3- صفحات مضيئة لمواقف الصحافة المصرية الصحافة بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي كان التعريف بقضايا العصر ومشكلاته وكيفية معالجة هذه القضايا في ضوء النظريات والحقائق التي اعتمدت لدى كل نظام أو دولة من خلال وسائل الإعلام المتاحة داخليا وخارجياً بالأساليب المشروعة وأيضاً لدى كل نظام وكانت الحرب العالمية الثانية قد أسفرت عن تغيرات كبيرة طرأت على الساحة الدولية أهمها بزوغ معسكرين. المعسكر الغربي بزعامة الولاياتالمتحدة والمعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي وكان للتحالف الأنجلو الأمريكي الأثر على مصر حيث إنكشف لها تماماً ارتباط مصالحه وتعانقها ومن ثم أيقنت أن القوة الأمريكية تقف وراء الإنجليز تؤيدهم ولكنها سرعان ما تشرق مطامعها لتغطي سماء الشرق الأوسط وعكست الصحافة أكثر من اتجاه صوب الولاياتالمتحدة اتجاه وقع على عاتقه التصدي لها وتمثل في صحيفة الوفد خاصة ذات النزعة اليسارية وبعض الصحف المستقلة هذا بالإضافة إلى الصحافة التي اتسمت بالطابع الماركسى والاشتراكي. واتجاه آخر ضعيف حمل الميول لها وظهر جليا الهجوم على الولاياتالمتحدة عقب فشل المفاوضات حيث أيدت الموقف البريطاني. فتذكر صحيفة (البلاغ) أنها تبذل قصارى جهدها لمنع عرض القضية المصرية على الأمم وذلك على اعتبار أن تسويتها بين الطرفين المعنيين تحقيقا لسياستها إذ ليس من مصلحتها طرحها على بساط البحث الدولي ولكن أمام إصرار مصر ورفعها الأمر للهيئة الدولية نشرت الصحيفة أن جهودا تبذل من وراء الستار خاصة من ناحية الأمريكيين لتأجيل مناقشة القضية لإمكانية استئناف المفاوضات. وكان لدور الولاياتالمتحدة المساند لبريطانيا في مجلس الأمن أثره فنقلته الصحافة وأنهى أي أمل راود الحركة الوطنية في احتمالية مساعدتها ويشير رئيس قسم المعلومات بالسفارة البريطانية في خطابه للندن إلى بعض الصحف التي راحت تعالج الأمور من منطلق أيديولوجيتها وضح ذلك في صحيفة (الجماهير) ذات الطابع الماركسي التي جندت أقلام كتابها للهجوم على الولاياتالمتحدة ورفض مشاركتها لأي وساطة لها بين مصر وبريطانيا. وفي ربيع عام 1948 إنجلت الحملات المضادة للولايات المتحدة فكتبت صحيفة (النداء) عنها وعدتها صورة جديدة للاستعمار في الشرق وتعرضت للاتلاف الأنجلو أمريكي والسياسة الجديدة التي تتبعها تجاه الشرق الأوسط والسعي لإيجاد قاعدة جوية مشتركة في بنغازي يكون الإشراف النهائي عليها للولايات المتحدة كما ذكرت أن مباحثات تجري بين فرانكو حاكم أسبانيا والأميرال شومان البريطاني والسفير الأمريكي في أسبانيا بقصد الاستيلاء على سبته من مراكش الأسبانية مقابل إدخال أسبانيا مشروع مارشال ومساعدة فرانكو بقرض كبير من الدولارات وأن الولاياتالمتحدة عرضت عليه رشوة تقدر بمبلغ 250 مليون دولار مقابل التسهيلات الجوية المطلوبة في مراكشوأسبانيا وإنزال الجيوش الأمريكية في مراكش الإسبانية وإرسال الخبراء الأمريكيين لتقوية المراكز الحربية في جبل طارق وأنها بدأت تروج الحملات في الصحافة لإقناع سوريا ولبنان بقبول قرض أمريكي للتسليح لاتخاذهما قاعدة حربية ضد روسيا وأن الخارجية البريطانية توافق تماما على هذه الخطة للسيطرة على منطقة البحر المتوسط ومنع الحركات الديمقراطية الشعبية التي تهدد الاستعمار وبذلك فضحت السياسة الإمبريالية. ويستاء مسئول الإعلام البريطاني من حساسية سلسلة المقالات التي نشرتها صحيفة (البروجريه إجبسيان) صاحبة ميول وفدية حول موقف الولاياتالمتحدة في حالة فوز توريز السكرتير العام للحزب الشيوعي الفرنسي وتوجلياتي السكرتير العام للحزب الشيوعي الإيطالي وبعد اكتمال الكتلة الشرقية السوفيتية عقب أحداث براغ وإمكانية امتداد نفوذها وبينت أنه قد آن الأوان ليفكر الأمريكيون جدياً في هذه المسألة وعلى وجه السرعة خاصة مع استمرار الوضع الاقتصادي والسياسي المتدهور في أوروبا الغربية وتوضح المقالات خريطة تدخل فيها فرنسا وإيطاليا – في حالة نجاح الحزب الشيوعي في كل منهما – تحت جناح الكتلة السوفيتية ثم تبين ما يتبع من اصطباغ مستعمراتهما بذلك واتساع المساحة الأرضية تحت زعامة موسكو وأن القوة المتضمنة أوروبا الشيوعية بزعامة روسيا اصبحت ممثلة لاتحاد جديد ضد الولاياتالمتحدة وأن الأخيرة لن تتمكن من اتخاذ إجراءات مباشرة وحاسمة حيث ستجبر من الشيوعيين على اتخاذ اجراءات دفاعية وأيضاً نقدت الصحيفة السياسية الأمريكية المؤيدة للسياسة البريطانية في السودان – فيما يتعلق بمشروع السودنة – على اعتبار أن تكون الأخيرة جبهة خلفية تنسحب إليها بريطانيا إذا اضطرت إلى الجلاء عن مصر كذلك فإن موقف الولاياتالمتحدة من إسرائيل قد اثار ضغينة الصحافة إذ كانت الدولة التي اعترفت بها وفي كثير من الحالات التي ثارت فيها على بريطانيا أدخلت معها الولاياتالمتحدة مثلما حدث عندما كتبت صحيفة (البلاغ) عما حدث في إيران في مارس 1951 وعدته نكسة للنفوذ الأنجلو أمريكي وبينت أن الإعانات التي شارك فيها الأمريكيون وأرسلوها لإيران لم تخدره أو تخدعه. ومن أجل ذلك تعد الصحافة المصرية في ذلك الوقت هي نواة الصحافة المصرية الحالية وبدايات تميزها اجتماعيا لتبنيها موقف القضايا الوطنية والرأي العام مع محاولتها توجيه الرأي العام للتحرك على أرض الواقع لخلق حلول للأزمات الطارئة.