فى الوقت الذى يئن فيه القلب ويبكى دماً بدل الدمع حسرة وأسفاً على موت ورحيل عالم من علماء الأزهر الشريف وفى نفس الوقت الذى أتابع فيه المشهد المصرى والسياسى فى الشارع وسط ارتباك مخيف وقلق مستمر على مستقبل وطن كبير لا يستحق من أهله ما يفعلونه به ويستحق التضحية والفداء وفى نفس ذات الوقت الذى ننشغل فيه بالعملية الانتخابية والبرلمانية المصرية ...... ووسط ظلام حالك أو دامس كاد يسيطر على كل المشاهد مُجتمعة وسط حالة من السُخط والانقسام بين هؤلاء وهؤلاء يأتى العالم العالمى المعروف الدكتور أحمد زويل ليُلفت الانتباه إلى ( مصر العلم ) وهو ما يغفل عنه الكثيرون فى كل الأروقة فمنذ أيام قليلة استمتعت إلى فضيلة مفتى الديار وهو يتحدث عن الاهتمام باللغة والعلوم والبحث العلمى لنبنى حياة وبالأمس استمعت إلى هذا العالم الجليل الكبير الذى أسرنى بكل كلماته ورغبته فى بناء وطن حقيقى ينعم فيه أهله وأبناؤه بالمعرفة والعلم مما يفتح أمامه كل الطرق ويُزلل لهم كل الصعاب فى شتى الاتجاهات بل وفى فمختلف الأنحاء ،،،،
ولما كان الكلام صادراً على لسان رجل متخصص أو إن شئت فقل أكاديمى فاهم وصاحب خبره فى المجال العلمى كان كلاماً فى الصميم فلقد تحدث الرجل عن مصر الحديثة الحالية والقادمة ووسط حديث شبه مصر تشبيهاً بليغاً فقال إننا كنا ولانزال أمام مريض بورم فى المخ خطير أُجريت له جراحة فى المخ بعد أن كاد يفقد الأمل لكن وسط عيادة تمتلئ بالبيكتريا ولفن يُشفى المريض إلا إذا أحكمنا عملية التعقيم واتفق الجميع على أداء الجراحة وسط جو يساعد على إتمام هذه الجراحة ،،،،
ولأن الجراح هو الشعب ولأن المريض هو الوطن الكبير كان لزاماً على الجراح أن يُضحى بالوقت والجُهد والعلم والمال لأجل إتمام الجراحة فى أمان وقد بدأت بالثورة المصرية ... وجدت نفسى أقول لنفسى إن هذا الرجل العالم الجليل يقول كلاماً مُهماً وفى الصميم ويمتلئ عقله وكيانه بالحلم والأمل والتفاؤل ولكن ماذا فعلنا نحن؟!!!
سؤال أسأله لنفسى كداعية أعمل فى حقل الدعوة الإسلامية أولاً وكمواطن مصرى له أبناء يحلم لهم بمستقبل مُشرق وآمن ثانياً وكمواطن مصرى صرخ مُطالباً بحقوقه وتمنى أن لو تكون هناك فرصة حقيقية ليؤدى واجباته ومن هنا سأتحدث الآن مُجهاً رسالتى إلى إخوانى الدعاة : من منا دعا الناس إلى التبرع فى المشروع القومى للمدينة العلمية وتكاتف مع هؤلاء الكبار فى بناء وجدان الوطن ؟!! وإن كنا قد تأخرنا فهل سندعوا الناس أم سنظل هكذا نخطب فى الناس مابين شجب واستنكار وصمت أو حوار لا ينفع ولا يضر وننظر فيه تحت أقدامنا هل سننظر للمستقبل ونبنى ونُشيد لنبنى حياة ونُساعد فى بناء وطن أم سنظل هكذا فى حالات البكاء والصراخ والنظرات المحدودة ....
سأنوى بإذن ربى تبارك وتعالى أن أسير فى هذا الاتجاه فى خُطتى الدعوة المستقبلية أن أدعو الناس للبناء فى الاتجاه العلمى فكلنا يعلم يقيناً أن ( فى العلم حياة ).
سأدعو الناس إلى إعادة الوقف لصالح الأزهر والأزهريين والتعليم فيه وان نعود لأيام الوقف لله فى سبيل طلب العلم والإنفاق عليه ....
سأدعو الناس بكل ما أملك للاهتمام بالتعليم الحقيقى وبث روح الأمل فى قلوب المُعلمين والمُتعلمين ودعم المنهج الحقيقى فى ذلك لتلد مصر من جديد ألف زويل وألف أديب والف شعراوى وآلاف العلماء من جديد لنأمن على مستقبل جيل مسكين قادم سيستظل بسماء هذا الوطن وسيشكر لنا إن جهزنا له وطناً على الحق والعلم والفهم وسيسخط علينا بل ويدعوا علينا إن تركنا له وطناً خرباً خاوياً !!!
إننى اليوم أكتب لأؤكد على أننى أوافق الرجل فى كثير مما قال وأشد على يديه وأُثمن جهوده وجهود من معه من الرفاق الكبار الذين تحدثوا وقت الحوار وأدعو الجميع أن نلتف حول هذا المشروع الوطنى العلمى القادم لنهنأ فى مصر بالعلم والإيمان فكلنا ينشد بناء مصر الحديثة بين العلم والإيمان الحقيقين والأزهر الوسطى لازال موجوداً وسيظل بإذن الله ليقف فى المنتصف بين رؤى السياسيين والاستراتيجيين والعلماء والمفكرين والنُخبة والخطباء فلنخرج بمصر من هذه الأزمات التى تجعلنا نُجرى الجراحة الخطيرة للورم الخبيث وسط جو طبى هادئ وآمن وحتماً سيسألنا الله تعالى يوم القيامة عن ما قدمنا لمصر وما قدمنا لآولادنا وماقدمنا للوطن ....
الكلام كثير ولكن الفعل أقل والفعل دائماً يحتاج إلى حمناس ونشاط واستمرارية فى العمل وقوة وإدراك وبصيرة فهيا لنبنى مصر = مصر العلم = مصر الحضارة = مصر التاريخ = هيا نتكاتف لنقيم دولة العلم والإيمان ونلتزم فيها بكل التجارب الناجحة فى جميع أرجاء العالم من تركيا إلى ماليزيا إلى الهند إلى الصين إلى أمريكا ،،،، هيا لنجعل فى كل شئ فى حياتنا التطبيق العملى للنظريات الحقيقية الناجحة هيل نمد يدنا إلى بعضنا البعض ... إننى أُحمل الإعلام مسئولية انتشار الفكرة ومع الناس على الحق والخير بدلاً من التشويش والإثارة والبلبلة التى صارت تقتحم كل البيوت والمنازل فى اليوم مئات المرات ...
قبل أن أُفكر فى الذهاب لحضور تأبين شهيد الأزهر ودار الإفتاء أدعو نفسى وكل المصريين الشرفاء أن نشارك فى نهضة مصر وفى صناعة الوجدان المصرى فى هذه المرحلة الراهنة وهذا المنعطف الخطير الذى تمر به بلدنا الغالية ولأن الدعاة هم حملة مشاعل النور وبمقدورهم المساهمة فى صناعة الوجدان المصرى فى مرحلتنا الفاصلة والفارقة.. والحاجة إلى مجهوداتهم هامة وضرورية.. وأعتقد أن من بديهيات تحملهم لهذه المسئولية هو أن يُلملم شملنا وتُوحد صفوفنا على اختلاف ألواننا وانتماءاتنا ليكون ولاؤنا للأزهر أباً ولمصر أماً فالعالم كله يتفاخر بالأزهر وبالوسطية فى منهجه، وينظر لمصر على أنها الدولة الأم فلنكون أوفياء لمصر محبين لها عاملين على نهضتها وبنائها.
عرضت ما فى نفسى وما يدور بخلدى كتبه قلمى لكنه كلام خرج من نبضات قلبى وأعماق وجدانى وسواكن ضميرى ويعلم الله أننى ورفاقى نتمنى النهوض بمصر ومستقبلها وأن نراها آمنة مطمئنة فأعينونا على أن نبنى معكم وننهض وانهضوا بنا قبل أن يتملكنا الإحباط واليأس فأملنا فى الله وفى الضمائر اليقظة فى قلوب الأمة والمصريين فهل سننتبه لمصر العلم والتاريخ ؟!!
وفى الختام أتوجه بخالص الشكر والتقدير للعالم الجليل الكبير احمد زويل وكل رفاقه ومعاونيه وأدعو الله تعالى أن يوفقهم فى بناء مصر العلم لنتعيد مصر الحضارة والتاريخ.