الخط. فالخلافات بين السلفيين وجماعة الاخوان المسلمين التي تنتهج خطا اكثر اعتدالا ستتيح الفرصة لليبراليين وغيرهم للتمتع بقدر من النفوذ حتى ولو كانوا أقلية. وقال عادل سليمان من المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية انه حتى لو لم تكن مقاعد الليبراليين كثيرة فان الجميع سيحتاج الى الاحزاب الليبرالية لان هناك حاجة لها سواء في اقرار القوانين او عرقلتها. وحصل حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين على 37 في المئة من أصوات القوائم حتى الان في حين حصل حزب النور السلفي وحزبان متحالفان معه على 24 في المئة وفقا للارقام التي أعلنت قبل مراجعة نسبة الاقبال وتخفيضها. ولا يظهر السلفيون او الاخوان اهتماما يذكر بالتحالف داخل البرلمان. وقال سليمان ان الخلاف المتوقع سيكون بين المعسكرين الاسلاميين لان كلا منهما يعتقد أنه يملك الحقيقة مشيرا الى أن هذا الخلاف محتوم. ومما يخفف من أثر النسبة الكبيرة التي فاز بها الاسلاميون في الانتخابات وجود أحزاب ليبرالية ويسارية صغيرة على قائمة الحرية والعدالة مثل حزبي الكرامة والغد واللذين سيحصلان على قدر من المقاعد. ونتيجة للنظام الانتخابي المعقد فان التركيبة النهائية للبرلمان القادم لن تتضح الان. وسيذهب ثلثا مقاعد مجلس الشعب البالغ عددها 498 للقوائم النسبية فيما يشغل المرشحون الفرديون ثلث المقاعد. وبدأ الليبراليون يتعلمون من تجاربهم الاولى في الانتخابات ويعدلون حملاتهم الانتخابية على هذا الاساس. وألقت عدة أحزاب أصغر حجما بثقلها وراء الكتلة لاظهار جبهة موحدة. ويقول أعضاء بالكتلة ايضا انهم يتحركون من معاقلهم بين النخب الحضرية نحو المناطق الريفية ليكسبوا دعم الشخصيات المحلية البارزة من أجل تكوين دعم أوسع نطاقا. وأدى سوء التنسيق بين القوى الليبرالية الى تفتت الاصوات بين مرشحين متشابهين فكريا مما تسبب في بعض الاحيان الى حصول مرشح الاسلاميين على أغلبية بطبيعة الحال. وقال شهير جورج المرشح الشاب لتحالف الثورة مستمرة الذي يضم أحزابا من أطياف مختلفة "كان يجب أن يكون التنسيق افضل. هذا هو ما نحاول أن نفعله الان وهو تقليل احتمالات المعارك الداخلية." كما أعطى الليبراليون دفعة جديدة لحملتهم الدعائية التي تعتمد على تمويل رجال اعمال كبار يدعمونهم على غرار الملياردير نجيب ساويرس أحد مؤسسي حزب المصريين الاحرار وهو من أحزاب الكتلة. وتعتمد الكتلة في مسعاها جزئيا على المخاوف من الاثر الذي سيترتب على السياحة اذا تولى الاسلاميون السلطة. ويعمل واحد من كل ثمانية مصريين في هذا القطاع الذي قد يتضرر من جراء حظر المشروبات الكحولية او منع ارتداء ملابس السباحة على الشواطيء. وترفع الكتلة شعارا واحدا "في الانتخابات صوت واحد هيفرق اديه للي يخلي مصر لا افغانية ولا امريكية" لتوضح أنها لا تتبنى نموذجا غربيا صرفا ولا النموذج الاسلامي المتشدد الذي طبقته طالبان في أفغانستان. لكن محللين يرون أن هذا النهج في حد ذاته قد يكون جزءا من المشكلة لانه يعرف المعسكر الليبرالي بأنه مناهض للاسلاميين بدلا من تقديم رؤية بديلة لمصر. وقال شادي حامد مدير قسم الابحاث في مركز بروكنجز الدوحة "الليبراليون ارتكبوا الخطأ ويصرون عليه وهو أن يمثلوا اختيار المناهضين للاسلاميين." وأضاف "هناك سقف لهذا. اذا كانوا يريدون حزبا شعبيا قادرا على الوصول لاعداد كبيرة من المصريين فعليهم أن يتعلموا أن يتكلموا لغة الدين." وستحتاج الكتلة ايضا للرد على المنافسين الذين يصفونها بأنها تكتل مسيحي بسبب دعم أشخاص مثل ساويرس خاصة وأنه مسيحي ولا يتوانى عن مهاجمة التيار الاسلامي. ومن بين الاعلانات المتداولة على موقع فيسبوك اعلان يشير الى أن التصويت للكتلة هو تصويت "للكنيسة المصرية". وتقول الكتلة ان هذا في اطار حملة تشهير يقودها الاسلاميون ضدها. ويمثل المسيحيون نحو عشرة في المئة من سكان مصر البالغ عددهم 80 مليون نسمة وقد أيدت بعض قيادات الكنيسة الكتلة علنا لطبيعتها التي لا تستخدم الدين. كما تواجه الاحزاب الليبرالية الاقدم مثل حزب الوفد الذي مارس نشاطه في عهد مبارك وصمة تتمثل في أن النظام القديم نجح في استمالته. وكان لحزب الوفد العريق مقاعد في البرلمان في عهد مبارك لكن قلة هي التي اعتبرته معارضا فعالا للنظام السابق. وحصل الوفد على نحو سبعة في المئة من أصوات القوائم النسبية في المرحلة الاولى من الانتخابات الحالية. ومثلت جماعة الاخوان جماعة المعارضة الاعلى صوتا والاكثر تنظيما في عهد مبارك. وكانت الجماعة التي يبلغ عمرها 83 عاما محظورة لكنها تمتعت بقدر من التسامح من جانب النظام. وأصبح لها الان مؤيدون منضبطون وباتت معترفا بها وسط مجموعة كبيرة من الاحزاب الجديدة. ويقول الباحث السياسي عمار علي حسن ان الليبراليين بدأوا لتوهم في بناء قاعدة مضيفا أن امامهم فرصة لاستخدام كتلتهم البرلمانية بغض النظر عن حجمها لاظهار القدرة على النجاح في الحكم. وأضاف أن الليبراليين لديهم فرصة لبناء شبكة اجتماعية أقوى في ظل وجود تمثيل برلماني لهم يستطيعون استخدامه للتواصل مع الناس مباشرة وهو ما حرمت منه الاحزاب الليبرالية من قبل. وتابع أن الليبرالية لم يكن لها وجود فعلي في مصر وأن أفكارها لم تكن موجودة الا في الكتب القديمة اما الان فهي موجودة على الارض وعبر عن اعتقاده بأن المستقبل للاحزاب الليبرالية في الانتخابات التي ستجري بعد الانتخابات الحالية.